صدمة مذبحة بيشاور توحّد الباكستانيين

صدمة مذبحة بيشاور توحّد الباكستانيين

18 ديسمبر 2014
132 طالباً قتلوا في الهجوم (رضوان تباسوم/فرانس برس)
+ الخط -

تمكنت جماعة طالبان باكستان، يوم الثلاثاء، من تنفيذ أكثر الهجمات دموية في تاريخ البلاد، مستهدفة مدرسة يديرها الجيش في مدينة بيشاور عاصمة إقليم خيبر بختونخوا، (شمال غرب). الهجوم المروع الذي حصد أرواح 132 من طلاب المدرسة تراوح أعمارهم بين 10 و16 عاماً بالإضافة إلى مقتل تسعة آخرين من أساتذة وموظفي المدرسة، أرسى أجواء من الحزن والأسى على الساحة الباكستانية. وفيما دفع المعارضة السياسية إلى تأجيل تصعيدها ضد الحكومة، يخشى من امتداد تداعياته وتأثيرها على العلاقات الباكستانية ـ الأفغانية.

المتحدث باسم الحركة، محمد الخراساني، اعتبر أنّ الهجوم يأتي ثأراً لقتلى "طالبان" جراء عمليات الجيش الباكستاني في مقاطعتي شمال وزيرستان وخيبر القبليتين، والتي أدت إلى مقتل 500 من مقاتليها على حد قوله.

وعلى عكس رواية الجيش بأن الهجوم نفذه سبعة مسلحين كانوا يرتدون الملابس العسكرية والأحزمة الناسفة، وقُتلوا جميعاً خلال مواجهات مع قوات كوماندوز (إس إس جي) ضمن عملية أمنية استمرت تسع ساعات، أوضح الخراساني أنّ المهاجمين كانوا ستة، بينهم قناصون وانتحاريون. وأشار إلى أنه كانت لديهم أوامر بقتل الطلبة البالغين.

التضارب في المعلومات شمل أيضاً كيفية دخول المهاجمين إلى المدرسة التابعة للجيش والواقعة في منطقة عسكرية ومحصنة أمنياً. وبينما تؤكد المصادر الأمنية أن المهاجمين دخلوا إلى المدرسة بواسطة السلّم عبر الجدار الخلفي، حيث تقع مقبرة ومخيم للاجئين الأفغان، يقول بعض شهود العيان إن المسلحين دخلوا إلى المدرسة من خلال إحدى البوابات بعد أن أحرقوا السيارة التي جاؤوا فيها.

ويبدو أن الهجوم كان مخططاً له بدقة، إذ إن أربعة من الهاجمين توجهوا مباشرة بعد الدخول إلى المدرسة نحو قاعة المحاضرات، حيث كان عدد كبير من الطلاب يشاركون في محاضرة ينظمها المستشفي العسكري (سي إيم إيش)، فيما توجه اثنان آخران نحو مبنى الإدارة، وهو ما يبيّنه أحد طلاب المدرسة، محمد عمير، الذي أصيب في رجليه ولكنه نجا بعد أن اختبأ تحت الطاولة.

ويقول عمير، أثناء حديثه مع الصحافيين في مستشفى ريديليدنك: "كنا أكثر من 100 طالب في قاعة المحاضرات عندما سمعنا دوي إطلاق نار مكثف، ومن ثم دخل أربعة مسلحين يطلقون النار بشكل عشوائي مروع. وبالتالي سقط كل مَن كان في داخل القاعة بين قتيل وجريح".

وفي حين يؤكد بعض الطلاب أن المهاجمين كانوا يتحدثون باللغة المحلية (البشتوية)، يقول آخرون إن بعض المسلحين كانوا يتحدثون باللغة العربية، وهو ما تشير إليه المصادر الأمنية بقولها: "إن المهاجمين كانوا أجانب تم التعرف على هويتهم، لكن لدواعٍ أمنية لم يتم الكشف عنها".

كذلك أعلن المتحدث باسم الجيش الباكستاني، الجنرال عاصم باجوه، أنّ المهاجيمن كانوا على اتصال دائم مع جماعة مسلحة، وكانوا يتلقون منها تعليمات وأوامر أثناء الهجوم، ولكنه رفض أن يسمّيها "لدواعٍ أمنية".

وكانت للهجوم الدموي تأثيرات كبيرة على الساحة السياسية، إذ أعلنت الحركة الشعبية، التي يتزعمها الزعيم الديني طاهر القادري، عن إلغاء الاحتجاجات التي دعت إليها اليوم، الأربعاء، ضد الحكومة الباكستانية.

بدورها، أعلنت حركة الإنصاف تأجيل المرحلة الرابعة من الاحتجاجات التي كان مقرراً لها أن تبدأ في الـ18 من الشهرالجاري بهدف إغلاق كافة المدن الباكستانية لإسقاط حكومة نواز شريف، فيما توجهت القيادة السياسية والعسكرية الباكستانية إلى مدينة بيشاور للمشاركة في مؤتمر الأحزاب السياسية والدينية لمناقشة الوضع الراهن ووضع استراتيجية مستقبلية.

وتتعرض الساحة الباكستانية لهجمات دموية بين حين وآخر بعد انضمامها إلى التحالف المناوئ للإرهارب، والذي تترأسه الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 2001. وتعدّ مدينة بيشاور، المجاورة للمناطق القبلية، أكثر المناطق الباكستانية تضرراً جراء أعمال العنف، ولها تاريخ طويل مع التفجيرات والأحداث الدموية، ففي سبتمبر/ أيلول العام الماضي قُتل 80 شخصاً إثر هجوم على كنيسة في قلب المدينة. وفي يناير/ كانون الثاني عام 2010 قتل 93 شخصاً أثناء هجوم انتحاري على ملعب لكرة الطائرة في مدينة بنو. كما أودى الهجوم الذي وقع داخل سوق مينه بازار، المختص بالنساء، في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2009 بأرواح 117 شخصاً جلّهم نساء وأطفال.

إلا أن دفع الثمن لا يقتصر على بيشاور، إذ طالت التفجيرات وأعمال العنف كافة المدن الباكستانية. وبحسب إحصائية أجرتها بعض وسائل الإعلام، فإنه منذ بداية العام الجاري حتى السادس من شهر ديسمبر/ كانون الأول، وقع في باكستان 372 تفجيراً وأعمال عنف أدت إلى مقتل 686 شخصاً وإصابة 1934 شخصاً، من ضمنهم الهجوم الانتحاري الذي استهدف تجمعاً قرب الحدود الهندية ـ الباكستاينة على نقطة واغه في الثاني من شهر نوفمبر الماضي، وأسفر عن مقتل 65 شخصاً.

وعلى الرغم من وقوع تفجيرات وأعمال عنف كارثية في باكستان خلال الأعوام الماضية، كتفجيير مينه بازار في بيشاور، والهجوم على الشيعة في مدينة كويته في فبراير/ شباط من العام الماضي ما أدى إلى مقتل 110 أشخاص، والهجوم على رئيسة الوزراء السابقة الراحلة بنظير بوتو في أكتوبر عام 2007 والذي أدى إلى مقتل 160 شخصاً، إلا أن الهجوم على المدرسة هز المجتمع الباكستاني بأسره، وخيّمت أجواء الأسى والحزن على جميع أرجاء باكستان.

وبحسب الخبراء، فإن الهجوم على المدرسة أكثر رمزية، إذ إنه استهدف أبناء العسكريين بهدف إضعاف عزيمة الجيش الذي يقوم بالعمليات ضد "طالبان". كما يخشى أن الهجوم قد ينعكس سلباً على العلاقات الأفغانية ـ الباكستانية، إذ تدعي إسلام آباد بأن قيادات "طالبان باكستان"، التي تبنّت المسؤولية عن الهجوم، تتخذ من المناطق القبلية الأفغانية مأوى لها.

يذكر أن الاستخبارات الباكستانية قد حذرت قبل أيام من تخطيط استخبارات دول المنطقة لأعمال عنف بهدف توتير العلاقات الأفغانية ـ الباكستانية التي تحسنت بعد زيارة الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني أحمد زاي الأخيرة إلى إسلام آباد، حسب ما أشارت إليه الاستخبارات الباكستانية.

كما أن الهجوم على المدرسة له أثار نفسية سيئة على طلاب المدارس والجامعات، لا سيما أن وزارة الداخلية الباكستانية قد حذرت من استهداف المسلحين مزيداً من المدارس والجامعات في العاصمة إسلام آباد والمدن الرئيسية، وأمرت الأجهزة الأمنية بوضع خطة لتوفير الحماية اللازمة للمدارس والمؤسسات التعليمية.

وكانت المنظمة الدولية لحماية التعليم من الاعتداء قد ذكرت في وقت سابق أن المؤسسات التعليمية والمدارس في باكستان قد تعرّضت لثمانية آلاف اعتداء بين فترة 2009 و2012. وتشمل الاعتداءات العمليات الانتحارية واغتيالات المدرّسين والمدرّسات، والتي أدت إلى مقتل المئات. وهو الأمر الذي يشير إلى مدى تضرر القطاع التعليمي في باكستان بسبب الوضع الأمني المتدهور.

دلالات

المساهمون