صعوبات رمضانية في سورية

10 يونيو 2018
ليست حياة رمضانية طبيعية (دليل سليمان/ فرانس برس)
+ الخط -
لا يختلف الوضع كثيراً في سورية ما بين المناطق الخاضعة لسيطرة النظام أو المعارضة في استقبال شهر رمضان ومعايشة يومياته، فالجميع يعاني من أزمة اقتصادية خانقة تجبره على ترك بعض العادات

للعام الثامن على التوالي، يحيي السوريون شهرهم الكريم بطقوس رمضانية ناقصة، اختلفت عما اعتادوا عليه في سنوات ما قبل الحرب، نظراً لظروف الدمار والحصار، بالإضافة إلى غلاء الأسعار الذي أثقل كاهل المواطن، ليتحول هذا الشهر من شهر كريم مبارك إلى شهر يحمل معه عبء مصاريف الطعام والشراب والذكريات المؤلمة للمفقودين والمهجرين وموائد الإفطار التي كانت تجمع الأهالي. مع ذلك، استمرت بعض العادات بالرغم من هذه الظروف.
يقول هاني، وهو شاب من مدينة حماة لـ"العربي الجديد"، إنّ للسوريين عادات وتقاليد ينفردون بها عن باقي الشعوب المسلمة، فمع دخول الشهر الكريم وتوجّه الأهالي إلى المساجد لتأدية صلوات التراويح التي تقام عقب صلاة العشاء، يذهب معظم الأهالي لزيارة بعضهم بعضاً ليباركوا بحلول الشهر، لتأتي بعدها وجبة السحور قبيل آذان الفجر بقليل، إذ يعتمد السوريون بشكل خاص في وجبتهم على اللبن والجبن ومربى المشمش والزيت والزعتر. ومن شخصيات السحور التقليدية في سورية المسحّر الذي يوقظ النائمين للسحور، وهي ظاهرة عامة في مدن البلاد، واشتهرت جملة المسحر التي يرددها معظمهم "يا نائم وحّد الدائم" إذ يجوب بطبله شوارع مدينة حماة ملحنّاً بصوته أناشيد دينية.

عقب الانتهاء من وجبة السحور، يؤدي المؤذنون أذان الفجر فيتوجه الأهالي لتأدية الصلاة في مساجد المدينة. تعقبها قراءة القرآن وذكر الله ضمن حلقات جماعية تجمع المصلين في المساجد حتى طلوع الشمس. وفي النهار يعمل الأهالي من الساعة الثامنة صباحاً إلى الساعة الثانية ظهراً، وذلك للحفاظ على قوتهم خصوصاً مع حلول الشهر في أيام حارة.




عند موائد الفطور، غالباً ما تجتمع العائلات السورية مع بعضها على الموائد بخاصة في الأيام الأولى والأخيرة من الشهر. تختلف وجبات الإفطار من مدينة لأخرى في أيام الشهر الأولى، ففي مدن الساحل يطبخ الأهالي وجبة السمك مع الأرزّ المعروفة باسم "الصياديّة". أما في مدينتي حماة وحمص فيشتهر أهلها بطبخ الشاكرية والتي تتكون من قطع لحم ممزوجة باللبن المروّب مع الأرز. وفي مدينة حلب يشتهر الأهالي بطبخ "المحشي" المعدّ من باذنجان وكوسا بالأرز واللحمة. وتختلف المقبلات على تلك الموائد من محافظة إلى أخرى كذلك، ودائماً ما يكون ذلك بحسب قدرة كلّ عائلة.

يتحدث أبو سامر، أحد بائعي العصير في حماة أنّ لسورية أنواع عصير مرطب خاصة بها، ومن أهمها وأشهرها مشروب العرق سوس الذي تشتهر به أحياء دمشق القديمة وكذلك حمص وحماة واللاذقية، ويستخرج هذا المشروب من نبات السوس، المقاوم للعطش، كما يساعد في عملية الهضم خصوصاً بعد وجبات الفطور الدسمة. هناك أيضاً التمر الهندي، وهو المرطّب الحلو الطعم المخفف لآلام الرأس لدى الصائمين خصوصاً في أوائل أيام الشهر. كذلك، مشروب قمر الدين المعدّ من المشمش المجفف. وهناك مشروب الجلّاب وغيره كثير من المشروبات المرطبة التي من الواجب توافرها على كلّ مائدة سورية عند الإفطار.

في سياق آخر، يقول الناشط الميداني حسن الهادي من قلعة المضيق بريف حماة التي تسيطر عليها فصائل من المعارضة، إنّ شهر رمضان لم تعد عاداته كما كانت في السابق هناك، فصلاة التراويح لم يعد الأهالي يتمكنون من تأديتها في المساجد لخوفهم من قصف النظام وغدره، خصوصاً أنّ هذه التجمعات تعتبر صيداً ثميناً لطائراته، وهذا ما قام به قبل سنوات في ريف حماة الشمالي إذ قصف أحد مساجد كفر زيتا أثناء تأدية أهلها صلاة التراويح فقتل عشرة مصلين. كذلك، حرم النظام الأهالي من تأدية صلاة الفجر في مساجد المدينة وذلك خوفاً من قناصة النظام.

ارتفاع أسعار المأكولات الرمضانية والمشروبات المرطبة كان سبباً في فقدان بعض العائلات السورية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام عادات رمضانية متوارثة أخرى، إذ وصل سعر كيس العرق سوس إلى 1200 ليرة سورية، فيما وصل سعر كيس مشروب التمر الهندي إلى 1500 ليرة، أما عن أنواع العصير الأخرى كالبرتقال والفريز (فراولة) فارتفعت أسعارها بشكل كبير إلى أن وصلت إلى 5000 ليرة، وهذا ما لا تقدر العائلات الفقيرة على شرائه. وصل الأمر إلى أبسط متطلبات الموائد الرمضانية فسعر ربطة الخبز وصل في بعض المناطق إلى 500 ليرة سورية، فيما افتقدت العائلات السكر والحلويات لغلاء الأسعار واعتبارها أمراً ثانوياً يمكن الاستغناء عنه مقارنة بالحاجات الأساسية التي يصعب تأمينها في دورها.




ظروف مريرة يعيشها الأهالي والمدنيون في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، كنتيجة القصف المتواصل الذي لم يتوقف بالرغم من الاتفاقات الأخيرة. كذلك، يعانون من ارتفاع الأسعار والبطالة. المناطق الخاضعة للنظام ليست أفضل حالاً، في ظل الضغط الأمني الكبير على أيّ شعائر رمضانية من دون موافقة وإذن النظام وأجهزته، فيما ينغص ارتفاع الأسعار راحة الأهالي وفرحتهم بالشهر الفضيل، في ظلّ أزمة بطالة كبيرة، تضطر البعض إلى بيع العصير والحلويات على العربات والبسطات.