صراع المصالح ومستنقع الدم

صراع المصالح ومستنقع الدم

06 فبراير 2015
+ الخط -

نشأت الحركات الجهادية ذات الخطاب العالمي في العصر الحديث، وكانت لبنتها الأولى في   الثمانينات، إذ كان رائدها، وحامل لوائها الأممي آنذاك، الشيخ عبد الله عزام، الذي كان يسعى إلى حشد الشباب الإسلامي لتحرير أفغانستان، إبان الاحتلال الروسي لها. لتصبح أفغانستان في ما بعد مركزاً لصناعة الرؤية الجهادية، بقيادة أسامة بن لادن الذي اعتبر الوريث الشرعي لعزام في قيادة التنظيم العالمي للجهاد "ضد الصليبيين". أسامة، الذي حسم أمر التنظيم بمواجهة العدو البعيد، والمتمثل بأميركا وإسرائيل، تاركاً العدو القريب، والذي اتهمه تارة بالردة، وتارة أخرى بالإرجاء والجهمية في دائرة دفع الصائل. وجد أسامة نفسه وتنظيمه في بركة طائفية وإثنية مليئة بالتعقيدات الإقليمية، خصوصاً في أثناء الحرب على العراق، والتي امتد لظاها في ما بعد إلى الثورة السورية.
فالتنظيم الذي كان يحتفظ بالمركزية والرجوع إلى القيادات العليا، بدأ يفقد سيطرته المعنوية، وبشكل تدريجي، على المناطق التي يخوض فيها صراعاً مسلحاً مع "الصليبيين وأعوانهم"، خصوصاً مع اختلاط الأوراق، وتداخل عدوهم ببعضه، كما حدث في العراق، فالقاعدة في العراق وجدت نفسها في مواجهة تحالف متصاعد ومباشر للعدوان القريب والبعيد، لينزلق أبو مصعب الزرقاوي ومَن نحا نهجه إلى القول بأولوية قتال المرتدين، "صحوات السنّة" و"الكفرة الروافض الشيعة"، أولى من قتال العدو الخارجي.
وبدأ تدريجياً بالقتل الانتقامي والتعسفي من هؤلاء، ليشمل تشريع قتل كل من رضي من السنّة بأن يكون جزءاً من مشروع الدولة الجديدة، وشرعنت قتل كل من هو شيعي، حتى ولو لم يحمل السلاح ضدهم. لينتقل، بعد ذلك، إلى تكفير المناهض لفكرهم، سياسياً وعسكرياً، ووجوب قتله، حتى ولو لم يكن من الصحوات أو عموم الشيعة. وهو ما أصبح عليه البغدادي، أمير القاعدة القاصر، وخليفة الزرقاوي الشرعي، والذي تجاوزه في كل فنون الإسراف في الخطف والقتل والذبح والتشريد.
هذا التشدد في مآلات القاعدة ومصيرها كان سببه الأخطاء العقدية التي كان يعيشها سلفهم، فاعتبار أنفسهم يقيناً جماعة المسلمين والفئة الناجية ووعدِ جنودهم بالجنة، إن قتلوا لا محالة، وهو أشبه بصكوك الغفران في القرون الوسطى، ترتب عليه التجهيز لذبح كل مخالف لهم في الفكرة.
إقصاء وسياسة إلغاء بقوة السيف شملت كل من حمل السلاح معهم ضد بشار الأسد، العدو المشترك، ما لم يؤمن بفكر القاعدة التنظيمي، فكانت حملات الردة لكل من تبع للمجلس العسكري وللائتلاف، وغيرهما.
ولكن الحرب على المخالف لم تتوقف، في ما بعد، على الفصائل الوطنية المقاتلة والجبهات الإسلامية التي لم تنضوِ في فكر التنظيم، بل تعدتها إلى إعلان الحرب العقائدية على إخوانهم في المنهج والعقيدة.
فتنظيم الدولة الإسلامية وأميره الذي أعلن الخلافة العامة، ورفض الجلوس لطاولة التحكيم التنظيمي بينه وبين جبهة النصرة، وقتل أبا خالد السوري (محمد بهايا)، رفيق درب ابن لادن، واتهم جبهة النصرة ومن يواليها بالردة واستباح دمائهم، وبدأ جنوده بالتقرب إلى الله بقتلهم. أمر واجهته جبهة النصرة بفكر عقدي شرع لجنودها قتال التنظيم، وقتل جنوده، وذلك عندما انتقلوا من الفتوى بوجوب الوقوف بوجه الصائل، ودفعه إلى وجوب مهاجمة تنظيم الدولة، والتقرب إلى الله بذبحهم، وذلك عندما أطلقوا عليهم صفة الخوارج "كلاب أهل النار".
هذه هي الحقيقة الواضحة وضوح الشمس للعيان: أبناء القاعدة لم يكتفوا برفع السيف في وجه المخالف لهم، بل شرعوا لأنفسهم سفك دم بعضهم باسم الدين، ليغوصوا بذلك في مستنقع الدم حتى النخاع، مغلّبين بذلك الخلافات الجزئية على كيفية وتوقيت إقامة الخلافة المنشودة في نظرهم، على الأصول العامة التي يؤمنون بها.

 

D861DA22-7918-488C-8181-923F9708CD77
D861DA22-7918-488C-8181-923F9708CD77
محمد نور (سورية)
محمد نور (سورية)