صفر هموم

صفر هموم

22 يوليو 2018
بعيداً عن المشاكل (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -
فجأة، تصبح كل المشاكل الاجتماعية غير موجودة. كأنّها لم تكن يوماً، وإن تتكرّر الشكاوى نفسها على ألسنة اللبنانيّين، ومعظمها يتمحور حول الضائقة الماديّة. لكنّ لا جديد. جيوب الناس تفرغ من المال باستثناء قلّة من المحظوظين من الطبقة الوسطى. الطبقة الغنية هنا ليست موضوعاً للنقاش. ففي كل الأحوال، تملك المال اليوم وغداً، ولا يوجد ما يؤرّقها.

لكنّ الناس التي لا تملك المال تقصد الأسواق، وتشتري أحياناً ما لا تحتاجه، فقط للتصدّي لذلك العجز. لا، لسنا بعاجزين، وإن كان كل ما سنشتريه يدعم النمط الاستهلاكي الذي نهرب منه أحياناً لنبرهن أننا أقوياء، بل أقوى من سلطة عالمية، ثمّ نعود إليه لأنه حلّ لكآبتنا.

ويكاد كلّ هذا يصير جزءاً من يومياتنا أكثر منه مشكلة اجتماعية أو اقتصادية أو نفسية. نعتاد على المشاكل أو المصائب حتى تدخل في خانة العادات. وبعدها لا شيء نشكو حوله. حتّى اللاجئين وأزمتهم، كأنّها من الماضي، على الرغم من أنها واقع يزداد صعوبة يوماً بعد أيام. حتّى الأطفال في الشارع، وأولئك الذين يولدون في الشارع، يتحولون إلى عادة. مساعدتهم عادة، وإغلاق نوافذ السيارات في وجههم عادة أيضاً. وتلك العبارة التي نظنّ بأنّها ستبعد أموالنا عن جيوب مشغّلي الأطفال. "هذا المال لك. لا تعطيه لمشغّلك". ها قد كشفنا السرّ الذي يعرفه الجميع، والذي لا يشكّل أي ضمانة للطريق الذي سيسلكه المال. لكنّنا نأمل ونعتاد. وهذا يكفي.



أمّا المشاكل الأخرى من قبيل تلوّث البحر والهواء وغياب الخدمات الأساسية المجانية من طبابة وتعليم وغذاء صحي وكهرباء ومساحات عامة وغيرها، فلم تعد تندرج ضمن مشاكلنا اليومية. يعتمد اللبنانيون على البدائل. والحديث عمّا سبق في إطار "النق" بات مرفوضاً. إثارة الحقوق صارت أشبه بـ "نقٍّ" على واقع لن يتغير... لنقل على الأرجح، مهما كثر المتفائلون.

ما الجديد إذاً؟ ألم يعد من مشاكل نكتب عنها؟ لا شيء. ملل من الاعتياد وبحث عن أي جديد.
قبل فترة تناقلنا فيديوهات السيول التي شهدتها مدينة رأس بعلبك في منطقة البقاع اللبنانية. وكانت المشاهد أشبه بفيلم سينمائي. شيء في داخلنا يبحث عن الإثارة، من دون أن نتحدث عما ألمّ بالناس مثلاً. تعبٌ أم عادة. لا ندري. ربما الاثنان معاً وأكثر.

مشاكلنا وهمومنا على حالها. وُجدت منذ الأزل وما زالت مستمرة. الفارق أنّ البشر باتوا أقل قدرة على استيعابها أو تحملها. كأنّنا نرث قليلاً من التعب من جيل إلى آخر. يمكننا حتماً كتابة الكثير عن ذلك التعب المتراكم.

المساهمون