صفقات التبادل: كلمة السر لتبييض السجون الإسرائيلية

صفقات التبادل: كلمة السر لتبييض السجون الإسرائيلية

16 ابريل 2017
ملصق لعملية خطف شاليط في غزة (توماس كوكس/فرانس برس)
+ الخط -
أمام الواقع المرير للأسرى من حيث الأعداد الكبيرة والأوضاع المأساوية الصعبة التي يمرون بها داخل السجون والمعتقلات، وعلى ضوء استمرار تزايد أعدادهم وتفاقم معاناتهم ومعاناة ذويهم، واستمرار الجمود السياسي والتعنت الإسرائيلي في حل قضيتهم والإفراج عن الأسرى كمقدمة أساسية لنجاح أي اتفاق سياسي، وفي ظل غياب التحرك العربي وتخاذل المجتمع الدولي وصمت مؤسساته الإنسانية والحقوقية، كان لا بد لقوى المقاومة من التحرك الجدي والبحث عن طرق وأساليب أخرى.

ويستلزم ذلك من قوى المقاومة أن يكون موضوع تحرير الأسرى على جدول أعمالها، وليس فقط للمباهاة والاستهلاك الإعلامي، بل العمل الجاد الدؤوب لهذه القضية، ووضع الخطط ورسم الاستراتيجيات، وتقدير الظروف، وتسخير كل الإمكانيات اللازمة وتوفيرها للمقاومة. وجاء في مقدمة هذه الاستراتيجيات عمليات أسر جنود الاحتلال لمبادلتهم بالأسرى، وهي استراتيجية قديمة سخرت لها حركات المقاومة جهداً كبيراً.

حوافز وعوائق

وفقاً لتقارير الأمن الإسرائيلي، فقد قامت حركة حماس لأول مرة في السنوات الأولى من الانتفاضة الثانية بتوزيع دليل عملياتي على المستويات الميدانية في كتائب القسام تحت عنوان "مرشد للمختطف"، وتضمنت شرحاً مفصلاً عن عملية الخطف، حيث يوصي معدّوها بالتالي:

1- إجادة اللغة العبرية، والتحدث معها بطلاقة، وتجنب الحديث باللغة العربية بأي حال.
2- البحث عن جندي ضعيف البنية لسهولة خطفه،
3- تفضيل تنفيذ العملية في حالة جوية ماطرة.
4- استخدام مسدسات مزودة بكاتم للصوت.
5- استبدال السيارة التي تم بها الخطف بسيارة أخرى في حالة الضرورة.
في المقابل، يبدو من الصعب الاعتماد على أسر الجنود أساساً في عمليات المقاومة بشكلٍ كاملٍ، إذْ إنّ هناك عوامل مهمّة في هذا الجانب تتمثّل بـ:

1- طبيعة التركيبة الجغرافية للأراضي الفلسطينية في الضفة والقطاع، ولا تساعد في سهولة إخفاء المختَطَفين من قِبَل الاحتلال، أو حتى إمكانية نصب كمائن للاختطاف.
2- وجود أولويات يفرضها الواقع، فالعدوان المتواصل وتهويد القدس ومصادرة الأراضي واستهداف المدنيّين؛ لا تسمح للمقاومة بالانتظار مدّة طويلة دون رد، ما يدفعها لاستغلال أيّ فرصةٍ سانحة.

وشهدت الأراضي الفلسطينية سلسلةً من عمليات خطف وأسر الجنود؛ تركّزت معظمها على مدن الضفة الغربية وقطاع غزة، مما دفع الجيش الإسرائيلي لإبداء قدر أكبر من الاستعداد والجاهزية لمواجهتها.

فمنذ مطلع فبراير 2004 عكفت ثلاث فرق في الجيش الإسرائيلي مكونة من تسع كتائب تضم أكثر من 1800 جندي، على سيناريوهات لمواجهة عمليات أسر تقوم بها حركات المقاومة عقب تهديدات أصدرتها، جعلت هيئة أركان الجيش للقيام بحالة من الاستنفار، وجدت تعبيرها في توظيف هذا العدد غير المسبوق من الجنود في الاستعداد لمواجهة عمليات الأسر المحتملة.
الأكثر من ذلك أن الجيش استخدم عدداً ممن يوصفون بأنهم من "ألمع قادته" للإشراف على إعداد هذه التدريبات، وإعداد سيناريوهات محتملة لعمليات اختطاف يقوم بها نشطاء المقاومة، وأوكلت مهمة الإشراف على تنفيذ هذه التدريبات لجنرالات مرموقين.

كثف الجيش من عمليات الحراسة في المناطق التي يوجد فيها كبار قادة الجيش، وألزمت هيئة الأركان ضباطها باتخاذ إجراءات احترازية لتجنب عمليات الأسر، مثل عدم لبس البزات العسكرية التي تظهر عليها رتبهم ومناطق سكناهم، حتى لا يتم التعرف إليهم وبالتالي اختطافهم.
ورغم أنّ أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينيّة أفشلت عدة محاولاتٍ لأسر جنود ولاحقت أفراد المقاومة، إلا أنّ مجموعة قسّامية عُرِفت باسم "خلية صوريف" استطاعت في صيف 1996 أسر الجنديّ "شارون أدري" من القدس المحتلة، وقتلته واحتفظت بجثته سبعة أشهر كاملة وسط تخبط واضح.

بذلت المقاومة الفلسطينية جهوداً حثيثة للنجاح في أسر جنود واحتجازهم كرهائن بهدف استبدالهم بمعتقلين، وأعربت مصادر عسكرية أن حماس تقوم بصورة دائمة بجمع معلومات عن تحركات الجنود وتنقلاتهم المختلفة، ونتيجة لذلك اشتعلت في أوساط المؤسسة الأمنية والعسكرية تحذيرات حقيقية تتعلق بنوايا تسلل أفراد من أجنحة المقاومة لقواعد عسكرية واحتجاز جنود من داخلها كرهائن، وانسجاماً مع ذلك، يقوم الجيش بين الحين والآخر بتحذير جنوده من مغبة السفر في سيارات مشبوهة.

تحليل عمليات الأسر
لسنا في هذه العجالة بصدد استعراض تفصيلي لجميع عمليات الأسر التي نفذتها المقاومة منذ الانتفاضة الأولى، لكننا سنقدم قراءة أمنية عسكرية للعديد من عمليات الأسر، ومن أهم ملامح هذه القراءة الأمنية العسكرية أن العديد من هذه العمليات شكلت تحولاً نوعياً من النواحي العسكرية والأمنية والميدانية في عمل المقاومة، سواء من الطريقة التي اتبعتها في تنفيذها، أو من النتائج الخطيرة التي أسفرت عنها.
ولعل النتيجة الأهم لهذه العملية هي نجاح المقاومة بأسر جندي أو ضابط أو مستوطن، وإخراجه من ساحة المعركة "حياً يرزق"، مما فتح الباب على مصراعيه لسيناريوهات تنبأت بها دوائر التقدير الاستخباري:

1- إما أن تتنازل إسرائيل، وتستجيب لمطالب المقاومة، وتفرج عن أسرى، وهذا الاحتمال سيبقى قوياً ما دامت فرصة عودة الجندي المختطف إلى منزله حياً قوية.
وبالتأكيد إذا ما وافقت إسرائيل، فإن المقاومة سيسعدها أن ترمي حبة "البطاطا الساخنة" من فمها، مقابل حصولها على مئات الأسرى، إلا أن العائق الوحيد أمام نجاح هذا السيناريو هو أن قادة الاحتلال الإسرائيلي أكثروا من تصريحاتهم الرافضة، بأنهم لن يخضعوا لما أسموه "ابتزاز الفلسطينيين".

2- أن تنزل المقاومة عن الشجرة العالية التي وجدت نفسها فوقها، وتتنازل عن الجندي المختطف، وتعيده سالماً دون شروط، لكن المشكلة التي تمنعها من ذلك الرأي العام الفلسطيني.

3- أن تسارع إسرائيل لعملية كوماندوز لإنقاذ الجندي المختطف من الأسر، حيث لم يخرج جنرالات الجيش هذا الاحتمال أصلاً من أجندتهم كما فعلوا في العديد من الحالات.

4- لأجل تنفيذ ذلك تحتاج إسرائيل معلومات استخبارية دقيقة جداً، وفي هذا المضمار تنتظر المخابرات أن يخطئ الآسرون أي خطأ.

5- تجميد القضية لعدة أشهر، قد تمتد سنوات، حيث ترتفع حدة ردود الفعل وتنخفض، وحينها ستلجأ المقاومة للمواجهة دون النظر لمصير الجندي، وستجد نفسها راغبة حينها بإدارة مفاوضة إسرائيل على نار هادئة، أي أن المواجهات تبقى مستمرة في حين ستقوم جهات دولية بالتفاوض السري.

6- تنازل رمزي وشكلي، بأن يعثر الطرفان على صيغة حل شكلية رمزية كأن تضطر إسرائيل للإفراج عن بضع مئات من الأسرى الجنائيين وكبار السن، والذين لا يهدد الإفراج عنهم أمنها، أو أن تعلن أن الإفراج عنهم كان لخاطر السلطة الفلسطينية وليس لخاطر المقاومة، أو أن تعلن أنها ستفرج لاحقاً وفي وقت غير محدد عن أسرى.

7- نموذج الطيار المفقود منذ سنوات "رون أراد"، فهناك من يفهم في إسرائيل قول المقاومة إن ملف الجنود الأسرى قد يطوى، وأن المقصود تأجيل البحث في أمره لسنوات قادمة وهو حل منطقي سهل للمقاومة، فهي لن تضطر للإعلان عن قتله، ولا أن تعيده مجاناً.

8- قتل الجندي أو الادعاء بأن قنبلة إسرائيلية قتلته، والنتيجة أن تستهدف إسرائيل رؤوس المقاومة.

(رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الأمة - غزة)