طالبوا بحرية الصحافة حين تتحررون من أطماعكم

اتفق الصحافيون المغاربة على المطالبة بحرية الصحافة، في كل مناسبة ومن دون مناسبة، للحديث عن السياسة بكل حرية، وبعضهم لم يتحرر بعد من سياسة "المغلفات" تحت الطاولات ورشى الإشهارات (الإعلانات) و"البزنيس" مع المقاولين، وتمرير خطابات مَنْ يدفع أكثر.
حين يخرج واحد من أكبر الصحافيين المغاربة المعارضين ليرد على صفحات ذكرته بسوء في كتاب "الأمير المنبوذ" لابن عم الملك، فينشر غسيل صحافيين مغاربة في لائحة أسماء المستفيدين من دعم الأمير "مولاي هشام"، في مقابل إحداث الرجة السياسية في المغرب، نقف لنتساءل عن هذه الحرية، التي يطالب بها هؤلاء، عن ادعاءاتهم بأن حماسهم وثوريتهم إنما هي لمصلحة الشعب، عن قيمة الحركات الاحتجاجية في المغرب، إن كانت مطبوخة تحت تأثير الصدقات والرشى بالملايين، عن أي تغيير أو إصلاح يتحدثون؟. ما نوع الحرية التي يرغبون فيها؟ أنّى للمفسد أن يصلح؟ أنّى لعبد المال أن يتحرر! حين تعلم أن صحافيين يحاربون "الحزب الحاكم" ذا المرجعية الإسلامية، لا يفعلون هذا حباً في الشعب ومصلحة الشعب، بل لأنهم ممولون من حزب آخر، هو أشرس وأكثر فساداً من كل الأحزاب، التي نهبت خيرات المغرب، يبتلعون ملايين الإشهارات (الإعلانات)، لمصلحة ذلك الحزب القابع اليوم في المعارضة، حتى يمهدوا له الطريق نحو الانتخابات القادمة.
اتفق صحافيون مغاربة على أن الجريدة غير المحزبة هي المستقلة، وأخذوا يتبجحون بالاستقلالية، متناسين أن الاستقلالية حقيقة ليست استقلالية التوجه، فلا يوجد منبر إعلامي من دون توجه، إذ إن المنبر إن لم يكن حكومياَ، فهو بالضرورة معارض، وإن لم يكن إسلامياً، وكان يدعو إلى فصل الدين عن الأخبار السياسية، فهو بالضرورة علماني، وإن لم يكن محافظاً فهو حداثي، وإن لم يكن مدافعاً عن الفقراء والطبقة المتوسطة، فهو بالضرورة رأسمالي تابع لنخبة النيوليبرالية، التي تستثمر في الشعب وموارده! توجه يظهر حتى في التقارير الإخبارية، التي تنقل الأحداث بلغة الصفر، من دون توصيف أو تعبير، توجه يظهر حين تكتب الخبر بإحدى العبارتين: "الجيش يحارب الإرهابيين" أو "العسكر يقتل المتظاهرين السلميين".
يتبجحون بالاستقلالية، ويتناسون أن لكل منهم توجهاً، وأن التوجه طبيعي حين يتم إعلانه بدل إخفائه للتمويه. الاستقلالية الحقيقية هي استقلالية رأس المال ومصادر التمويلات الداخلية والخارجية، وتبدأ حين يكشف عنها الصحافي، بكل صراحة ووضوح وأريحية، إن لم يكن فيها بيع وشراء، وأقلام ومداد وعقول، يتاجرون فيها بمصالح الشعوب، مقابل دراهم الأثرياء. فأية استقلالية حين تجد، بعد نبش طفيف على منبر إعلامي مغربي، أن مصدر تمويله هو ذوو النفوذ أنفسهم، الذين ينبغي على الصحافيين محاربتهم لإيقاف الفساد في البلاد.
عن أية حرية يتحدث هؤلاء الصحافيون، وعن أية حقوق، إن كانوا قد استعبدوا أنفسهم، وجعلوا من منابرهم أداة يضرب بها الرأسماليون والمقاولون الكبار بعضهم بعضاً، مرة هذا يضرب ذاك بمقال في مقابل إشهار في الجريدة، ومرة يرد الآخر على ذاك بمقال مقابل بيع معلومات خاصة، والعجلة تدور في فضاء المقاولين في موارد الشعب والمقاولين في عقوله، من يدّعون الاستقلالية ويطالبون بالدعم والحرية!
اليوم، لم تعد لدى الشعب المغربي مشكلة أن يعرف أن هذا المنبر يدافع عن الشرعية، وأن الآخر يدافع عن العلمانية، إن كان سيختار في نهاية الأمر ما يصدق، إنما مشكلة الشعب في معرفة المرتزقة من الشرفاء، والتمييز بين من يدافع عن التوجه، قناعة وإيماناً، وبين من يطبـّل ويزمّر، ليزيد من أسهم الأثرياء وأرباحهم.
تطالبون بالحرية؟ فلتحرروا أنفسكم يا مرتزقة الرأسمالية!