شيماء تكافح القبح والأوجاع

شيماء تكافح القبح والأوجاع

02 فبراير 2015
+ الخط -
شيماء الصباغ، ليس مجرد اسم، فقد تحول إلى أيقونة للمناضلين في عدد من بقاع العالم. ربما لم تحظ صاحبة هذا الاسم بالمكانة ذاتها في مصر بعدما اختلفت المقاييس عند البعض لدرجة تبرئة القاتل وإدانة الشهيد. البعض راح يصب اللوم على حزب التحالف الذي تنتمي إليه شيماء رافعاً شعاراً سبق ورفعته قوى قمعت وقتلت مَن هم في سن شيماء: "قتلها من أخرجها". هذا الشعار الذى يسوقه كل من يبرر أفعال السلطة، مهما كانت هذه السلطة. 
البعض اختار مواقف وسطية لكنها في حقيقة الأمر افتقدت الى المنطق، حيث تعاطف هذا البعض مع شيماء غامزاً من قناة حزب التحالف الشعبي أنه لم يستأذن الأمن في إحياء ذكرى الثورة بالورود وشعارات العدالة الاجتماعية.
شيماء كرّست حياتها لمواجهة القبح، قبح الفقر والتهميش والاستبداد. الفتاة الإسكندرانية بنت أحد الأحياء الفقيرة (الغيط الصعيدي). أحياء فقيرة تمتد بطول مصر وعرضها والتي تمثل حزاماً يجمع النازحين وملايين من العمالة غير المنظمة. أولئك النازحون الذين أتوا إلى المدن بحثاً عن العمل وهروباً من الفقر المدقع في محافظات الصعيد.
اختارت شيماء أن تنحاز الى أهلها وناسها، تنتمي إليهم وتدافع عنهم، فلا تخون هذا الانتماء ولا تستسلم لقبح الواقع فتسقط فريسة للعدمية او تصديق الأكاذيب التي تسعى الى تزييف الوعي. اختارت فقيدة الثورة أن تكون شهيدة من أجل الوطن والشعب، وهذا أشرف النهايات.
انضمت شيماء إلى صفوف اليسار ومارست قناعتها وإيمانها بقيم العدل والحرية. لم يكن الانتماء بالنسبة إليها مجرد شارة أو "كارنيه" عضوية. نشطت في الحراكات العمالية، كما عملت وسط مناطق العشوائيات وأحزمة الفقر. كانت زهرة الحركة الطلابية، فهي واحدة من جيل تفتحت عيناه على انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثانية. رفعت قبضتها تفدي بروحها وبدمها فلسطين. من أجل فلسطين التي عرفتها ساحة للنضال من أجل الحرية ورفض الاستسلام، رددت شيماء شعار: "دم إخوتنا للحرية مش للحلول الاستسلامية". وها هي وغيرها من أبناء أحيائنا الشعبية يدفعون الثمن من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية والتحرر الوطني، رافضين التبعية بكافة صورها الاقتصادية والسياسية.
كتبت شيماء هى وجيلها تاريخاً جديداً لمصر. تاريخ صاغه الشعب حين انتفض ليقاوم الظلم وسياسات الإفقار. بدد هذا الجيل وهذه الفئات المفقرة من الشباب أوهاماً رسخها العديد من النخب التي تستسلم للواقع. أثبتت أن التغيير ممكن وأن إزاحة مبارك ونظامه، وإن كانت مهمة صعبة، فإنها ليست مستحيلة. وأثبتت مع الشعب بفئاته المتنوعة، وفي مقدمتهم الشباب المنتمي إلى المناطق الأكثر فقراً، أن الثورة ممكنة وليست مجرد شعار يرفع. لم يكن أمام هذه الفئات المحاصرة بالبطالة والتهميش بديلاً عن الثورة، لذا لم يكن الحراك الممتد في تلك المناطق، وما أثبتته من بطولة في مواجهة آليات القمع، مجرد مغامرة.
كانت الثورة الشعار الذي تبلور ليصبح واقعاً.
ليست المنطقة السكنية لشيماء المنطقة الوحيدة التي تعاني من الفقر والتهميش. ففي مصر أحياء أكثر فقراً وتهميشاً، حيث تقدّر المناطق العشوائية بنحو 1200 منطقة يعيش فيها أكثر من 20 مليون مواطن. تلك المناطق وغيرها من الأحياء الشعبية القديمة أو المنشأة حديثاً سوف تكون في المستقبل وقوداً للتغيير بما تحمله من خصائص اجتماعية واقتصادية وبما تحتويه من كتل سكانية مفقرة ونقص في الخدمات.
كانت انتفاضة مدينة المحلة في 2008، مؤشراً بأن الحرمان الاقتصادي يودي للثورة، وكان صمود أحياء شعبية، مثل بولاق (القاهرة)، وعين شمس والمطرية والسيدة زينب وغيرها، نموذجاً لصمود الفقراء أمام مدافع القهر، ودليلاً على الرغبة في هزيمة الاستبداد وبناء نظام جديد عادل.
لم تتغيّر أحوال تلك المناطق ولم تتغيّر ظروف سكانها، لذا سوف يخرج بلا شك من بين أبناء هذه المناطق الكثير من الثوار، يكافحون القبح بكل صوره ويكافحون من أجل وطن عادل. سيكون هنالك الآلاف من شيماء، سيرددون عبارتها عن الوطن الذي تسعى إليه: "بلد بها براح ودفء بلد بلا وجع".

المساهمون