صفقة عرسال.. انتصار متعدّد الأطراف

صفقة عرسال.. انتصار متعدّد الأطراف

04 اغسطس 2017
+ الخط -
صباح يوم الأربعاء (2/8/2017) تمّ تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق الصفقة بين حزب الله اللبناني وجبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً)، وبرعاية ومتابعة من الدولة اللبنانية، ممثلة بمدير عام الأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، وقضت بتسليم ثمانية أسرى للحزب كانوا مع جبهة فتح الشام، بعضهم أسر في المواجهات الأخيرة في جرود عرسال، وآخرون أسروا في معارك داخل سورية، لا سيما في منطقة العيس قرب حلب السنة الماضية، في مقابل إطلاق سراح موقوفين لجبهة فتح الشام في سجن رومية اللبناني، وإجلاء مسلحي فتح الشام (120 مسلحاً) من جرود عرسال، بعدما باتوا في مربع أضيق من المنطقة التي كانوا يسيطرون عليها، كما قضى الاتفاق الصفقة بترك الخيار لمن شاء من اللاجئين بالبقاء في محيط بلدة عرسال، أو الخروج منها إلى مناطق سورية، سواء تحت سيطرة المعارضة أو النظام، وقد اختار قرابة عشرة آلاف لاجئ الخروج بالحافلات، وعبر الأراضي السورية، إلى منطقة إدلب وريف حلب.
جاء هذا الاتفاق الصفقة بعد معارك ومواجهات وعملية عسكرية، شنّها حزب الله منذ قرابة أسبوعين على المنطقة التي كانت تحت سيطرة فتح الشام في جرود فليطة السورية وعرسال اللبنانية، وشارك فيها طيران النظام السوري ومدفعيته، فيما تولى الجيش اللبناني مسؤولية منع مسلحي "فتح الشام" من الدخول إلى بلدة عرسال، أو التسلل إلى الأراضي اللبنانية الأخرى التي تقع خارج دائرة سيطرتهم. وتمخّضت المواجهات وقتها عن انحسار منطقة سيطرة فتح الشام، وسقوط عدد من عناصرها في المعارك، فيما خسر حزب الله في تلك المواجهات أكثر من خمسة وعشرين من عناصره، سقطوا في المواجهات، إضافة إلى أسر آخرين.
وفيما تحدّث حزب الله وإعلامه عن نصر كبير واستراتيجي على فتح الشام في الجرود، أوحت الجبهة أن مجرد صمودها في مواجهة القوة التي كانت تشن عليها عملياتها، وبعد حصار دام
سنوات يعتبر إنجازاً كبيراً، خصوصا أنها لم تخسر كل المناطق التي كانت تسيطر عليها، ويعتبر المربع الأخير الذي احتفظت به الأكثر تعقيداً من كل المنطقة جغرافياً وديمغرافياً.
اعتبر كل طرف من أطراف الصراع نفسه قد حقق إنجازاً، وأحرز نصراً مهماً، والحقيقة أن هذا الاتفاق الصفقة يعتبر بمثابة نصر متعدّد الأطراف، وليس حكراً على طرف دون الآخر. فحزب الله الذي يريد لهذه المنطقة الحدودية التي يعتبرها حيوية، بالنظر إلى أهمية تواصل خطوط إمداده من العمق السوري، بل أيضاً من العراق وإيران، أن تكون آمنة وتحت سيطرته الكاملة، استطاع من خلال معركة محدودة وصفقة منجزة، أن يحقق هذا الأمر، عبر فتح المجال لمسلحي جبهة الشام بالخروج من المنطقة بشكل كامل. وبالمناسبة، هو كان قد فاوضهم عبر وسطاء للخروج قبل المعركة، لكن ذلك لم يحصل. وبالتالي، هو قد حقق بعض ما يريد، وجعل هذه المنطقة خالية من "المسلحين السوريين". وتبقى المنطقة التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في جرود راس بعلبك والقاع، والحزب يحاذر الدخول في معركةٍ معها، لاعتبارات بعضها يتعلق بالحغرافيا والتضاريس، ويتعلق بعضها الآخر بأمور أخرى، وهو يفضل أن تكون هذه المعركة معركة الجيش اللبناني.
أما جبهة فتح الشام التي خسرت هذه المنطقة المهمة، فإنها كانت تدرك أن الاحتفاظ بها إلى 
الأبد مسألة ليست سهلة في ضوء التحالفات والمعطيات الإقليمية المستجدّة. لذا احتفظت بها أطول مدة ممكنة، وخاضت فيها مواجهةً استطاعت أن تفرض في نهايتها شروطها لإخلاء المنطقة، في وقت كان المعروض عليها الاستسلام. وبالتالي، مجرد خروج مسلحيها الـ 120 بسلاحهم الفردي، والاحتفاظ ببقاء مخيمات اللاجئين ووجودها في تلك المنطقة، وعدم تعريضها للتهجير، يعتبر بالنسبة لهم إنجازاً ليس سهلاً وبسيطاً، بالنظر إلى إمكاناتهم وقدراتهم.
أما الدولة اللبنانية التي قامت بدور الوسيط بين حزب الله و"فتح الشام" فقد حققت أيضاً بعض ما تريد، من خلال الاطمئنان أن تلك المنطقة الحدودية باتت خاليةً من وجود مجموعات مسلحة، تنظر إليها على أنها "إرهابية". ويبقى التحدّي بالنسبة لها استعادة السيطرة على هذه المنطقة، وقد وعد حزب الله بذلك. وبالتالي، هي حققت بعض ما تريد بأقل الخسائر، باستثناء الحديث عن القرار السيادي.
أما بلدة عرسال، فقد كانت تعيش كابوساً وخوفاً من تمدّد المواجهات في أي وقت إلى داخل البلدة، ما يؤدي إلى تهجيرها. وعلى الرغم من أن هذا الكابوس ما زال موجوداً، إلا أنها تشعر اليوم أن وطأته أقل من الأيام الماضية، وهي بذلك تعتبر ما جرى يطمئنها، إلا إذا كانت الممارسات التي ستجري بحق أهالي البلدة واللاجئين، بعد انسحاب المسلحين ستكون مختلفة؛ وهنا أهمية طمأنة عرسال، من خلال سيادة منطق الدولة والقانون والمؤسسات، وليس المليشيات في التعامل مع أبنائها.
هو انتصار متعدّد الاطراف، كل فريق أخذ بطرفٍ منه بما يعنيه، ويؤكد إمكانية أن يكون هناك اتفاقات وصفقات أخرى، تجعل الجميع في موقع الربح الذي يضع حدّاً لإراقة الدماء، ويقطع الطريق على الاستغلال الدولي.