صراع أجنحة الحكم التونسي في ذروته... والمعارضة تتفرّج

صراع أجنحة الحكم التونسي في ذروته... والمعارضة تتفرّج

20 يوليو 2018
الخلاف بين الشاهد والسبسي كان خافتاً لأشهر(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
تؤكد مصادر خاصة لـ"العربي الجديد" أن رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، سيتوجه للبرلمان للتصويت على تعديل وزاري بصدد إعداده، وليس لجلسة منح ثقة، كما دعاه إلى ذلك الرئيس الباجي قائد السبسي. وسيكون التصويت على وزرائه الجدد اختباراً لقياس نبض البرلمان وحقيقة وجود كتل داعمة له من عدمه. وإذا لم يحظ الوزراء بالتزكية فقد يذهب وقتها إلى الاستقالة. وهذه المغامرة السياسية، غير محسوبة العواقب، لرئيس وزراء شاب دخل في مرحلة تحدّ مع الرئيس والداعين لإقالته، كان يمكن تجنبها وتأجيلها، بحيث لا يغامر بمستقبله الذي لا يزال مفتوحاً على مصراعيه. والخلاف بين الشاهد والسبسي، ومن يصطف خلف هذا المعسكر أو ذاك، يعكس صراعاً قوياً على الحكم، كان خافتاً في تونس لمدة أشهر، إلى أن قرر السبسي إخراجه للعلن وطرحه على التونسيين جميعاً، في حوار استبق دعوته زعماء الأحزاب والمنظمات للاجتماع، ما اعتبر مقصودا لإرباك الجميع. ودعا السبسي نجله حافظ لحضور الاجتماع ممثلاً عن حزب نداء تونس، ما اعتُبر أيضاً أنه إعلان واضح لاصطفافه في "الحرب" ضد الشاهد، الذي لم ينجح فيما يبدو في تحييد الرئيس عندما أطلق، في كلمة للتونسيين، النار على السبسي الابن.

صراع أجنحة الحكم بات واضحاً ومكشوفاً، لكن المشكلة أنه يهدد البلاد ويعصف باستقرارها الهش، ويعبث بمصائر التونسيين الذين أعيتهم ظروف الحياة الصعبة بحكم ارتفاع الأسعار ونقص الدواء وانقطاع المياه، وغيرها من المشاكل اليومية التي لا يبدو أنها تزعج المسؤولين في معركتهم المصيرية لحكم البلاد. وتكتفي المعارضة التونسية  حتى الآن بالتفرج وإصدار بيانات، مع أن تحليلها للمشهد يبقى صحيحاً، إذ تؤكد قيادات من الجبهة الشعبية اليسارية، بعد اجتماعها، أن "رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية باتا في مواجهة مفتوحة من أجل الاستيلاء على ما بقي من حزب نداء تونس لحسم الصراع داخل قبة البرلمان. وفي المقابل، فإن حركة النهضة تعمل على تصعيد الأوضاع أكثر ما يمكن، وهو ما بات يشكل خطورة على الدولة، وخصوصاً أن أطراف الصراع بدأت بمد اليد علناً للأجهزة الأمنية والعسكرية، وما الخلاف حول وزارة الداخلية والإقالات الأخيرة إلا رأس جبل الجليد". ويقول قيادي في "الجبهة"، في تصريح لموقع "آخر خبر"، أن "المجلس المركزي للجبهة الشعبية انتقد زيارة أكبر وفد للمؤسسات المالية الدولية الدائنة لتونس، وتوليهم الإشراف المباشر على الإصلاحات الكبرى، وهو ما يعتبر عمولة مالية جديدة ووضع البلاد تحت الوصاية، إذ باتت أجنحة الحكم تتسابق في تأدية فروض الولاء والطاعة للمؤسسات المالية الدولية لحسم الصراع ضد بقية الأجنحة".

ولا ينحصر صراع الدوائر في "النداء" وعائلة السبسي والشاهد فقط، إنما يشمل أيضاً حركة النهضة أيضاً، لأنها اختارت دعم بقاء الشاهد، واستبسلت في ذلك حتى آخر لحظة. وتؤكد المصادر، لـ"العربي الجديد"، أنها دافعت عن موقفها في اجتماع الإثنين الماضي، برغم كل الإطراءات والرسائل المشفرة التي وجهها إليها السبسي قبل يوم واحد في مقابلة صحافية. ولمحاولة إيجاد مخرج من هذه الورطة التي قد تكلفها غالياً أيضاً، دعت حركة النهضة، في بيان الإثنين الماضي، الحكومة إلى "تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي تم التوافق حولها في وثيقة قرطاج 2، والتزام رئيسها بعدم الترشح لرئاسيات 2019، وهو ما أكده رئيس الحركة، راشد الغنوشي، في اجتماع قرطاج صباح الإثنين، والتسريع بإنجاز التعديل الوزاري، خصوصاً سدّ الشواغر القائمة في الحكومة". ويبقى السؤال حول ما إذا كانت "النهضة" ستصوت في البرلمان لمصلحة التعديلات التي سيتقدم الشاهد بها، وإذا كانت ستفعل، فكيف سيكون رد فعل معارضيها و"نداء تونس" وكتله المنقسمة؟

وهذه ليست المرة الأولى التي يحتدم فيها صراع أجنحة الحكم في تونس، فقد سبق أن عاش التونسيون نفس السيناريو مع رئيس الحكومة السابق، الحبيب الصيد، عندما دعا نجل السبسي إلى إبعاده، واصطف والده خلفه بزعم فشل الحكومة في تغيير الأوضاع الاقتصادية. وكانت "النهضة" رفضت هذا الأمر في البداية ثم وافقت على مضض، وهي لا تريد تكرار الخطأ ذاته. ومن المفارقات المضحكة، أن مصادر أكدت، لـ"العربي الجديد"، استنجاد السبسي بالصيد لاستشارته في الأوضاع، مرجحة أن يتم تعيينه مستشاراً في الرئاسة.

وتكمن خطورة الوضع التونسي بتهديده للأمن والاقتصاد، إذ طاولت الأزمة وزارة الداخلية بإعلان السبسي خلافه حول التغييرات التي أقرها رئيس حكومته في هذه الوزارة، وتحميله تقريباً مسؤولية اعتداء غار الدماء، فيما بدأت إشارات وتلميحات من بعض السفراء لدعم هذا الطرف أو ذاك. وكان وفد ضم ممثلين عن الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك العالمي والبنك الدولي لإعادة الإعمار والتنمية والبنك الألماني للتنمية والبنك الأفريقي للتنمية والبنك الأوروبي للاستثمار والوكالة الفرنسية للتنمية والشركة المالية العالمية قد زار تونس في 12 يوليو/تموز الحالي، وعقد سلسلة لقاءات مع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس نواب الشعب (البرلمان) وعدد من رؤساء اللجان البرلمانية، وكذلك رئيس الحكومة وعدد من الوزراء ومحافظ البنك المركزي. واعتبر البعض أن هذه الزيارة بمثابة إعلان وضع يد على الاقتصاد وعلى القرار التونسي، إذ ربطت تصريحات بعض ممثليه مساعداتها في المستقبل بمدى التقدم في الإصلاحات. لكن المراقبين يعرفون أن ما هو مطلوب من تونس قد يتجاوز الإصلاحات وقد يمس استقلالية قرارها بخصوص قضايا عديدة. السبسي حمل المسؤولية لزعماء الأحزاب والمنظمات، وذلك خلال استقباله لهم، وكأنه ينأى بنفسه عن أزمة أحد طرفيها نجله حافظ، أو كأنه لا يتحمل مسؤولية في أزمة مع رئيس حكومة هو نفسه من اقترحه ودعمه لرئاسة الحكومة، أو كأنه ليس صاحب فكرة لجنة الحريات الفردية والمساواة التي قسّمت التونسيين في توقيت خاطئ، ما يفيد بأن الكل لا يعتبر نفسه مسؤولاً عن أزمة يتشارك الجميع بها، وقد تطول إلى 2019، بينما البلاد تغرق في ديونها ومشاكلها.


المساهمون