طرابلس .. انتهى زمن الاستغلال

طرابلس .. انتهى زمن الاستغلال

04 ابريل 2014

وجود للجيش اللبناني في طرابلس ودخان انفجار

+ الخط -

اعتباراً من فجر، يوم الثلاثاء الماضي، بدأت وحدات من الجيش وقوى الأمن الداخلي اللبناني تنفيذ الخطة الأمنية لمدينة طرابلس في الشمال، وسبق ذلك تسطير استنابات قضائية، في حق مطلوبين أو متورطين كثيرين في أعمال القتال، أو التفجير، أو القنص وحمل السلاح. فجأة، اختفت من المدينة كل مظاهر السلاح، إلا سلاح الدولة، فلم يعد للذين كانوا، قبل أيام، يملأون الدنيا ويشغلون الناس، أي أثر في المدينة، وربما يكون هذا جزءاً من الخطة الأمنية، لإتاحة الفرصة أمام هؤلاء للهرب، حتى لا يدخلون مع مسلحيهم في مواجهة ضد الجيش وقوى الأمن.
وهكذا، يمكن القول: إن الخطة الأمنية في طرابلس سارت على أتم ما يكون، ووفق ما هو مرسوم لها، من دون سقوط قطرة دم، ما يعني أن كل ما كان يجري في طرابلس من نزف، طوال سنوات مضت، كان جزءاً من حسابات أطراف في الداخل والخارج. كان يمكن وقفه بكل بساطة، وتوفير عشرين جولة قتال على المدينة، مع ما رافقها من أثمان، لو توفرت الإرادة لذلك. أما لماذا توفرت الإرادة لذلك اليوم؟ وهل إن مدينة طرابلس لم تعد، من الآن وصاعداً، ساحة لتبادل الرسائل وتصفية الحسابات؟ فذلك أمر آخر.
والحقيقة أن الإرادة توفرت، لأن القوى السياسية التي كانت تستثمر في نزف طرابلس، وفي أولئك المسلحين، وصلت إلى مرحلةٍ، باتت تشعر بضررٍ يلحق بها، وأن استثمارها في هذا الجانب لم يعد ينفع. فالقوى السياسية التي كانت توفر الغطاء لمسلحي جبل محسن شعرت، في الفترة الأخيرة، بأنها في حاجة إلى التهدئة في الداخل اللبناني، بعد موجة التفجيرات التي طالت مناطق لبنانية، خشية انتقال الصراع السوري إلى داخل لبنان، ومعه قد ينزلق البلد إلى أتون فتنةٍ، تستهلك الجميع، وتستنزف هذه القوى، المنشغلة حالياً في الصراع السوري قتالاً إلى جانب النظام. لذلك، رأت أن من مصلحتها تشكيل حكومة شراكة مع الطرف الآخر، كما رأت أن من مصلحتها إرساء نوع من الاستقرار في البلد، للوصول إلى مرحلة مواجهة التحديات، المتمثلة في التفجيرات، أو ما يسمى الإرهاب، والقوى التي تقف خلفه. ومن هنا، جاء رفع الغطاء عن مسلحي جبل محسن. بيعوا في ليلة ليلاء بثمن بخس، في مقابل مصالح رعاتهم الذين كانوا يوفرون لهم الدعم إلى الأمس القريب.
وفي مقابل ذلك، فإن القوى السياسية التي كانت توفر الغطاء لمسلحي الطرف الآخر وصلت إلى مرحلةٍ، باتت فيها لا تملك قرار أولئك، فوجدت أن من مصلحتهم رفع الغطاء عنهم، وإنهاء هذه المهزلة، ولو مرحلياً، حتى تنعم طرابلس بالأمن، ولو إلى حين.
وأما الحديث عن انتهاء المرحلة التي كانت فيها طرابلس ساحةً لتبادل الرسائل، أو صندوق بريد، فهو سابق لأوانه، لأن أولئك المطلوبين ما زالوا طلقاء حتى الساعة، في مكان غير معروف لعامة الناس. وهذا ما من شأنه أن يبقي على حالة القلق والخوف، إذ أن القوى السياسية التي كانت تغطيهم يمكن أن تستعيدهم من مكان اختفائهم في أي لحظة، وبالتالي، يمكن أن تعيد خلط الأوراق في المدينة، وإعادة عقارب الساعة فيها إلى الوراء، بمعنى أنها تعيد من جديد إنتاج محاور جديدة واشتباكات جديدة، خصوصاً إذا أدركنا أن أحداً من الأساسيين لم يتم توقيفه بعد، وكذلك لم يتم مصادرة تلك الأسلحة التي كانت تستخدم في استنزاف المدينة.
هل تستعيد الخطة الأمنية الاستقرار؟ وتالياً، هيبة الدولة؟
ستشهد المرحلة المقبلة نوعاً من الاستقرار، بالنظر إلى الاعتبارات السياسية للأطراف المعنية التي سقناها، لكن ذلك لا يعني الحديث القطعي عن استقرار دائم، لأن معيار ذلك يتصل، أولاً، بالنأي الحقيقي عن التورط في القتال إلى جانب النظام السوري، وهذا لم يحدث، ومن شأنه، دائماً، تهديد لبنان باستجرار الأوضاع السورية إلى الداخل اللبناني. وثانياً، لأن تنفيذ الخطة الأمنية يجب أن يكون عادلاً ومتوازناً وشاملاً، بحيث لا يشعر معها أي فريق بأنه مستهدف من الدولة وأجهزتها الأمنية. ما يتطلب أَلا يكون هناك صيف وشتاء تحت سقف واحد، أو، بشكل أدق، يجب أن تكون الدولة صاحبة المرجعية والسيادة على قراراتها ومؤسساتها من دون غيرها، فلا يعود في البلد مواطنون لهم حقوق، ورعايا لا حقوق لهم. الأمر الثالث هو التوصل إلى صيغة مقبولة من الجميع، تمكّن الدولة اللبنانية من الإفادة من سلاح المقاومة، بما يعزز إمكانات الدفاع عن لبنان، واسترجاع أراضيه المحتلة، وحماية حقوقه البرية والبحرية، وبما يكفل حق اللبنانيين، جميعاً، في أن يكونوا جزءاً من هذه الصيغة، بحيث لا يكون لفريق قدرة الاحتكار، وتالياً، الاستثمار في هذا الملف لتحقيق مكاسب سياسية.
هذا المسار هو الكفيل بإعادة الأمن والاستقرار من ناحية، وإعادة هيبة الدولة المفقودة من ناحية أخرى. ولكن، تبقى العبرة في تقديم القوى السياسة في الالتزام.