ضمائر في العناية المركزة

ضمائر في العناية المركزة

11 سبتمبر 2019
+ الخط -
الضمير المجتمعي الإنساني بعيد عن السفسطة اللغوية والتراكيب المعقدة واستعراض الملكات الفكرية والثقافية التي تؤدي إلى الفتور عند المتلقي. فتعريف الضمير مجموعة من "المبادئ الأخلاقية التي تسيطر أو تتحكم في أعمال الشخص وأفكاره، وهو يشمل الإحساس الداخلي بكل ما هو صحيح أو خاطئ في سلوك الشخص أو دوافعه، وهو ما يدفعه للقيام بالعمل الصّحيح، وهو إحساس أخلاقي داخلي عند الإنسان، تُبنى عليه تصرفاته، ويحدد الضمير درجة نزاهة وأمانة الإنسان، وشعوره بالسلام الداخلي نتيجة نقاء ضميره". 
المعلوم لدى الجميع، أن غرف العناية المركزة هي التي تكون في جناح خاص لدى المستشفيات الكبرى، يتم فيها تقديم عناية صحية فائقة وحرجة لخطورة الحالات التي تستقبلها، وأنا أتصورها مثل إشارة المرور في الشارع التي تنظم السير بأضوائها التحذيرية، إما مرور، أو توقف. وهنا في معرض البيان، إما بالعودة الى الحياة من جديد إن لم يستوف الأجل حسب المقدر من رب العالمين، أو نقطة النهاية في الحياة الدنيوية البشرية، والانتقال إلى الحياة البرزخية.
وما بين التعريفين للضمير، والعناية، وهما شقا الرحى في العنوان، نغوص معاً لسبر أغوار هذا المقال الذي أتمني أن يصل الى الكثير والكثير من شرائح المجتمع المحيط من المحيط إلى الخليج، وشتى بقاع الأرض لخطورة محتواه وملامستة لأدق أسرار الحياة السوية في مجتمعاتنا المعاصرة.
عند تناول فكرة هذا المقال كانت تراودني أسئلة على الجميع الأجابة عنها، ونفض الغبار الماكث فوق أشلاء التصالح النفسي والمجتمعي: ما هو وجه الربط بين العناية المركزة والضمير؟ وما هي أسباب اعتلال الضمير المجتمعي الإنساني؟ وهل هناك غرف عناية كافية في المجتمعات لاستقبال الضمائر؟ وما هي نسبة الخروج من غرف العناية المركزة بسلام وصفاء؟ ومن هم الأطباء في غرف العناية المركزة؟ وهل هنا أدوات وأجهزة كافية في تلك الغرف لتؤدي دورها؟
هنالك أسئلة كثيرة يمكن اشتقاقها من رحم تلك الأسئلة، وذلك اكتسبته بحكم الخبرة الحياتية في مجال التحقيق الجنائي، أو التقديم الإعلامي.
لا يخفى أن الضمير المجتمعي الإنساني يعيش أسوأ حالاته، فهو في سبات طويل تجاوز مرحلة السبات الشتوي في القارات القطبية، وذلك يظهر جلياً في السلوكيات والأخلاقيات المنتشرة كالنار في الهشيم في شوارعنا، وبلادنا، وشاشات إعلامنا وتواصلنا الاجتماعي، وهو من علامات الاضطراب السلوكي المرضي الذي يحتاج الى الترياق الشافي من سموم الحاضر والثورة التكنولوجية التي أحدثت طفرة غير مسبوقة في التواصل ونقل الثقافات بين المجتمعات واستخداماتها التي تدور بين فلك الإيجابيات والسلبيات.
وللأسف، كان الدور السلبي هو السائد الأعم، مما جعل تلك الضمائر تحتاج إلى الدخول سريعاً في تلك الغرف لتقديم الإسعافات العاجلة لإنقاذ ما يمكن إيقاظه من ضمائر حادت عن الدرب السليم، وأعادتها إلى الحياة الدنيوية من جديد، حتى يسود الوئام والتصالح النفسي والذاتي. وللأسف الشديد، أيضاً، أقول إن مجتمعاتنا الحالية لا أجد فيها غرف عناية مركزة لاستيعاب هذا الكم البشري الرهيب من المصابين بحالات الاعتلال الضميري المجتمعي، فقد أصبحت غرف الطوارئ التمهيدية تلفظ هؤلاء الأصناف من أحشائها إلى الطرقات لعدم قدرتها على الاستيعاب من الأساس، وبالتالي لا تستطيع أن ترسل تلك الحالات إلى غرف العناية المركزة.
حتى لا أكون صاحب نظرة تشاؤمية، لا بد أن نقول، وبكل وضوح، إن مجرد ولوج تلك الحالات المصابة باعتلال الضمائر إلى غرف العناية المركزة هو بداية الخيط الصحيح ونسبة الشفاء يمكن أن تكون مرتفعه بإعطائها بعض المسكنات والعلاجات التمهيدية التي تساعد على استقرار تلك الحالات نوعاً ما، في محاولة لإعادة دمجها وتأهيلها في المجتمعات من جديد.
يتساءل بعضهم من هم الأطباء المعالجون في تلك الغرف، وهو سؤال ليس بالأمر اليسير، فهو يحتوي على آلية العمل، وطوق النجاة في التوقيت نفسه. وللرد على هذا التساؤل يتوجب علينا تنشيط الدور العقائدي والروحي لدى الأطباء (المصلحين)، أو رسل المجتمعات، كما أطلقت عليهم سلفاً في العديد من المنابر، مثل المثقفين والعلماء ورجال الدين والإعلام والسياسة والاقتصاد، وكل من لديه وسيلة في التواصل، وإمكانية التفاعل مع المجتمع بدلاً من الأسرة الصغيرة، إلى المدرسين في المراحل الدراسية التأسيسية وصولاً إلى مرحلة سوق العمل.
ويتساءل البعض الآخر: وهل هناك أجهزة وأدوات كافية لتحقيق تلك الطموحات النرجسية في حروف المقال للتطبيق الفعلى على أرض الواقع؟
بصراحة، هنالك عراقيل وصعوبات كثيرة يتم غرسها في أجساد محاولي الإصلاح المجتمعي، مثل غرس ذنب العقارب، وأنياب الثعابين، في الأجساد، واتهامهم بالشطط أحياناً، والتمرد على الواقع، لكن يبقى الإيمان بالغاية والهدف والرسالة الترياق الحقيقي لديهم من سموم العراقيل، والسعي بلا كلل، أو ملل، وهذا دور الرسل في كل وقت وكل حين، وصدق القائل سبحانه وتعالى في سورة الإسراء "مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا".
F010FFAB-9D22-486A-90B9-2D8D1D8A3315
F010FFAB-9D22-486A-90B9-2D8D1D8A3315
شحات خلف الله عثمان (مصر)
شحات خلف الله عثمان (مصر)