لا بدّ من حماية حقوق المتطوعات والمتطوعين (Getty)
يتجه عدد كبير من الشباب السعودي إلى الانخراط في العمل التطوعي، أما الأسباب فكثيرة. منهم من يدفعه الشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع وتنميته، ومنهم من يرغب في قضاء وقت الفراغ بما يعود عليه بالفائدة، أو تنمية بعض المهارات أيضاً واكتساب تجربة وخبرة من خلال الاحتكاك بالمجتمع عن قرب وتلمّس احتياجاته.
وكانت أهمية العمل التطوعي قد تجلّت إبان كارثة سيول جدّة في عام 2011، عندما أغرقت المدينة وشوارعها وبيوتها وساهم المتطوعون بشكل مهم في مدّ يد العون للتخفيف من حجم الفاجعة وتداعياتها. يُذكر أن عدد المتطوعين والمتطوعات تجاوز بتلقائية آنذاك أربعة آلاف و738 متطوعاً.
منذ ذلك الوقت، يسعى المهتمون إلى تخطي فكرة العمل التطوعي المرتبط بالكوارث، ليشمل النشاطات التطوعية المنظمة من أجل خدمة المجتمع على مدار العام. لكن في الآونة الأخيرة، بدأ الحديث عن "استغلال المتطوعين" من قبل بعض الجهات المنظمة للأنشطة الاجتماعية، وعبّر المهتمون عن تخوّفهم من تقويض مفهوم التطوع الحقيقي، واستغلاله كوظيفة مؤقتة.
ويُستغل المتطوعون على سبيل المثال من قبل شركات في حملات علاقات عامة للشركة وعمليات تسويق. أو يُجذبون إلى تنظيم مؤتمرات أو معارض اجتماعية مجاناً، على الرغم من وجود داعمين وميزانية محددة لتنظيم هذا المؤتمر أو المعرض تحت لافتة التطوّع. وذلك لتوفير ميزانيات، لا سيما حرمان الشباب من المكافآت تحت عنوان "الأعمال التطوعية".
"تطوّع " حساب على موقع "تويتر" للتواصل الاجتماعي، تقول مؤسسته عواطف العميرين إن "التطوع في القطاع الربحي من تنظيم وغيره، هو استغلال. ويُستغل المتطوع بسبب جهله بحقوقه وواجباته، كذلك لا توضّح له المهام المطلوبة منه". وتضيف لـ "العربي الجديد" أن "ثمة استغلالاً لحاجة الشباب إلى التطوع بسبب قلة الفرص التطوعية في مناطقهم. مثلاً، يستغل في إشهار الفريق أو الجمعية وتوسيع العلاقات، قبل أن يُستَغنى عنه بحجج واهية، بالإضافة إلى توكيله بمهام غير التي تطوّع لأجلها، بل هي من اختصاص الموظفين لدى المركز أو الجمعية. بالتالي يُرهَق بكثرة المتطلبات". ولا بدّ من الإشارة إلى "قائد الفريق أو المؤسسة الذي يعامل المتطوعين كأنهم موظفون لديه. حتى أن البعض استغل إقبال المتطوعين والمتطوعات، وفرض رسوم اشتراك سنوية على كل عضو يريد الالتحاق بفريقه، أما الحجة فعدم وجود داعم للفريق". وتؤكد أن "كل هذا بسبب عدم وجود مظلة رسميّة تحمي حقوق المتطوعين".
اقرأ أيضاً: السعودية بين مواجهة الطائفية وحرية التعبير
علي العليوة واحد من المهتمّين بالعمل التطوعي، يقول لـ"العربي الجديد": "قبل خمس سنوات أو أكثر، وعلى الرغم من غياب الوعي حول أهمية العمل التطوعي وشكله، إلا أن الأمر كان انغماساً وانجذاباً وإصراراً على التطوّع بالفطرة. كان العمل بشغف على الرغم من انشغالاتنا وتعقيدات أوضاعنا الدراسية والأسرية". يضيف: "كانت ثمّة أسباب تدفعنا إلى ذلك، كالبيئة المناسبة التي تستقطب المتطوعين والقائمين على هذه المشاريع الذين كانوا يضعون إجراءات وسياسات واضحة ومهام تطوعية تحثك على الانسجام معها".
يتابع العليوة أن "ما نلاحظه اليوم وما نراه على أرض الواقع، مختلف تماماً. صنّارة المستغلين راحت تصطاد حماسة المتطوّعين، في ظل افتقارهم لأساسيات وأصول الأعمال التطوعية وغياب العامل الرئيس المهم وهو الوعي بالأعمال التطوعية وأشكالها وأهميتها". ويرى أن "الملامة لا تقع على الجهات المنظمة لهذه الأنشطة، فهي لها مصالحها وأعمال تبحث عن إنجازها بأقلّ التكاليف وأبسط الطرق. وفي الوضع الراهن، سيستمر استغلال المتطوعين لأن المنظم يبحث عن سدّ احتياجاته بأقل التكاليف والمسؤوليات، أما المتطوع في ظل غياب الوعي والحماسة والاندفاع والفراغ، فسينجرف للعمل تحت أي ظرف".
ويأمل العليوة بتطوير العمل التطوعي عبر الحدّ من انجراف المتطوعين واستغلالهم، "لتقلّص هذه الظاهرة بالتكاتف"، في حين يطالب "الدولة بلعب دور في احتضان هذه الفئة من خلال إنشاء جهة رسمية خاصة تحت اسم: المركز السعودي للمتطوعين والأعمال التطوعية أو الجمعية السعودية للمتطوعين". بالنسبة إليه، "عند إنشاء منظمة رسمية، سوف توضع بلا شك خطط واستراتيجيات عمل واضحة، يعدّها مهتمون وعاملون وخبراء في مجال التطوع. وذلك للعمل على أساسيات تحفظ حقوق مفهوم التطوّع والعمل التطوعي والمتطوعين والحد من استغلال الأخيرين". وهو كان قد اقترح في وقت سابق "التعاون بين جهات حكومية متعددة من أجل توعية المتطوعين وتنظيم عملهم".
اقرأ أيضاً: مأساة جدّة في الأرض لا من السماء