صناعة عرائس الحلوى في تونس تواجه الفكر المتطرف

صناعة عرائس الحلوى في تونس تواجه الفكر المتطرف

17 أكتوبر 2015
تحولت صناعة الدمى السكرية إلى حرفة ومورد رزق (أرشيف/Getty)
+ الخط -


لا يخلو البيت النابلي (محافظة نابل شمال شرق العاصمة تونس) في احتفالات السنة الهجرية الجديدة من مثرد الحلوى والمكسرات الذي تتوسطه عروس الحلوى ذات الألوان الزاهية.
 
وتختص محافظة نابل عن باقي المحافظات التونسية بصناعة عرائس الحلوى التي تنشط تجارتها مع حلول العام الهجري الجديد، اعتقادا من "النوابلية" أن هذه العروس ذات الطعم السكري ستجعل العام حلو المذاق.

وتقوم النساء في أول يوم من شهر محرم بطبخ الكسكسي، وتزيينه بمختلف بالمكسرات، على أن تكون العروس السكرية نجمة الاحتفال.

وتعود هذه العادة "النابلية" ذات الأصول الإيطالية، وفق إحدى سكان مدينة نابل فاطمة العثماني إلى سنة 1859 حيث تعلم أهالي المدينة صناعة الدمى السكرية من الإيطاليين الذين فروا من بلادهم منتصف القرن التاسع عشر، ليستقروا في أقرب نقطة جغرافية لإيطاليا جنوب المتوسط (نابل).


وقد حمل الإيطاليون وقتها حسب ما روته فاطمة لـ "العربي الجديد"، العديد من العادات والتقاليد في الغذاء وأشكال التطريز، من بينها صناعة عرائس السكر التي كانت تصنع في أعياد الفصح المسيحي جنوب إيطاليا، والتي استغلها التونسيون في مناسباتهم الدينية على غرار الاحتفال بالهجرة النبوية.

مع مرور الزمن تجاوزت صناعة الدمى السكرية الطابع الاحتفالي، لتتحول إلى حرفة ومورد رزق للعديد من العائلات التي تمتلك سر صناعة العروس السكرية التي يتفنن الصناعيون في إخراجها بأشكال وألوان مختلفة، مع تجديد الابتكارات من سنة إلى أخرى حسب رواية فاطمة.
 
وتتطلب هذه الصناعة حسب محدثة "العربي الجديد" الكثير من الصبر نظرا لصعوبة تشكيل السكر، لا سيما في فترات الحر.

وعلى خلاف العديد من الصناعات التقليدية التي هجرها أهل المهنة لا تزال صناعة دمى السكر تجد إقبالا من قبل الشباب النابلي الذي يرى فيها جزءا من الموروث الثقافي لهذه المدينة الساحلية، كما تجد هذه العرائس رواجا لدى السياح تماما مثلما تغري أجود أنواع الشوكولا محبي المذاق الحلو، حسب أهالي مدينة نابل.

ويشتغل عدد من طلبة معهد الفنون والحرف حاليا على تطوير هذه الصناعة التي يعتبرون أنها قابلة للتصدير، وأن عرائس السكر قادرة على اقتحام الأسواق الخارجية، في حال تعصير هذه الصناعة وتجويد آليات عرضها، معتبرين أن كل ماركات الحلوى والشوكولا العالمية كانت في البداية مجرد صناعات منزلية وقع تطويرها فيما بعد.

اقرأ أيضاً: عودة الروح لصناعة الطربوش التقليدي في تونس

لكن مقابل إصرار شباب نابل على تطوير صناعة دمى السكر التي قد يبلغ سعر القطعة منها 20 دينارا؛ أي قرابة 11 دولارا تواجه هذه الحرفة التقليدية خطر التطرف الديني، حيث تسعى الجماعات المتشددة إلى منع هذه الصناعة وتكفير الاحتفال بها، معتبرين أن هذه المجسمات تشبه الأصنام، وفيها شرك بالله، زيادة على أن منشأها مسيحي، وكان الإيطاليون يحتفلون بها في عيد الفصح؛ وهو ما يعتبر منافيا لشعائر الدين الإسلامي.

ويدافع حرفيو دمى السكر حسب ما أكدته فاطمة العثماني، لـ "العربي الجديد"، عن صناعتهم بشراسة في تحد للأفكار التي يراها هؤلاء الحرفيون متطرفة، وغير مبنية على نصوص دينية، زيادة على أنها ستحرم عشرات العائلات من مصدر رزقهم، كما ستحرم المدينة من موروث تقافي حافظ عليه "النوابلية" لأكثر من قرن ونصف.

وتتساءل فاطمة باستغراب شديد "ما الحرام في بيع عروس السكر؟ "فهي مصدر رزق الكثير من العائلات التي تنتظر رأس السنة الهجرية للرفع في عائداتها من هذه الصناعة التقليدية التي تختلف عن بقية الصناعات".

ورغم الخطر الذي يواجه صناعة عرائس السكر من قبل المتشددين دينيا، وحثهم في المنابر الدينية على مقاطعتها يصر أهالي نابل على تمرير هذا الموروث من جيل إلى آخر، حيث يخصص لك طفل أو مولود جديد بمناسبة السنة الهجرية "مثرده" (وعاء من الفخار) وعروسه التي يختار شكلها حسب ذوقه، كما يصر أهل المهنة على تحدي ما اعتبروه تعديا على تاريخهم وتاريخ أجدادهم.

وتحول الاحتفال بصناعة العرائس في السنوات الأخيرة إلى مهرجان يضم العديد من الأنشطة الثقافية، من بينها مسابقة في صنع عرائس السكر لأفضل الحرفيين وورشة صب السكر في القوالب، للتعريف بخصوصيات صنع العرائس.

ويشد الصناعيون على استخدام الألوان الغذائية الصحية، رافعين شعار "من أجل عروسة سكر قابلة للاستهلاك بألوان غذائية مرخص فيها"؛ وذلك من منطلق الحرص على ضمان الجودة والسلامة في المنتجات.



اقرأ أيضاً: تونس تنهي الطوارئ أملاً في عودة المستثمرين

دلالات

المساهمون