خسرت إيطاليا مونديال 94 بضربات الحظ الترجيحية، لكن ظل روبرتو باجيو، أيقونة كرة القدم في النصف الأول من تسعينات القرن الماضي، "فالتريكوارتيستا" الإيطالي، هو النموذج الأمثل للنجم الأهمّ في الملاعب الأوروبية.
كان باجيو مراوغاً رائعاً ومسدّداً مميّزاً وصانع ألعاب من طراز فريد، وجاء ليكمل سلسلة اللاعبين العظماء في عمق الملعب بتصريحه الأشهر على الإطلاق: "اللاعب الجريء الشجاع فقط، هو مَن يحصل على الضربة الحاسمة"، في إشارة إلى نهائي بطولة أميركا بين الأزوري والسيلسا.
استخدم المدير الفني، أريجو ساكي، النجم الإيطالي على طريقة نجوم كرة السلة، فحينما تتأزم الأمور، يكون باجيو على موعد مع لعب دور المنقذ الذي يشارك ويقوم بتغيير كل مجريات المباراة، يستلم صاحب القميص رقم "10" خارج المنطقة، ينطلق خلف المهاجمين، يتحرك بين وسط الخصم ودفاعه، يصنع الأهداف ويسجلها. صانع ألعاب من الطراز الفريد.
بداية الألفية
في كتابه التكتيكي الخاص بقلب الهرم، يتحدث الكاتب ويلسون حول بطولة يورو 2000، عن وصول منتخبات فرنسا وهولندا وإيطاليا والبرتغال إلى نصف نهائي البطولة، فيضم كل فريق صانع الألعاب الكلاسيكي، وهو زين الدين زيدان، مع "الديوك"، ودينيس بيرجكامب، نجم "الطواحين البرتقالية"، والإيطالي ديل بييرو، وروي كوستا مع "السيليساو" الأوروبي.
حكمت هذه النوعية من اللاعبين كرة القدم لفترات طويلة جداً. لاعب الوسط، مع اختلاف مهامه، يلعب ويمرر ويراوغ ويسدّد من العمق.
كان تمركز لاعبي الأطراف أقرب إلى الخط، مجرد أجنحة تقليدية، يتسلّم اللاعب الكرة ويرسل العرضيات، أو يراوغ ويمرر. وكان الإنجليزي ديفيد بيكهام نموذجاً حقيقياً للجناح الكلاسيكي في اللعبة. وهناك بعض الطفرات، مثل لويس فيجو، الذي أضاف كثيراً إلى مركز الجناح، خصوصاً على مستوى صناعة الألعاب وتسجيل الأهداف ومزاحمة نجوم اللعبة في ذلك الوقت، وهو ما دفع بيكهام للتطور كثيراً في أواخر أيامه مع مانشستر وريال مدريد وأصبح له دور رئيسي في صناعة الألعاب.
فنيّاً، كانت الخطط بالمنتصف عبارة عن خط وسط دفاعي في المقام الأول، وصانع ألعاب صريح، لا يعود للخلف وليس له أي مهام دفاعية. فقط لاعب ينظر الى الأمام، يوزع الهدايا على طبق من ذهب ويصنع الفرص للمهاجمين.
فان جال وريفالدو والصراع الأخير
في مونديال 2002، لعبت البرازيل باثنين من صناع الألعاب، رونالدينيو صانع الألعاب المتأخر قليلاً، وريفالدو اللاعب الحر الذي يلعب خلف رونالدو ويتحرك بحرية في كل مكان بالملعب. خطة أتاحت للظهيرين حرية الانطلاق الى الأمام.
بعد عودة لويس فان جال لتدريب برشلونة من جديد، حدثت الخلافات بين الهولندي وريفالدو. أراد فان جال أن يلعب البرازيلي كجناح، لكن ريفالدو أصر على المشاركة في العمق بحرية. اختلاف وجهات النظر بين الثنائي عجّل برحيل ريفالدو إلى ميلان.
وكان الانتقال مفاجئاً وصدمة كبيرة لعشاق البارسا، لكن تلك القضية أثارت موضوعاً هاماً بعد ذلك، هل البساط بدأ يُسحب من تحت أقدام صناع الألعاب القدامى وينتقل الى الأجنحة؟ وخاصة أن فان جال أحد المدربين الذين يتّسمون بنظرة مستقبلية، ودائماً يؤكد أن كرة القدم فلسفة والتدريب رؤية، لذلك رأى الهولندي الراديكالي أن الأطراف الهجومية ستكون كلمة السر خلال السنوات المقبلة، وقد كان.
آخر العظماء
صانع الألعاب، نجم الفريق، الرقم 10، الحاوي، قل ما تشاء عنهم، هم في النهاية ملوك وأباطرة هذه اللعبة، والرقم الصعب لدفاع الخصوم، والذين يفضلهم الجماهير في الفرق والمنتخبات على حد سواء، وباختصار يكون ريكلمي ورفاقه هم المفضلين لدى سكان الركن المنسي من المدرجات.
في بادئ الأمر، كانت الخطط أقرب إلى 2-3-5 أو خطة الهرم، لم يكن هناك صانع ألعاب صريح، مجموعة تهاجم وثنائي يدافع فقط. ومع ظهور خطة "الدبليو إم" للعظيم تشابمان هيربرت، صانع أمجاد آرسنال، أصبحت الخطط أقرب إلى 3-2-2-3، لاعب من الثنائي تحت ثلاثي الهجوم يقوم بنقل الكرة إلى الأمام، ولاعب من الثنائي أمام ثلاثي الدفاع يقوم بنقل الكرة إلى الوسط.
ومع تطور الخطط أكثر، ظهرت 4-2-4 في البرازيل ووجود لاعب الوسط الذي يلعب الكرة إلى الأجنحة المهارية على الأطراف أو المهاجم الحاسم في الصندوق، ثم 4-3-3 الهولندية وعدم وجود صانع ألعاب واحد بالمعنى الحرفي للكلمة.
ثم 3-5-2 الثمانينات، واستغلتها الأرجنتين بالاعتماد على مارادونا مهاجماً ثانياً خلف خورخي فالدانو، وصانع ألعاب صريح في الوقت نفسه، وهدافاً عند الحاجة. والأمر ينطبق على ميشيل بلاتيني في فرنسا أيضاً، حقبة النجوم الكبار والوسط الذي يدافع فقط.
تمر السنين حتى تأتي طريقة لعب 4-4-2 الشهيرة، وهنا صانع الألعاب رقم 10 هو الـ"Big Man"، واللاعب الذي يهاجم فقط، يلعب للأمام، يصنع الأهداف ويسجلها. يفعل كل شيء في الثلث الهجومي الأخير وليس له علاقة بالدفاع. في أميركا اللاتينية كان صانع الألعاب هو الذي يتألق في طريقة لعب 4-3-1-2 التي تصبح 4-4-2. فيكون ثلاثي الوسط أمامه ثنائي هجومي وبينهما صانع الألعاب الذي يربط الجميع داخل الملعب.
لذلك يعتبر خوان رومان ريكيلمي آخر صنّاع الألعاب القدامى في كرة القدم، الذين تألقوا وبرعوا خلف المهاجمين دون الحاجة إلى مجهود دفاعي صريح، وربما هذه الفكرة هي التي أوجدت الخلاف بين مانويل بيليجريني وريكلمي في فياريال، فالأرجنتيني يهاجم فقط والمدرب يريد من كل لاعب أن يعود للخلف، لذلك عاد المايسترو إلى بلاده ليتألق مرة أخرى مع ناديه الأصلي، بوكا جونيورز.
ظهور خطط 4-3-3 و4-4-2 الجديدة و3-5-2 التي تعتمد على الضغط العالي، وبالطبع 4-2-3-1، كلها أمور حسمت نهاية مركز صانع الألعاب الكلاسيكي، لتتحول قواعد اللعبة من الوسط إلى الأطراف، ويتألق صنّاع ألعاب آخرين، بأفكار مختلفة وبصفات بعيدة كل البعد عن كرة التسعينات وأوائل الألفية.