صفقة القرن... بين نزوات ترامب وظروف المنطقة

صفقة القرن... بين نزوات ترامب وظروف المنطقة

05 يونيو 2019
+ الخط -
تشهد الحالة الفلسطينية نوعاً من الاستنفار والتحشيد المستمر من قبل السلطة الفلسطينية وفصائل العمل الوطني؛ لمواجهة الخطة الأميركية المعروفة بصفقة القرن، والتي أكدت أوساطٌ أميركية أنه سيتم الكشف عنها بعد تشكيل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حكومته الجديدة، وتسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى استخدام نفوذها لإجبار طرفي الصراع على الرضوخ لبنود الصفقة، وعلى الرغم مما تمتلكه أميركا من مكانةٍ سياسيةٍ وأوراق قوة إلا أن هناك العديد من المعوقات التي قد تمنع تطبيق بنود صفقة القرن، وسنستعرض من خلال هذا التقرير أبرز هذه المعوقات.

معوقات تنفيذ صفقة القرن:

الظرف الإقليمي والدولي
من المعروف تاريخيًا أن الصفقات الكبرى تُبرم في ظروفٍ دوليةٍ وإقليميةٍ معينة؛ تستند إلى سيطرة دولةٍ واحدةٍ على النظام الدولي وتكون داعمةً للصفقة، بالإضافة إلى سيطرة دولة واحدة على الإقليم؛ وهو ما حدث في اتفاقية أوسلو عام 1993، حيث سبق هذه الاتفاقية تفكك الاتحاد السوفياتي، وانهيار النظام الدولي ثنائي القطبية، وظهور القطب الواحد متمثلاً بهيمنة الولايات المتحدة وهى الدولة الراعية لاتفاقية أوسلو، وقد استطاعت بحكم هيمنتها على العالم فرض اتفاقية أوسلو على القيادة الفلسطينية آنذاك، إضافةً إلى ذلك فقد شهدت تلك الفترة هزيمة النظام العراقي بقيادة صدام حسين في حرب الخليج الثانية عام 1991، وهو ما يعني انهيار النظام الأكثر دعماً للقضية الفلسطينية في تلك الفترة، وظهور إسرائيل كقوةٍ وحيدةٍ في المنطقة، وهو ما وضع القيادة الفلسطينية آنذاك في موقفٍ لا تحسد عليه.


وعليه يمكن القول: إن الصفقات الكبرى لا تكون إلا في ظل ظروفٍ إقليمية ودولية معينة غير متوافرة في الفترة الراهنة؛ حيث يتنازع السيطرة على الساحة الدولية عددٌ من القوى أبرزها: روسيا وهو ما يسقط التفرد الأميركي بالساحة الدولية، بالإضافة إلى وجود قوةٍ إقليميةٍ وزانة معاديةٍ لدولة الاحتلال مثل: إيران، وهو ما يمنع الهيمنة الإقليمية لدولة الاحتلال في ظل وجود أعداء إقليميين يتربصون بدولة الاحتلال.

عدم إمكانية استخدام القوة لفرض الصفقة
شهد العام المنصرم مساعي حثيثة من قبل العدو الإسرائيلي لتبريد جبهة قطاع غزة؛ وذلك من خلال إرساء تفاهمات التهدئة مع حركة حماس، ويهدف العدو من خلال هذه التهدئة إلى التفرغ لممارسة الضغط على إيران، ومحاربة تمددها في المنطقة، والتجهز للتعامل مع أي طارئ قد ينتج من إحكام الحصار الاقتصادي عليها، بالإضافة إلى تركيز الجهد العسكري والاستخباراتي على جبهة الشمال، والتي تمثل الأولوية الأولى لجيش الاحتلال، وفي ظل الحاجة الملحّة لدى العدو لتبريد جبهة القطاع، نجد أن العدو عاجزٌ عن استخدام القوة العسكرية ضد الفصائل في القطاع لإرغامها على القبول بصفقة القرن؛ وذلك خوفًاً من انغماسه في حربٍ داميةٍ في غزة قد تعيق تحركه ضد جبهة الشمال في حال طورت إيران من مساعيها لترسيخ أقدامها في الجولان، أو قامت بتحريك جبهة حزب الله ضد العدو للضغط على الولايات المتحدة لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.

ومما سبق يمكن القول: إنه وفي ظل انشغال العدو بجبهة الشمال والتمدد الإيراني في المنطقة، لن يقدم على شن حربٍ على قطاع لإجبار الفصائل على القبول بصفقة القرن؛ وهو ما يعني عدم إمكانية استخدام القوة لفرض الصفقة على الشعب الفلسطيني.

وبناءً عليه وفي ظل المعطيات الإقليمية والدولية؛ نجد أن هناك الكثير من المعوقات الفعلية التي قد تُفشل صفقة القرن، وهذا ما دفع أغلب المحللين السياسيين -وفقاً لصحيفة الواشنطن بوست- إلى التقليل من فرص نجاح صهر الرئيس الأميركي ومهندس الصفقة جاريد كوشنر في تسويقها.

تفنيد السيناريوهات المقترحة لصفقة القرن:

سيناريو منح الفلسطينيين أرضاً في سيناء
تحدثت العديد من المصادر الإعلامية عن توجّه الإدارة الأميركية إلى منح الفلسطينيين أراضي في شبه جزيرة سيناء؛ ليتم توطين اللاجئين الفلسطينيين من الدول العربية في هذه المنطقة، ومن ثمّ إعلان دولة فلسطينية تضم فقط قطاع غزة والأراضي الجديدة في سيناء، وقد نفى المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات تلك الأنباء وذلك من خلال تغريدةٍ له عبر تويتر قال فيها: "اطّلعت على تقارير قالت إن خطتنا تشمل مفهوماً ينص على تسليمنا جزءاً من سيناء، التي تتبع مصر إلى غزة. هذا كذب".

ولنفترض أن هناك نيةً حقيقيةً لدى الإدارة الأميركية بفعل ذلك، فالأمر لن يتم إلا بموافقة حركة حماس في قطاع غزة -وهو أمر غير وارد- فلو قامت حركة حماس بإغلاق الحدود، ومنعت حركة اللاجئين العائدين من سيناء إلى غزة، فستدمر بذلك فكرة إقامة دولة في غزة وسيناء، وتجعل من اللاجئين رعايا للدولة المصرية تتحمل مصر وحدها عواقب تواجدهم في أرض سيناء.


وبناءً عليه: وفي ظل رفض حركة حماس المعلن لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء، إضافةً للرفض المصري، يبقي سيناريو منح الفلسطينيين أرضاً في سيناء أمراً مستبعداً ولا يلامس الواقع.

سيناريو التوطين في الدول العربية "الأردن"
تحدثت الكثير من القنوات الإعلامية حول أن المرتكز الاساسي لصفقة القرن يقوم على إسقاط حق العودة، وذلك من خلال فكرة توطين اللاجئين في الدول المقيمين فيها، وعند الحديث عن التوطين تتجّه الأنظار إلى الموقف الأردني حيث يقيم العدد الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين في المملكة الأردنية، وقد عبّرت المملكة عن موقفها صراحةً من فكرة التوطين وذلك من خلال ما عرف "بالكلّات الثلاث: "كلا للتنازل عن القدس، وكلا للوطن البديل، وكلا للتوطين" والتي جاءت على لسان الملك عبد الله من خلال خطابٍ متلفزٍ ألقاه بالزي العسكري؛ وهو ما يؤكد أن الأردن تطرح جميع الخيارات في مواجهة فكرة التوطين، ورفض الأردن لفكرة التوطين يعني سقوط هذه الفكرة، وانهيار أحد الأعمدة الأساسية التي ترتكز عليها صفقة القرن.

وبناءً عليه وفي ظل رفض المملكة الأردنية لفكرة التوطين على الرغم من جميع الضغوط التي تُمارس عليها يبقى سيناريو التوطين أمراً مستبعداً ولا يمكن تطبيقه.

سيناريو سحب سلاح المقاومة في قطاع غزة
نشرت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية بنودًاً قالت إنها أجزاء محورية من صفقة القرن، وقد أشارت الصحيفة إلى بندٍ يتعلق بتفكيك حركة حماس جميع أسلحتها بما في ذلك السلاح الفردي والشخصي لقادة حماس، ومن البديهي أن إسرائيل لن تستطيع فرض ذلك دون حرب مدمرة على قطاع غزة، تستمر عدة شهور وربما تقترب من العام، وتؤدي إلى استشهاد الآلاف وربما أكثر من سكان القطاع، ومن البديهي وفي ظل انشغال العدو بجبهة الشمال، وضرورة إبقاء الجيش على جهوزيةٍ دائمةٍ للتدخل الفوري في حال حدوث أي تطورٍ قد يؤدي إلى تعزيز القوة الإيرانية على جبهتي سورية ولبنان، فليس من المتوقع أن يجازف العدو بدخول حربٍ طاحنةٍ ضد قطاع غزة قد تؤدي إلى انشغال واستنزاف جيشه، وبالتالي فتح جبهة إيرانية جديدة على حدود سورية، وتعزيز جبهة حزب الله، وعليه: فإن الحديث عن سحب سلاح المقاومة هو مجرد أوهام لا يمكن أن تتحقق؛ وذلك بسبب الخسائر البشرية التي قد بتكبّدها العدو علاوةً على انشغال العدو بجبهة الشمال وسعيه لتبريد جبهة القطاع.


ضمّ الضفة الغربية أو التوسع فيها
تعهّد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في برنامجه الانتخابي قبيل الانتخابات الأخيرة بشكلٍ ضمني بضم الضفة الغربية للدولة العبرية، بالإضافة إلى ذلك فقد أشارت الوثيقة التي نشرتها "يسرائيل هيوم" العبرية إلى بندٍ يتعلق بتشريع وضم جميع المستوطنات في الضفة الغربية إلى دولة إسرائيل، وفي ظل الظروف الإقليمية الحالية والتي تسعى من خلالها إسرائيل إلى تبريد جبهتي غزة والضفة للتفرغ لجبهة الشمال ومحاربة النفوذ الايراني في المنطقة، يبقى الطرح الأكثر منطقيةً في صفقة القرن هو انصبابها على الضفة الغربية؛ وهي الجبهة الأكثر عجزاً، والتي لا تملك سلاحًا قد يمكّنها من إشعال حربٍ تقلب الموازين، وتشغل العدو عن الجبهة الشمالية والتمدّد الإيراني في المنطقة، ولكن على الرغم من ضعف الضفة، وعدم امتلاكها السلاح لإشعال حرب، فهل يمكن أن يخاطر نتنياهو بضم الضفة الغربية وإشعال أكثر الجبهات هدوءًا ضده في وقتٍ يسعى فيه جاهداً لتحييد جميع الجبهات والتركيز على جبهة الشمال؟ الأرجح أنه لن يفعل ولن يخاطر بإسقاط السلطة الفلسطينية بشكلٍ مفاجئٍ؛ الأمر الذي قد يتسبّب بفراغٍ أمني تدفع اسرائيل ثمنه باهظًا، وهو الأمر الذي ما انفك يحذر منه رئيس الأركان الاسرائيلي الأسبق غادي أيزنكوت خلال الأسابيع القليلة الماضية، وقد كانت آخر تحذيراته خلال اجتماعٍ عقده المبعوث الأميركي للمنطقة جيسون غرينبلات لتقييم موعد إطلاق صفقة القرن، حيث قال أيزنكوت أثناء اللقاء إن "الضفة الغربية قد تشتعل قبل أو خلال أو بعد وضع خطة السلام الأميركية.. يجب أن تأخذوا ذلك في اعتباراتكم، وفي اللحظة التي يخرج فيها المارد من الزجاجة، فإن إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه ستستغرق 5 سنوات"، وبناءً على هذه المخاوف الأمنية: فمن المتوقع أن يتم تطبيق صفة القرن في الضفة الغربية شيئًا فشيئًا من خلال تكثيف الاستيطان، والدفع نحو تآكل السلطة، وابتلاع الضفة بشكل تدريجي لا يؤدي لمخاطر أمنية على دولة الاحتلال.

وبناءً على ما سبق يمكن القول إنه وفي ظل الظروف الإقليمية والدولية القائمة حاليًاً لا يمكن لأحدٍ أن يملي على الجانب الفلسطيني الموافقة على بنود الصفقة؛ لأن ذلك يحتاج إلى تحركٍ عسكريٍّ وقوةٍ مفرطة، والظروف الإقليمية القائمة حاليًاً تمنع العدو من إشعال أي جبهة وذلك بهدف التفرغ لجبهة الشمال، وعليه تبقى الضفة الغربية المسرح الفعلي لتطبيق صفقة القرن من خلال ضمّ المزيد من المستوطنات، والاعتراف الأميركي بالمستوطنات القائمة بشكلٍ تدريجي، دون أن يؤدي ذلك إلى إسقاط السلطة الفلسطينية بشكلٍ سريعٍ يفضي إلى إيجاد حالةٍ من الفراغ الأمني وإشعال جبهة الضفة، بالإضافة للتركيز على البعد الاقتصادي من خلال تقديم تسهيلات اقتصادية للفلسطينيين تضمن عدم إمكانية نشوب حرب في قطاع غزة، أو انتفاضة ثالثة في الضفة.
3083D64A-1194-4360-9382-BE0EAD5A1044
معتصم سهيل عدوان

باحث سياسي في وزارة الخارجية الفلسطينية - قطاع غزة. حاصل علي درجة الماجستير في الدبلوماسية والعلاقات الدولية، وعلي دبلوم السياسة والإعلام باللغة الإنكليزية.