صفقة القرن استمرارًا لما قبلها

صفقة القرن استمرارًا لما قبلها

05 فبراير 2020
+ الخط -
قبل إطلاق خطة صفقة القرن الأميركية، وما تنفك تثيره من ردّات فعل متباينة، أكد يحزقيل درور، أحد كبار المحللين الاستراتيجيين في دولة الاحتلال، أن إسرائيل "مجتمع مغلق"، وفقاً لمفهوم هذا المصطلح الذي سكّه عالم الاجتماع الفرنسي، ميشال كروزييه. وأشار درور تحديدا إلى أن المجتمع الاسرائيلي مغلق، حتى إشعار آخر، أمام إمكان حسم مسألتين: العلاقة بين الدين والدولة، ومستقبل الأراضي المحتلة منذ عام 1967. ولفت إلى أن الانغلاق أمام حسم المسألة الأولى لا يشكّل أي خطر، وفي الوسع ركنه جانباً في انتظار تراكم سيرورات تاريخية، والتوصل، في هذه الأثناء، إلى تسويات مختلفة بشأنه، كما هو واقع الحال فعلاً، في حين أن الانغلاق الآخذ بالتفاقم حيال حسم المسألة الثانية يؤدي إلى تقويض "عملية السلام"، ما قد يتسبّب بخطر انفجار بركان أمني، وربما سياسي، في المستقبل على هذه الخلفية.
لا يترك هذا المحلّل أدنى مجال للشك في أن غايته القصوى خلف تحذيره من مغبّة تقويض "عملية السلام" بين إسرائيل والفلسطينيين هي إنجاز إجراءاتٍ من شأنها صيانة دولة الاحتلال ومشروعها السابق لاحتلال 67، وهي الغاية عينها التي دأب للوصول إليها جميع الذين انخرطوا فيها من رؤساء الحكومة السابقين، بدءاً من يتسحاق رابين (أوسلو) مروراً بإيهود باراك (كامب ديفيد) وإيهود أولمرت (أنابوليس) وانتهاء ببنيامين نتنياهو (في إطار تعامله مع مبادرة وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري، 2013 - 2014).
غير أنه ضمن ردّات الفعل على "صفقة القرن" في دولة الاحتلال، لا بُدّ من التوقف مليّاً عند ما بدر عن أوساط سياسية تعتبر نفسها أمينةً على استمرار ما يسمّى إسرائيلياً "طريق أوسلو"، رأت أن هذه الصفقة هي بمثابة اتفاق بين إسرائيل والولايات المتحدة، وليست اتفاقاً بين إسرائيل والفلسطينيين والدول العربية، وأن النقاشات بشأن تسويةٍ أو صفقةٍ لا يمكن أن تجري من طرف واحد، لأنها ستؤدي إلى خطواتٍ أحادية الجانب، ومن هناك ستتدهور إلى الفوضى.
وعبّر عن هذه الأوساط شمعون شيبس، المدير العام لديوان رابين، الذي شقّ الطريق المذكورة، فقد كتب أنه كان يودّ أن يهنئ بهذه الخطة التي تمثل استمراراً لدرب رابين في عديد من خطوطها، ولكن لأنها لم تحدث، كما خطّط لها هذا الأخير، فمن المعقول ألّا يتم الحصول على السلام المنشود، بل التوجّه نحو تصعيد، وبعده نحو ضم ثلاثة ملايين فلسطيني آخرين يعيشون في مناطق الضفة الغربية، سيكونون مواطنين في "دولة ثنائية القومية"، والتي تعني في قراءته نهاية الدولة اليهودية الديمقراطية، وبداية دولة الأبارتهايد (موقع صحيفة يديعوت أحرونوت الإلكتروني).
ومن الأمور اللافتة الأخرى، فيما يتعلق باستمرار الدرب السالف، أن صفقة القرن تعود إلى نسبة الـ70% من أراضي الضفة الغربية التي ستخصص للدولة الفلسطينية عندما تُقام، وهي النسبة ذاتها التي تضمنتها رؤية رابين للتسوية الدائمة مع الفلسطينيين، وعرضها قبل اغتياله بشهر، قائلاً إنه يرغب في أن يكون هناك كيان فلسطيني أقل من دولة، يتولى إدارة حياة الفلسطينيين الخاضعين لسلطته بصورة مستقلة، بحيث تكون حدود إسرائيل بعد التوصل إلى التسوية الدائمة ما وراء الخطوط التي كانت قائمة قبل حرب يونيو/ حزيران 1967، بالإضافة إلى بقاء القدس موحدة، وتشمل أيضاً مستوطنتي معاليه أدوميم وجفعات زئيف، وبقاء الحدود الآمنة للدفاع عن دولة الاحتلال في منطقة غور الأردن، وذلك وفق المعنى أو التفسير الأوسع لهذا المفهوم، وضم مستوطنات غوش عتصيون، إفرات، بيتار ومستوطنات أخرى، وإقامة كتل استيطانية في الضفة.
وللعلم، ازدادت نسبة الأراضي المذكورة على مدار جولات محادثات أخرى، وإن باءت بالفشل، كما دلت وقائع جولتي المحادثات في كامب ديفيد وأنابوليس، لتصل إلى أكثر من 90%، لكن الفجوات بين الجانبين في سائر ما تعرف باسم القضايا النهائية ظلت جوهرية.