ضيق الحياة

ضيق الحياة

21 سبتمبر 2014
تزايد التسول والتشرد في لبنان (أرشيف/Getty)
+ الخط -

من تحت جسر الكولا في بيروت، ووصولاً إلى نفق سليم سلام، مدينة جديدة افتُتِحَتْ خلال الأشهر السابقة، بعيداً عن الضجيج الإعلامي، وغياب الرؤساء والسياسيين، الذين اعتدنا وجودهم في الصفوف الأمامية في أي مناسبة، افترشت أرضها أجساد بعض المشردين والمتسولين، بعضهم لبناني، والبعض الآخر سوري، وآخرون لا جنسية لهم، ولا حدود تحميهم من اللجوء أو النزوح. 
ظاهرة التسول هذه ليست جديدة على جسر الكولا، فقد اعتاد هذا الجسر استضافة من لا مأوى لهم لسنوات، لكن ما هو جديد هو انتشار قاطنيه وازدياد أعدادهم، حتى بات ظل أي جسر، أو حديقة عامة مقصداً لهؤلاء، من المسؤول وأين تقع المسؤولية؟ الدولة؟ الحكومة؟ وزارة بعينها؟ مجموع وزارات؟ أم نحن -المواطنين- مسؤولون عن غياب دستور إنساني لحالات كهذه!
تحت ظل هذا الجسر، مدينة تتكلم، مدينة لا تشبه المدن الموجودة في كتب التاريخ، ولا تمتُّ بصلة إلى واقعنا المُعاش، ولا إلى جغرافيتنا المرسومة، تختلف بشكلها ومضمونها عن غيرها، سوداء حالكة حال تلك المدينة، باستثناء بعض الأنوار الخافتة، سيارات تمر مسرعة، ترمي بقعة ضوء على وجوه سكّانها وتمضي، وهكذا يقضي أبناؤها ليلتهم، نباح كلب هنا أو هناك أمرٌ اعتادت آذان الرُضَّع سماعه.
ما يميّز هذه المدينة عن غيرها أنّ لا قانون ولا مؤسّسات تحكمها، ولا وجود لـ 128 نائباً، ممدّداً لهم كما هو الحال في مجلس النواب اللبناني.
ظاهرة التشرد أو التسول في لبنان، وغيرها من الدول المجاورة، تطرح معضلة أساسية أمام الضمير الإنساني، كما تطرح علامات استفهام حول التداعيات الاقتصادية والاجتماعية التي تتركها على المجتمع والاقتصاد.
بدأت تنتشر ظاهرة التشرد في بيروت، بعد توافد النازحين السوريين، ولا شك في أن أزمة النزوح السوري إلى لبنان تركت تداعيات سلبية في كافة القطاعات الإنتاجية والاقتصادية في لبنان، وربما الأرقام كفيلة لتوضيح حجم الخسائر التي مني بها الاقتصاد، لكن بين هذه الأرقام معاناة إنسانية لمواطنين قدّر لهم أن يكونوا يوماً ما برسم اللجوء والنزوح.
مَنْ يدخل هذه المدينة، يعي قساوة وجودها في بلد كلبنان اعتاد تهميش أبنائه، فكيف به يتصرّف مع بعض الأفراد المنتمين إلى حدود أخرى، أو إلى مَنْ لا حدود لهم، وتبقى قضية النزوح واللجوء من أهم القضايا التي لا تحتاج إلى جلسات واجتماعات بين القادة السياسيين، بقدر ما تحتاج إلى شعور إنساني بوضع أفراد لا طاقة لهم بتحمل لعبة الكبار.

دلالات