صفر أحلام

صفر أحلام

11 يونيو 2020
من احتجاجات السادس من يونيو/حزيران (أنور عمرو/ فرانس برس)
+ الخط -

لم تختر الطائفية التي عرفها لبنان أن تترك هذا البلد. ويبدو أنها لم تشعر بالملل يوماً، هو (البلد) المهيّأ لفتح طرقاته وتقديم أهله فداءً لها. أَنظرُ إلى المتظاهرين، الذين كنتُ يوماً بينهم، وأُحاول أن أصدّق أنهم ما زالوا متفائلين، وأن الأمل ما زال يدفعهم إلى المواجهة. أنظر إلى ملامحهم حتى أكاد أحفظها، وأقف أمام المرآة محاولة تقليد الغضب والهتافات وتلك الرغبة في التغيير. لكنّ هؤلاء، معظمهم، ينتمون إلى الطائفية.

وفي حالتي، لا مشكلة في النوايا، بل إن الأمر يتخطى ذلك إلى ما هو أبعد. كأنّني أستذكر هنا درس "الاحتمال" (probability)، وهو فرصة لحدوث شيء ما. الاحتمال هو رقم بين 0 و1، ويشير الرقم 0 إلى الاستحالة، والرقم واحد إلى اليقين.

على هذا الخط الذي يربط الرقم صفر بالرقم واحد، نجد أنفسنا عالقين. وكلّما ظننا بأننا تقدّمنا خطوات إلى الأمام، تكون النتيجة ذلك الصفر الذي يرفض أيضاً أن يغادر لبنان، على غرار الطائفية. وماذا يبقى لنا؟ إما السعي إلى الهجرة أو الرضوخ. لكنّ الساعين إلى التغيير يُضيفون هذا المصطلح كنصر إضافي عززته انتفاضة 17 تشرين (أكتوبر/ تشرين الأول 2019).

وبدا أنّ الصادقين بين هؤلاء يُحلّلون هذه التجربة، سواء فشلها أو نجاحها بشكل فردي، من دون أي إطار، في ما يبدو تكراراً لأخطاء سابقة. بل إن موضوع تسمية هذه التجربة استغرق فترة نقاش طويلة. فسواء كانت انتفاضة أو حراك أو ثورة، فإن الاسم المختار لن يوفر أية حلول للمشاكل المتراكمة في البلاد.

وإحدى المشاكل التي قد تكون سبباً في تراجع زخم 17 تشرين، هو عدم الملاءمة بين الوعي السياسي والحلم بالتغيير، من خلال السعي إلى نسف تركيبة قام عليها بلد منذ سنوات طويلة بدعم دولي. فالعقدة أكبر من مجرّد خيط يحتاج إلى بعض التركيز وطول البال قبل فكّ عقدته. وفي حالتنا، يجب أن نجد الخيوط أولاً.

العناوين التي طرحها المتظاهرون خلال انتفاضة 17 تشرين كانت كبيرة. وما يحدث من تغييرات قد يظنّها البعض تحقّفت نتيجة ضغط الشارع، ما هي إلّا محاولة لتهدئة النفوس، من دون أي تغيير حقيقي على الأرض.



الواقع يبعث على التشاؤم. التفاصيل البسيطة التي كنّا قادرين على شرائها باتت عبارة عن ذكريات. حتى اليوم، ما زلنا نبتسم علناً ونكتئب ضمناً، وكأن هناك حالة نكران للواقع. وكما جرت العادة، سنتأقلم مع الواقع. وبدلاً من أن نشتري لوح الشوكولاتة الداكن المستورد، سنعد كعكة في المنزل. الأزمة الاقتصادية كانت يجب أن تكون العنوان الرئيسي والوحيد للتظاهرة التي شهدتها البلاد في السادس من يونيو/ حزيران الجاري. لكن الأحلام الكبيرة ما زالت تعيق العودة للأحلام الأكثر واقعية.

المساهمون