صلاح عبد الصبور.. ذات يوم مع الحلاج

صلاح عبد الصبور.. ذات يوم مع الحلاج

13 اغسطس 2019
(من غلاف مجموعة شعرية لصلاح عبد الصبور)
+ الخط -

ارتبط تلقّي المسرحية الشعرية "مأساة الحلاج" التي ألّفها صلاح عبد الصبور (1931 - 1981) بـ"نبوءة" هزيمة 67، حيث أنها صدرت قبلها بفترة قصيرة، ثم راجت مقولة وقتها بأن الشاعر المصري كان قد انتقد من خلالها علاقة السلطة بالمثقف وتواطئها ضدّه، في زمن كانت فيه الثقافة العربية تعيش زهواً قومياً أشبه بشهر عسل مطوّل بين المثقفين والسلطة قبل أن يصطدم الجميع بالواقع بشكل حاد.

هذا النوع من التلقّي وجّه مسار العمل، حيث تجعله وكأنه كُتب لبثّ رسالة سياسية، في حين أنه يختزن الكثير من المقولات الأخرى التي تحتاج إلى منطق قراءة مختلف، بداية من تطويع قصيدة التفعيلة للمسرح، وكان أوّل مسرحية شعرية يضعها عبد الصبور قبل مجموعة أعمال أخرى استفادت جميعها من نجاح "مأساة الحلاج"، وصولاً إلى استدعاء شخصية تاريخية وإعادة بنائها على هيئة مخصوصة. لكن لماذا الحلاج بالذات؟

لن نجد لدى عبد الصبور، الذي تحلّ اليوم ذكرى رحيله، نزعة إلى التصوّف في أعماله التي نشرها قبل "مأساة الحلاج" ولا بعدها، حيث أن الرافد الأساسي الذي نهل منه هو الشعر الأوروبي الحديث. بالعكس، حين استحضر عبد الصبور الحلاج أمدّه بلغة معاصرة، وإن حاول الحفاظ على جوهر فكره. ومن خلال هذه اللعبة نجح المؤلف في صبّ تراث الحكمة الصوفية في قالب الشعر الحديث بمضامينه ورهاناته المعاصرة، ولم تكن تلك مهمّة يسيرة، حتى أن عبد الصبور بدا كمترجم للحلاج من لغة تراثية إلى لغة حديثة، ولا ننسى هنا بأن الحلّاج شاعر، وأن المتلقي يستحضره على هذا النحو أساساً، غير أن صاحب "أحلام الفارس القديم" ينجح في تفكيك عناصره الأولى ليضعه ضمن شبكة علاقات جديدة بدت مثل جبّة على مقاس الحلاج فيتحدّث في أمور الدنيا عن الفقر والعدل والثورة، كما كان يتحدّث عن الفناء والصفاء والباطن والحلول.

هكذا، يمكن أن نعتبر هذا الاستحضار تمريناً ضمن مؤسسة شعر التفعيلة التي تزعّمها عبد الصبور منذ إصدار مجموعته الشعرية الأولى "الناس في بلادي" (1957)، وتمريناً ضمن الثقافة العربية وقدرتها على إعادة الحياة في ما كان يعتبر في عداد الموتى.

هذه القدرة على الاستعادة تبدو أحياناً وقد أهدرت في ثقافتنا العربية، ولننظر كيف يستعاد صلاح عبد الصبور نفسُه اليوم، وهو منا غير بعيد. هل نسمع أكثر من ربط بين قصيدة وحدث ما، أو سرد لحادثة عاشها أو غير ذلك؟ من واصل حلم صلاح عبد الصبور في مسرح شعري حديث؟ من استأنف مشروعه في التفكير حول الشعر نظرياً؟ والأهم من كل ذلك، هل يوجد من يقرأ شعره فيجعله جزءاً من حاضرنا، يضيئه ويتبدّره معنا؟ لعلّنا لا نبالغ حين نقول بـ"مأساة" صلاح عبد الصبور أيضاً.

المساهمون