صورة افتراضية

صورة افتراضية

28 نوفمبر 2019
مطالب كثيرة لديهم (حسين بيضون)
+ الخط -

ما هي صورة طلاب لبنان في المقبل من الأيام؟ قبل الدخول في تفصيلات المشهد، لا بد من القول إن الحدث اللبناني مفتوح على احتمالات شتى تراوح بين العودة إلى الهدوء، أو تدهور الوضع إلى حدود الفوضى الأهلية، إن لم نقل أكثر من ذلك في حال أفلت زمام حلقات العنف.

رغم هذين الاحتمالين، يمكن التكهن بأن الصورة التي يمكن رسمها للحياة الطالبية ممكنة. وهو ما يتطلب الإشارة إلى نموذجين من الحياة الديمقراطية لطلاب لبنان: الأول منهما هو في التعليم الخاص ونموذجه في الجامعات: الأميركية واللبنانية الأميركية والعربية واليسوعية. أما الثاني فهو الجامعة اللبنانية بفروعها وأقسامها المتعددة مناطقياً واجتماعياً.

بالنسبة إلى المجموعة الأولى أشرنا سابقاً إلى أن الانقسام بين الكتل الطالبية في هذه الجامعات بما هو انقسام سياسي بين فريقي 8 و14 آذار بمنوعاتهما، مع حضور للمجموعات اليسارية والعلمانية والمستقلة. وهذه تتجمع حول بعض النوادي والتشكيلات. الجسم الأساس هو للقوتين السابقتين، لذلك لم يكن خارج المألوف أن تتوجه كل فئة بعد إعلان نتائج الانتخابات الطلابية نحو مرجعيتها، لتزف إليها نبأ انتصارها، أو ما حققته من مقاعد في مجالس الطلاب. كان هذا الانقسام طاغياً إلى الحد الذي يبتلع معه المطالب الطالبية بما فيها قضية الأقساط المرتفعة.

في الجامعة اللبنانية الصورة مختلفة بعض الشيء. لقد أشرنا سابقاً إلى تعطل الانتخابات لمجلس طلاب الجامعة اللبنانية لمدة 11 سنة، تخللها توريث العضوية لمحازبين حاليين من محازبين سابقين. لكن الجامعة بكلياتها وفروعها المنتشرة على كامل الأراضي اللبنانية ذات تلاوين مناطقية وطائفية وسياسية كثيرة، إلى الحد الذي يمكن معه القول إن الجامعة هي نموذج عن انقسامات اللبنانيين وصراعاتهم. العاصفة التي أحدثها الحراك لا بد أن تترك مفاعيلها على توازنات القوى بين المكونات الطالبية. كانت الكليات تتجاوب وتتماثل مع موقعها الطائفي والمناطقي. فمثلاً يهيمن حزب الله وحركة أمل على معظم كليات الفرع الأول في منطقة الحدث لقربه من الضاحية الجنوبية، بينما تتوزع القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر والكتائب في الفروع الثانية. أيضاً تيار المستقبل له حضوره في الكليات والأقسام التي لا تزال منتشرة في الأحياء البيروتية. يمكن استعمال القياس نفسه على فروع الشمال والبقاع والجنوب. والحصيلة أننا أمام موزاييك من الألوان يعبر عن توازنات لبنان كما كانت عليه. كان كل من لا يوافق على هذا التقاسم بين قوى الطوائف يعمد إلى تكوين مجموعة خاصة به يخوض بها الانتخابات. لكن، ولأن الانقسام عمودي وحاد، كان مثل هذا الأمر متعذراً. أقصى ما يستطيعه هو الوقوف على الحياد وتسليم مقاليد تمثيل الفرع لسواه.



أهمية المشهد الاجتماعي السياسي العام الذي تبدّى من خلال التظاهرات التي كان معظم المشاركين فيها من الشباب اللبنانيين، أنها ستنعكس بالضرورة على اتجاهات الطلاب كونهم عاشوا أياما طويلة في قلب الحدث، وسيعمدون بالتأكيد إلى التجرؤ على القوى التقليدية الطائفية التابعة لأطراف تمت إدانتها بأقذع العبارات، ما يدفع إلى الجزم أن مناخاً مختلفاً ستعرفه الجامعات اللبنانية في غضون العام 2020. قد لا ينعكس ذلك مباشرة في صناديق الاقتراع، لكنه سيطلق جرس بداية مسيرة التغيير الطويلة.

*باحث وأكاديمي

المساهمون