Skip to main content
صفقة "ميسترال"... شراء مصري للسلاح مقابل ثقة فرنسا
العربي الجديد ــ القاهرة
حملت زيارة هولاند إلى القاهرة رسائل عدة (Getty)
تسلّمت مصر، رسمياً، أول من أمس الخميس، من فرنسا السفينة الحربية حاملة المروحيات "ميسترال" التي أُطلق عليها اسم "جمال عبدالناصر"، وهي السفينة الأولى من اثنتين تعاقدت مصر عليهما مع الحكومة الفرنسية مقابل مليار يورو تقريباً، على أن تتسلم السفينة الثانية والتي سيُطلق عليها اسم "أنور السادات" في سبتمبر/ أيلول المقبل. واحتفت البحرية الفرنسية بقادة الفريق العسكري والإعلامي المصري الذي توجه إلى فرنسا لحضور مراسم تسلم حاملة المروحيات، إذ تم إسناد تقديم المراسم وتنسيقها إلى إدارة الشؤون المعنوية بوزارة الدفاع المصرية، تقديراً لنقل المراسم على الهواء مباشرة على شاشات القنوات المصرية الرسمية والخاصة. وبذلك تكون الحكومة المصرية قد أنجزت ثالث عقد تسليح مع فرنسا خلال عامين من حكم رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي، إذ سبق أن تم التعاقد على توريد 24 طائرة "رافال" والفرقاطة "فريم" المسماة "تحيا مصر". وتأتي حاملتا المروحيات ضمن التعاقد العسكري الثالث. وتعتبر فرنسا ثاني أكبر دولة أمدّت مصر في عهد السيسي بالأسلحة، إذ وجدت الحكومة الفرنسية في النظام الحاكم بالقاهرة سوقاً واعدة لبيع منتجاتها العسكرية التي لاقت ركوداً ملحوظاً خلال السنوات الخمس الماضية، وخصوصاً بعد فسخ تعاقدها السابق مع روسيا لبيع حاملتَي المروحيات "ميسترال" (التي اشترتهما مصر) إلى روسيا مقابل مليار يورو تقريباً عام 2011، نتيجة الضغوط الأميركية عليها إبان أزمة القرم بين روسيا وأوكرانيا.

ويقول مصدر حكومي مصري مطلع لـ"العربي الجديد" إن مصر دخلت في مفاوضات جديدة مع الحكومة الفرنسية وشركة DCNS مصنّعة "ميسترال" لاستيراد 6 فرقاطات صغيرة من طراز "كورفيت جاويند" بحرية، وبناء 3 قطع أخرى في ترسانة الإسكندرية البحرية. كما يتم التفاوض مع باريس لشراء 4 طائرات "فالكون 7 أكس" التي سيتم تخصيصها للرئاسة والحكومة مقابل 300 مليون يورو، وفقاَ للمصدر. وقدّرت وسائل إعلام فرنسية حجم المبيعات المقررة من السلاح الفرنسي إلى مصر خلال العام المقبل 2017 بنحو مليار و100 مليون يورو، غير أن المصدر الحكومي المصري يتوقع أن يزيد حجم الصفقات عن هذا الرقم "نظراً لتطور العلاقات التجارية بين البلدين".

من جهتها، ترى مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى أن "هناك تحسناً واضحاً في العلاقات بين البلدين على خلفية صفقات الأسلحة" واصفة الوضع الحالي بأن "التعاون العسكري له اليد الطولى في العلاقات الثنائية، وتتوارى وراءه الخلافات القائمة بين البلدين في ملفات الحقوق والحريات والخلافات الاستراتيجية حول الوضع في ليبيا تحديداً".

وتؤكد المصادر الدبلوماسية أن "السياسة التي وضعها السيسي خلال زيارته الأولى إلى باريس بعد توليه الحكم تعتبر ناجحة، إذ إنه يكسب تحالف دولة محورية أوروبياً كفرنسا من خلال الصفقات العسكرية. والرئيس المصري يدرك أن الملفات السياسية الأخرى ستفجّر خلافات بين البلدين، وهذا ما بدا واضحاً خلال زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، أخيراً، إلى القاهرة، إذ بدت الفجوة شاسعة بين رؤيتي البلدين لملفات الحقوق والحريات والأوضاع في ليبيا، لكن الرئيس الفرنسي حافظ على هدوئه وإبداء احترامه لنظيره المصري"، بحسب المصادر الدبلوماسية.





وكشف الرئيس الفرنسي، ضمنياً، خلال حديثه لوسائل الإعلام ثم لقائه مع عدد من شخصيات المجتمع المدني المصرية، عن وجود خلافات في وجهات النظر بين القاهرة وباريس حول سبل مكافحة الإرهاب، وإدارة مصر للملف الحقوقي وتضييقها على المنظمات المدنية. كما أعرب عن تمسكه بإنجاح حكومة الوفاق الليبية بغض النظر عن موقف حليف مصر في ليبيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر أو مستقبله الشخصي.

وذكرت مصادر حقوقية مصرية في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد" أن لقاء هولاند بالسيسي شهد خلافاً كبيراً حول ملف التعامل مع منظمات حقوق الإنسان، على خلفية اجتماعات سابقة عقدها حقوقيون مصريون مع بعض مستشاري هولاند واطلاعهم على مظاهر التضييق الحكومي في مصر، ارتباطاً بإعادة فتح قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني. ويضاف إلى ذلك تعرض هولاند لضغوط شعبية بسبب تخاذل الحكومة الفرنسية منذ عام 2013 في كشف ملابسات مقتل المواطن الفرنسي إريك لانغ مما دفعه لفتح الملف مع السيسي. غير أن هذه الأحداث لم تؤثر على مضي الحكومتين قدماً في صفقات التسليح المذكورة، والقابلة للتزايد مستقبلاً بسبب رغبة السيسي في تنويع مصادر تسليح الجيش المصري، بسبب قلقه من تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة باعتبارها المزوّد الرئيسي للجيش.

ميدانياً، فإن السيسي يهدف من تملّك حاملتَي المروحيات الجديدتين "ميسترال" إلى إحكام سيطرته على شواطئ مصر الممتدة شمالاً وغرباً، وخصوصاً شواطئ سيناء الشمالية التي تشهد بين الحين والآخر اختراقات من قبل عناصر تنظيم "ولاية سيناء" الذي أعلن مبايعته لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). وتحل "ميسترال" مشكلة عانى منها الجيش المصري خلال حربه الممتدة ضد ما يصفه السيسي بـ"الإرهاب" في سيناء، وهي عدم وجود قواعد متحركة للمروحيات والمجنزرات لخوض المعارك الخاطفة، ويرفع من سرعة التحرك، وفقاً لمراقبين. وتتوقع المصادر الدبلوماسية توجيه حاملة طائرات من الاثنتين إلى البحر الأحمر لتكون على أهبة الاستعداد للمشاركة في أية عمليات محتملة بالشراكة مع المملكة العربية السعودية في اليمن.

ووفقاً لبيان أصدرته وزارة الدفاع المصرية، أول من أمس الخميس، فإن "ميسترال" التي تعتبر من بين أحدث حاملات الطائرات في العالم، يبلغ وزنها 22 ألف طن بالحمولة الكاملة، وطولها 199 متراً وعرضها 32 متراً، وسرعتها 19 عقدة، وارتفاعها 58 متراً، ومدى إبحارها 30 يوماً بمعدل 10 آلاف ميل بحري، ويبلغ عدد أفراد طاقمها 30 ضابطاً و140 فرداً آخر. وتضم السفينة 6 نقاط إقلاع وهبوط، ومستودع طيران يتسع لتخزين من 12 إلى 16 طائرة مروحية أو 35 مركبة مدرعة، ويسمح سطحها العلوي بتحميل 70 عربة مدرعة بأنواع مختلفة، كما يتسع سطحها السفلي لتحميل 9 دبابات أو مجنزرات كبيرة، ويتسع الحوض لتحميل 3 وسائط إبرار.

وتتمكّن السفينة من تحميل 700 فرد عسكري بمعداتهم في الرحلات القصيرة و450 فرداً بمعداتهم في الرحلات الطويلة، وهي مجهزة أيضاً للعمل كمستشفى بحري متنقل على مساحة 750 متراً مربعاً، تستوعب غرفتي عمليات وغرفة أشعة، وفيها 69 سريراً طبياً، ويمكن استخدامها في إخلاء 2000 فرد طبقاً للمساحة المتيسرة منها حال انخفاض عدد المعدات.