صحيفة دنماركية تفضح العنصرية... عن فاطمة وسيمون وآخرين

صحيفة دنماركية تفضح العنصرية... عن فاطمة وسيمون وآخرين

17 يونيو 2020
صرخ العديد من الدنماركيين في وجه فاطمة(عن موقع "بوليتيكن")
+ الخط -
الصور تبدو مثالية في الظاهر، لكن الحقيقة غير ذلك، وفقاً لتقرير أعدّته صحيفة "بوليتيكن"، وهي إحدى أشهر صحف الدنمارك، حول العنصرية. نشرت الصحيفة في تقريرها هذا صوراً لبعض اللاجئين والأطفال بالتبني، الذين كبروا في أسر دنماركية، إضافة إلى لاعب في الفريق الوطني لكرة القدم، وممثل كوميدي، وغيرهم من أصحاب البشرة السمراء أو الداكنة، التقتهم الصحيفة ليرووا قصصهم مع العنصرية في البلاد.
تطرح الصحيفة على القرّاء سؤال: "هل هناك عنصرية في الدنمارك؟"، وهو سجال مستمر في البلاد، عاد إلى الواجهة الآن، تزامناً مع مسيرة شارك فيها الآلاف في كوبنهاغن، بعد مقتل جورج فلويد في الولايات المتحدة الأميركية. وشدّد سياسيون ووسائل إعلام على "مخاطر انتشار عدوى كورونا (بسبب التجمّع الذي حصل)". بل وجد، أمس الثلاثاء، اليمين المتشدّد، في حزب الشعب الدنماركي، ضالّته بعد تأكيد إصابة شخص بالفيروس، في مسيرة نهاية الأسبوع الماضي، وقال القيادي في الحزب، بيتر سكوروب: "هذا أمر مكلف مالياً لبلدنا.. يجب وقف مثل هذه الفعاليات".

وتدّعي أحزاب اليمين واليسار الوسط أنّه "لا يوجد في بلادنا أشخاص سود البشرة، بالتالي لا معنى لهذه الفعاليات".



لكن "بوليتيكن" اختارت أن تقدّم للدنماركيين بعضاً من الحقيقة، من خلال العنوان على شكل سؤال: "هل هناك عنصرية في الدنمارك؟"، وبإضافة ميزة العرض بخلفية سوداء، وصور الرواة تتحرك في المقدمة. وقدّمت الصحيفة لتقريرها كاتبةً: "فيما يلي عدد من القصص حول طبيعة العيش في الدنمارك، عندما تكون صاحب لون بشرة مختلفة عن اللون الأبيض..".

اختارت الصحيفة أن تبدأ بقصة نموذجية، تمثّل ما يعيشه اللاجئون بفعل العنصرية والتمييز. فنقلت الصحيفة عن لسان اللّاجئة السورية، فاطمة أحمد خُردق (47 سنة)، وهي محجّبة وتعمل مساعدة طباخ في كوبنهاغن، قولها: "لقد صرخوا في وجهي في متجري نيتو وفوتيكس، (وهما عبارة عن سلسلة سوبرماركت دنماركية)، كما صرخوا في وجهي مرتين في البنك. كنت أقف في الطابور، حين بدأ شخص يقف خلفي يلوّح بيديه ويصرخ محتجاً على وجود شخص مثلي في الطابور، وأنه لا يمكنه أن يقف هو، خلفي في الطابور، وأنّ عليّ أن أرحل من هنا".
وتضيف فاطمة: "وجدت نفسي مرة أيضاً أقف أمام سيدة تصرخ بقوة في وجهي. لم أكن أفهم اللغة الدنماركية حينها، وبالتالي لم أعرف ما كانت تردّد. هربنا من الحرب في سورية، وكنّا نعيش في معسكر لجوء، وذهبت في نزهة، حين بدأ مطر غزير بالانهمار. احتميت عندها تحت إحدى شرفات مجمّع سكني، فجاء القاطنون ليأمروني بالابتعاد وظلّوا يصرخون إلى أن أصبحت تحت المطر. أعترف أن الخوف يتملّكني عندما يغضب الناس".
ومضت "بوليتيكن" لتقدّم قصة الشاب سيمون نيبور (33 سنة)، وهو يحمل اسماً دنماركياً قديماً. الشاب، الأسمر البشرة، الذي يضع قرطاً أسود في أذنيه، يعمل مدير علاقات. كبر في مدينة سيلكبورغ، وسط غرب الدنمارك، وهو ابن عائلة دنماركية بالتبني. هنا قضى طفولته وشبابه. يروي سيمون قصته المؤلمة، ويقول "نادوني بأسماء مثل "نيغر" (زنجي) و"خنزير نيغر" (negersvin) و"خنزير بني"، و"قرد"، و"بيركا" (وهو تعبير عنصري يُطلق على كل أجنبي بشرته داكنة)، و"بيركاسفين" (خنزير بيركا)، وطُلب مني أن أعود إلى موطني الذي جئت منه لأطهو البيتزا (وهو وصف نمطي للمهاجرين في الدنمارك، إلى جانب تنميطهم بأنهم بائعو خضار وسائقو تاكسي)".



عانى سيمون من هذه العنصرية، أثناء طفولته ومراهقته، ونقل التعابير البذيئة التي غالباً ما ردّدوها على مسامعه، إلى جانب تلك التي تربط لون بشرته الداكنة بالقذارة.
وركّزت "بوليتيكن" على قصة سيمون، لأنه يختزل قصص آلاف الأطفال المتبنين من حول العالم، من قبل دنماركيين، والذين يعانون من العنصرية، على الرغم من أنّهم كبروا في البلد. ويمضي الشاب بإخبار قصته للصحيفة، قائلاً: "تم الاعتداء الجسدي عليّ مرّات لا تحصى، وأثناء الضرب كنت أُشتم دائماً، وحين كنت أقع أرضاً، كانوا يدوسون عليّ ويركلون رأسي وأضلاعي وبطني وظهري، فتسبّبوا بجراح في شفتي، وكسر أنفي وتخلخل أسناني، وتبوّل وتبرّز الدماء، والتواء في أحد أضلاعي، إضافة إلى كسر في الفكّ والمعصم والكاحل والركبتين. كما بصقوا عليّ وأنا ممدّد على الأرض، وقاموا بضربي بالزجاجات والحجارة، وألقوا الكحول على رأسي، ورشقوني بالموز".
كذلك تحدّث سيمون عن طفولته قائلاً: "كانوا يحبسونني في المدرسة الابتدائية في الثلاجة، ورموني عن دراجتي الهوائية، وفي مرات أخرى كانت السيارات تمرّ متقصدة إيقاعي، إمّا بفتح الباب أو من خلال المرآة الجانبية".
وأضاف سيمون للصحيفة: "أوقفتني الشرطة مرتين، وشهروا سلاحهم بوجهي مهدّدين بإطلاق النار والكلاب نحوي، بحجّة أنّ مواصفاتي تتطابق مع وصف مطلوب (رجل داكن بملابس داكنة). وفي المرتين كنت خائفا على حياتي. الاعتداءات اللفظية أو الجسدية العنصرية كانت تحدث لي في المدارس الشعبية (الابتدائية) والمدارس الداخلية، وفي الصف العاشر وفي الثانوية، وحين كنت أذهب لممارسة كرة القدم واليد والريشة. حدث لي ذلك في القطار والحافلة وفي العمل والمتجر المحلي، وفي حانتي المحلية في المنطقة (سيلكبورغ)، وفي الديسكو، وفي المطار وعلى الشاطئ وفي الشارع، بل حتى أيام عملي في المسرح الملكي (أشهر مسارح البلد وأكثرها رقياً في كوبنهاغن)". ومن يرون أنّه لا مشكلة عنصرية في الدنمارك، كانوا يقولون لسيمون: "أوه يا سيمون.. كن هادئاً أنت لست أسود البشرة بكل الأحوال! أو إنّ هذا مجرد مزاح وفكاهة، لم أقصد ذلك. فيما قال آخرون له: "كلامي مجرّد تعبير عن إحباط.. وآخرون: إنها مجرد مزحة..".
ويختم سيمون قصته بالقول: "تبنتني عائلتي من سيريلانكا، لكنني لطالما شعرت بأني دنماركي. أحب الدنمارك، هي وطني، ويوماً ما سأعود إليه مع شريكتي الاسكتلندية، وآمل أن تكون ابنتي فخورة بأنها نصف دنماركية، كما كنت أنا دنماركياً. لكن الدنمارك ليست مثالية، على الأقل ليس بعد".
وروت، منال يعقوب (62 سنة)، وهي من أسرة عراقية مسيحية، لـ"بوليتيكن" قصتها مع العنصرية أيضاً، وهي مهندسة مدنية، عايشت العنصرية اللفظية، وروت موقف الدنماركيين منها، عندما حققت نجاحاً في عملها هي وأسرتها، منذ قدومها إلى البلد، بداية تسعينيات القرن الماضي. ونقلت الصحيفة أيضاً قصص شابات بالتبني، أو من زواج مختلط، خلاسيات، روين كيف أنهنّ تمنينّ أن يغيّرن لون بشرتهنّ يوماً، وهنّ يحملن أسماء دنماركية تقليدية. هذا عدا عن شهادات صوماليين، ولدوا وكبروا في البلد وعايشوا قصصاً تشبه قصة سيمون، وإن كان هؤلاء يشكون بعد من التمييز والعنصرية في الدوائر الرسمية أكثر، وخاصة من قبل الشرطة.​



دلالات

المساهمون