طبرق.. مدينة البرلمان تغرق في الصفيح

طبرق.. مدينة البرلمان تغرق في الصفيح

28 يونيو 2016
انهيار الأوضاع بطبرق دفع الأهالي لتمنى خروج البرلمان(فرانس برس)
+ الخط -
قبل عامين، سيطرت مشاعر التفاؤل على المواطن الليبي سليمان العافي أحد سكان الحي الروسي في مدينة طبرق شرقي ليبيا، إذ استبشر العافي وأبناء حيه بانتقال "مجلس النواب"، إلى مدينتهم ما يجعل من "أعلى سلطة تشريعية في البلاد قريبة من مشاكل أهل طبرق ويرفع من حظوظ المدينة في التمتع بخدمات متنوعة"، كما يقول العافي، مستدركا "الآن الكل في طبرق، يتمنى عودة الحال إلى ما قبل مجيء البرلمان، الوضع على حالته السيئة وقتها، أفضل مما نعيشه اليوم".

حتى قبيل دخول برلمان طبرق، إلى المدينة في أغسطس/آب، من عام 2014، كان عدد سكان طبرق لا يتعدى 100 ألف نسمة، بحسب آخر كتاب إحصائي لمصلحة الإحصاء والتعداد الليبية صدر في عام 2010، غير أن العدد "ارتفع بشكل مهول إلى نصف مليون ساكن في المدينة" وفقا لنوري درمان رئيس لجنة الأزمة بالمجلس البلدي للمدينة، "وهو ما أودى بما تبقى من البنية التحتية المنعدمة أصلا في المدينة"، بحسب شهادات واعترافات لبرلمانيين وثقها معد التحقيق.


برلمان وسط الأكواخ

تنقسم مدينة طبرق إلى قسمين، الأول يضم عدة أحياء أبرزها الحي الروسي والجبيلة والشعبيات وهي عبارة عن غرف قديمة سقفها من الصفيح، يسكنها أهل المدينة الأصليين، بينما يتكون الجزء الأحدث في المدينة من عمارات وثلاثة فنادق يتخذ البرلمان أحدها مقرا له ويسكن موظفوه وأعضاؤه العمارات الحديثة المجاورة له، "والتي ظل أبناء المدينة لسنوات ممن يقطنون في الحي الروسي والمساكن الشعبية المنشأة في سبعينيات القرن الماضي، يحلمون بالانتقال إليها"، كما يقول أحمد بوخويرة الذي عمل لسنوات في البريد الليبي، متابعا بمرارة".

كنا نأمل أن يسلّم البرلمان العمارات التي خصصتها لنا الدولة، ولكنه جلب الشركات لإتمامها وسلمها لموظفيه القادمين معه من مدن أخرى" فيما يقطن أغلب السكان في غرف مسقوفة بالصفيح كانت تخص عمال شركة روسية غادرت منذ الثمانينيات، وبسبب أزمة السكن في عهد القذافي، انتقل أهل طبرق إلى هذه المساكن وبمرور الزمن اضطر السكان إلى توسيعها بالبناء حولها ولضيق المساحة أصبحت مكتظة بشكل لا يوصف" كما يروي لـ"اكريم اعزيز"، أحد سكان حي الجبيلة، لـ"العربي الجديد".

وتبلغ مساحة مدينة طبرق 39 كيلومترا مربعا وتضم المدينة ستة مجمعات سكنية هي "حي عمارات سوق العجاج وحي عمارات الفرجان وحي عمارات الحرية وحي عمارات الأندلس وحي عمارات المختار وحي عمارات الحدائق" وتعاني الثلاثة الأول، من مشاكل الصرف الصحي والرطوبة وانقطاعات المياه إضافة إلى التصدعات بسبب قدم إنشائها منذ ستينيات القرن الماضي، أما الثلاثة الأخر فهي عمارات حديثة مخصصة للمواطنين، توقفت عملية استكمال بنائها عند مراحلها الأخيرة وقت قيام ثورة 17 فبراير، قبل أن يشرع البرلمان في استكمالها و"تخصيصها لموظفيه وأعضائه، إذ لا تبعد كثيرا من مقر البرلمان"، كما يقول درمان، متابعا بسخرية "أعضاء البرلمان يطلون من الطوابق العليا في مقرهم على هذه الأكواخ، لم نر منهم سوى الوعود، رغم الطلبات الرسمية، والاحتجاجات الشعبية والاعتصامات التي نظمها موظفو وسكان المدينة، من أجل لفت نظرهم إلى أزمات المواطنين".

ويضيف"بسبب ارتفاع عدد سكان المدينة إلى نصف مليون في عامين، بلغ إيجار الشقة 3000 دينار ليبي ( قرابة 2150 دولارا) بعد أن كان لا يزيد على 500 دنيار حتى وقت قدوم البرلمان إلى طبرق (361 دولارا)، هذا مبلغ فلكي للأهالي وربما لا تصدقون أن جشع السماسرة أوصل إيجار الكوخ في أطراف المدينة إلى 150 دينارا" ومضى قائلا "السماسرة وصل أذاهم إلى الأراضي الزراعية في أطراف المدينة فقد حولوا الكثير منها إلى مساكن جاهزة ليسكنها الوافدون من كل حدب وصوب، ولا سيما النازحين من مدنهم بسبب الحرب".

ويتابع "بعد وفود أعداد كبيرة من أسر موظفي وأعضاء مجلس النواب والعاملين فيه، بالإضافة لأعداد كبيرة من الفارين من جحيم الحرب جاءوا للإقامة بالقرب من البرلمان لعل مشاكلهم تحل، انهارت الخدمات التعليمية، إذ إن مباني الجامعة والمدراس غير قادرة على استيعاب أبناء الوافدين ما تسبب في إيقاف الدراسة أكثر من مرة".


طبرق عطشى

فاقم الاكتظاظ السكاني في المدينة أزمة المياه المتردية أصلا، فالمصدر الوحيد للمياه هي محطة تحلية المدينة المنجزة في زمن النظام السابق، لا تنتج أكثر من 40 ألف متر مكعب يوميا.

ويكشف حسن عوير مدير محطة التحلية عن إلغاء مكتب خدمات المدينة الذي أوكلت إليه مهمة توزيع المياه على المدينة بسبب تحويل مقر مكتب الخدمات إلى مقر أحد إدارات البرلمان، قائلا "المشكلة مركبة علاوة على السبب السابق فإنتاج المياه محدود أصلا". ويوضح "شبكة التوزيع عتيقة ولم يتم تحديثها، بسبب زيادة عدد السكان تفاقم توصيل المياه عبر شبكات عشوائية، ما جعل الأهالي يعشون نقصا حادا في المياه".

بسبب أزمة المياه، اضطر سليمان محمد وجيرانه في الحي الروسي، إلى تأجير سيارات لنقل المياه إلى بيوتهم، تحصل منهم على 100 دينار في النقلة الواحدة كما يقول، ويؤكد عوير أن إدارة محطة التحلية توجهت بطلب إلى المسؤولين بضرورة إيجاد حل بديل في ظل حجز إنتاج المحطة لمقر وإدارات البرلمان والعمارات المخصصة لموظفيه، ويضيف "كان الرد بأن الأوامر صادرة من المجلس البلدي".

رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح يرقي خليفة حفتر (فرانس برس)


تلوث بيئي

يكشف الناشط البيئي محسن زويد منسق حملة "Libya Let’s Do It"، عن تلوث هائل تتعرض له المدينة بسبب ما خلفته ناقلات النفط التي دخلت إلى ميناء المدينة التجاري، الذي لا يتوفر على إمكانات تصدير النفط ، بحسب محسن.

ويقول "في إطار حملتنا، وللعام الثاني وضمن مهامنا في تنظيف شواطئ المدينة من أكوام القمامة والمخلفات المتزايدة قدمنا تقاريرنا عن وجود تلوث نفطي كبير بسبب وجود بقطع من النفط الخام في بعض أنحاء الشاطئ مدعومة بتوثيق لنفوق عدد كبير من الأسماك والطيور في المنطقة".

وتتوفر المدينة على ثلاثة مواقع بحرية للتصدير، هي الميناء الرئيسي وهو تجاري، ومرسى الحريقة النفطي بالإضافة لرصيف تابع لشركة البريقة النفطية، وبسبب الخلافات القائمة بين حكومة البرلمان وحرس المنشآت النفطية المسيطر على موانئ تصدير النفط وسط البلاد اتجهت الحكومة لإضافة الميناء التجاري للميناءين الآخرين لاستقبال ناقلات تصدير النفط.

ويشتكي مسؤولو ميناء طبرق البحري من تحول الشاطئ المحاذي للميناء إلى مكب للقمامة والنفايات وبقايا مخلفات المباني. ويقول المسؤولون في ميناء طبرق البحري: "إن رمي المخلفات والقمامة على شاطئ البحر أدى إلى ردم شاطئ البحر والميناء؛ ما يمنع القوارب من الاقتراب من الشاطئ بسبب تعاظم كمية مخلفات المباني". وبحسرة يقول الناشط الليبي محسن "هل يمكن أن تصدق أن مكب القمامة الرئيسي، يقع في وسط المدينة التي يتخذها البرلمان مقرا ولا يوجد جزء من هذه المدينة لا يصله دخان الحرائق".

وبأسى قال "لأن الفندق الذي يتخذه البرلمان مقرا والعمارات التي يسكنها موظفوها ومقارها في أحياء الحدائق والأندلس والمختار كلها في الجزء الشمالي، فإن الأدخنة لا تصلهم، وتصل إلى الأحياء السكنية".

درمان رئيس لجنة الازمة أوضح أنه "رغم الأموال التي صرفت للمجلس البلدي، إلا ان شركة النظافة متوقفة عن العمل بسبب توقف رواتب موظفيها منذ عامين".


نواب: ليبيا كلها تعاني

يؤيد الصادق الحوتي، أحد نواب المدينة بالبرلمان ما ذهب إليها أهلها من تأثير سلبي لوجود مقر البرلمان في المدينة، واصفا الدعوى لانعقاده في طبرق، بأنها كانت مساعي لمكاسب سياسية لأشخاص بعينهم دون النظر لظروف وإمكانات استيعاب مدينة صغيرة في أقصى البلاد لمؤسسة تشريعية بكل إداراتها ومكاتبها وموظفيها.

وتابع لـ"العربي الجديد": "أثر البرلمان السلبي على المدينة بدا واضحا اقتصاديا واجتماعيا وعلى أوضاع المواطنين الحياتية"، ويمضي "استنزفت إمكانات المدينة لخدمة البرلمان، وكل شكاوى الجهات الأهلية أو من قبل نواب المنطقة، المقدمة لرئاسة البرلمان أو لجانه تطلب في شكل مذكرات وينتهي الأمر بها للأدراج". وعن أسباب الإهمال يقول "الرئاسة تتعذر بأنها تدير شؤون البلاد وليس المدينة وأنها تعالج مشاكل وأزمات سياسية أكبر مما نتحدث عنه".

ووفقا لما وثقه معد التحقيق، فإن السلطات تلجأ إلى زعامات القبائل، عندما يضج المواطنون بالشكوى، وبالفعل يضطر الشاكي للصمت انتظارا لتحقيق وعود تحسن الحال". بالمقابل يعترف عبد الله بليحق المتحدث باسم البرلمان بتضرر المدينة، موافقا على أن إمكانات المدينة لم تكن تسمح بأن تكون مقرا لبرلمان البلاد، ولكنه في ذات الوقت لا يوافق على أن يكون البرلمان السبب الوحيد في الانهيار الذي تعاني منه المدينة قائلا "تقريبا بلا استثناء كل المدن الليبية بما فيها العاصمة طرابلس تعاني مما تعانيه طبرق وأكثر ربما".

ولفت إلى أن "الازمات المتتالية التي تعاني منها البلاد في ظل انقسام وتردي الأمن لم تترك الفرصة للمسؤولين لتحسين الوضع" وقال "رغم شح الموارد لدى سلطة البرلمان، إلا أننا فوضنا الحكومة للتعاقد مع شركات لتحسين البنية التحتية ومحطة توليد المياه للمدينة، غير أنها توقفت بسبب عدم توفر الميزانيات اللازمة للحكومة".