Skip to main content
طبيب العائلة قائد الأوركسترا
سوزان برباري ــ بيروت
يؤمّن الرعاية الصحيّة الشاملة لجميع أفراد العائلة (Getty)

يعرف طب العائلة نجاحاً كبيراً في البلدان الصناعية المتقدمة، لا بل إقبالاً كثيفاً، في حين تعترضه عقبات كثيرة في بعض الدول العربية، لا سيّما لبنان، نتيجة إهمال هذا الفرع وعدم إدراك ‏الناس لأهمية طبيب العائلة. ويغيب عن بال هؤلاء أن الأخير مرجع أساسي وقاعدة هرم الخدمات الطبية المثالية ‏والنموذجية. فهو يشخّص الحالات الصحية المختلفة ويقدّم العلاج لجميع الأفراد. هو متخصّص بصحة الإنسان والأسرة.

فريال محسن، أم لأربعة أولاد، من هؤلاء الذين يثقون بطب العائلة. تقول: "اعتدنا منذ زمن بعيد على طبيب واحد في العائلة، يوجّهنا ويقدّم لنا العلاج المناسب للحالة التي نعاني منها". تضيف أنه "في مرات كثيرة وفّر علينا تكاليف فحوصات طبية لم نكن بحاجة إليها. لذا لا أظن أنني سأستبدله في يوم ما بطبيب آخر مهما علا شأنه". أما مازن حلو، فيرى أن "ثمة ضرورة لاختيار طبيب للعائلة". بحسب تجربته، هو "يساعد المرء كثيراً ويوفّر عليه خطأ اختيار الطبيب المختص غير المناسب لحالة معيّنة".

رعاية شاملة

وطب العائلة، بحسب تعريف الجمعية اللبنانية للطب الداخلي، يعني الرعاية الكلية أو الشاملة. فطبيب العائلة لا يعالج الفرد كفرد مستقل بل كفرد من أسرة. ويعالج بقية أفراد ‏الأسرة ومن بعدهم أسرة أخرى، ليغطي مجتمعاً صغيراً يليه المجتمع ككل. هو يوفّر على المريض وقته ‏وجهده وماله. على سبيل المثال، عندما يقصد مريض المستشفى شاكياً من ألم في ظهره، فهو بالطبع لا يعرف سبب ‏هذا الألم الذي قد يكون مرتبطاً بمشكلة في الفقرات أو في الحبل الشوكي أو ناجماً عن مشكلات أخرى. لذا قد يطلب طبيباً متخصصاً ما، غير ذلك المناسب لحالته. هنا تكمن أهمية طبيب العائلة الذي، ومن خلال فحص عام، يستطيع تحديد المشكلة. بالتالي، إما يعالجه هو وإما يحيله إلى متخصص ‏بحالته.

وفي هذا السياق، يؤكد اختصاصي طب العائلة، الدكتور غسان حمادة، لـ "العربي الجديد" أن "طبيب العائلة يلعب دوراً مهماً في الرعاية الطبية، إذ يسعى جاهداً إلى مساعدة العائلة ككل. فهو يهتم بتأمين الإرشاد الصحي وبالتوفير المادي قدر المستطاع. هو يجمع كل الاختصاصات في اختصاص واحد، ويتكل عليها عند تشخيصه الحالات التي تقصده".

من جهته، يشدّد اختصاصي طب العائلة، الدكتور عبدو أفرام، لـ "العربي الجديد"، على أن "طبيب العائلة هو خط الدفاع الأول للمريض ولا يمكن الاستغناء عنه أبداً". يضيف: "لو أن كل شخص منا اشتكى من ألم في بطنه ولجأ إلى استشاري في الأمراض الهضمية، أو ‏عانى من ألم في أذنه وقصد استشاري أنف وأذن وحنجرة، أو أصيب بطفح جلدي وذهب إلى استشاري في الأمراض الجلدية.. ماذا يحصل؟ لن يستطيع الطبيب في هذه الأحوال معالجة العدد ‏الهائل من المرضى ولن يستطيع تخصيص وقت للدراسة والبحث والتطور. وطبيب ‏العائلة لا يستطيع الاستغناء عن الطبيب المتخصص ولا يمكن للاختصاصي الاستغناء عن طبيب العائلة. كل واحد منهما ‏يكمّل الآخر في رعاية المريض".

ويوضح أفرام: "لهذا، على طبيب العائلة أن يكون ملماً بجميع الاختصاصات ولو بخطوطها العريضة، ليتمكّن من إرشاد المريض وتوجيهه في حلّ مشكلاته الصحية. وهنا يمكن التحدّث عن ‏حمل ثقيل. فمهمته صعبة للغاية، إذ قد يقصده المريض لأي سبب ولأية مشكلة يتعرّض لها أي من أفراد عائلته. لذا يمكن القول إنه الفلتر الذي يمرّ ‏عبره المرضى، قبل علاجهم أو تحويلهم إلى جهة أخرى".‏

رفيق العمر

ويتابع أفرام أن "أهميّة دور طبيب العائلة تكمن في أنه يؤمّن الرعاية الصحية الشاملة لجميع أفراد العائلة ذكوراً ‏وإناثاً بدءاً من سن الطفولة وحتى الشيخوخة. وهو يدعى أيضاً طبيب الصحة الأولية، كونه يتولى ‏علاج نحو 90% من الأمراض العضوية والسلوكية". ويشرح أن "طبيب العائلة يتابع الطفل في لقاحاته ويعالج مختلف الأمراض ‏التي يتعرّض لها ويعاين المرأة الحامل ويتابع المسنّ. وتندرج في إطار عمله الأمراض بمعظمها، من ‏ربو وكوليسترول وسكري وأمراض القلب وغيرها. لكنّ ثمة حدوداً يقف عندها، فيرسل المريض إذا اقتضت الحاجة إلى زميل متخصص في مجال معيّن وينسق معه ‏ويشرح له تاريخه الصحي، مما يجنّبه التكاليف الباهظة لفحوصات طبية ‏قد لا يحتاجها. ويتابعه كذلك حتى انتهاء العلاج".

ويلفت أفرام إلى "أهمية الوقت الذي يخصصه طبيب العائلة للمريض، في خلال معاينته. بذلك يتيح له مجال مشاركته جميع ‏مشكلاته العضوية والنفسية لإيجاد الحلول المناسبة لها".