من جديد خرج شيخ الأزهر، الإمام أحمد الطيب، اليوم الاثنين، منتصراً على نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ممثلاً هذه المرة في مجلس النواب، الذي أرجأ مناقشة مشروع قانون "تنظيم دار الإفتاء" الجديد إلى فصله التشريعي المقبل؛ استجابة للضغوط التي مارسها الطيب على البرلمان، بوصف القانون جاء مخالفاً للمادة السابعة من الدستور، وكذلك لأحكام قانون إعادة تنظيم الأزهر، وهيئاته.
وقالت مصادر برلمانية مطلعة، لـ"العربي الجديد"، إن طلب شيخ الأزهر حضور جلسة مناقشة مشروع القانون، اليوم الاثنين، وضع رئيس البرلمان، علي عبد العال، في موقف حرج، الذي أجرى مداولات مع مجموعة من النواب المقربين إليه في مكتبه، بحضور الأمين العام للمجلس، محمود فوزي، لحسم قراره في نهاية الأمر بعدم مناقشة التشريع، على الرغم من إدراجه على جدول أعمال الجلسة.
وكتب النائب المعارض للقانون أحمد الطنطاوي، في تدوينة نشرها على "فيسبوك"، قائلاً: "سحب قانون تنظيم دار الإفتاء قبل التصويت النهائي عليه اليوم. مبروك لكل المصريين فشل تلك الهجمة على الأزهر الشريف، كما فشلت سابقاتها، وستفشل بإذن الله لاحقاتها. ارفعوا أيديكم عن منارة العالم الإسلامي".
ودعا الطنطاوي إلى عدم خلق هذه الازدواجية بين الأزهر، الذي يجب أن تكون تحت مظلته كل مؤسسة دينية، وبين دار الإفتاء التي يجعل منها القانون كياناً موازياً، تحت تبعية مجلس الوزراء، في وقت تتغول فيه اختصاصاتها الجديدة على أجهزة رئيسية في الأزهر، وهي: هيئة كبار العلماء، ومجمع البحوث الإسلامية، وجامعة الأزهر، الأمر الذي يضرّ بالدين والدولة معاً، حسب قوله.
بدوره، قال النائب هيثم الحريري: "إرجاء البت في قانون تنظيم دار الإفتاء، وتأجيل حسمه للبرلمان القادم. أرفض أن تكون دار الإفتاء تابعة لمجلس الوزراء أو لوزير العدل، كما أرفض أن تنسلخ دار الإفتاء عن مشيخة الأزهر".
وأرسل شيخ الأزهر خطاباً، أمس الأحد، إلى رئيس مجلس النواب يطالبه فيه بحضور الجلسة العامة المخصصة لمناقشة القانون، لإعلان رفض الأزهر لمواده التي يشوبها العوار الدستوري، معتبراً أن إقرار هذا التشريع من شأنه أن يخلق كياناً موازياً لهيئات الأزهر، ويجتزئ رسالته، ويُقوِّض من اختصاصات هيئاته، فيما جعلت مواد الدستور جعلت من الأزهر - دون غيره - المرجع الأساس في العلوم الدينية، والشؤون الإسلامية، والمسؤول عن الدعوة، ونشر علوم الدين، واللغة العربية في مصر والعالم.
ويستهدف مشروع القانون إنشاء كيان موازٍ للأزهر، وتهميشه، وتفريغ دوره لصالح كيان دار الإفتاء الخاضع لأمر السلطة التنفيذية، والاعتداء على اختصاص هيئة كبار العلماء بالأزهر، واستقلالها، في ما يخص ترشيح الهيئة لمفتي الجمهورية، من خلال منح الفتوى الشرعية لأحد الوزراء في السلطة التنفيذية، وتخويله سلطة ندب من يحل محله عند خلوّ منصبه، بما يؤكد زوال جميع الضمانات التي كفلها الدستور والقانون لاستقلال الأزهر وهيئاته، وإسناد رسالته إلى أحد أعضاء الحكومة.
ويُنهي التشريع أيضاً طريقة انتخاب المفتي من خلال اقتراع سري مباشر، يصوت فيه أعضاء الهيئة التي يترأسها شيخ الأزهر، ويؤسس لآلية جديدة توقف سلطتها عند اختيار ثلاثة مرشحين للمنصب من داخل الهيئة أو من خارجها، ورفع ترشيحاتها إلى رئيس الجمهورية الذي منحه التشريع السلطة المطلقة في الاختيار من بين المرشحين الثلاثة، فضلاً عن الحق في التمديد للمفتي بعد أن يبلغ السن القانونية، إيذاناً باستمرار المفتي الحالي، شوقي علام، في منصبه بعد وصوله إلى سن الستين.
وامتنعت غالبية الصحف والمواقع المحلية في مصر عن نشر ردّ قسم التشريع في مجلس الدولة بشأن مشروع القانون، استجابة لتعليمات صادرة عن أجهزة أمنية، الذي شدد فيه على عدم دستورية المشروع لمخالفته المواد أرقام 2 و7 و8 و15 من الدستور، والمادة (32 مكرر) من القانون 103 لسنة 1961 وتعديلاته، التي تؤكد أن الأزهر هو "المرجع الأساسي" الذي يجب أن تُرد إليه كل فتاوى دار الإفتاء، بوصفها مظهراً تطبيقياً للعلوم الدينية، والشؤون الإسلامية.
ورفض مجلس الدولة ما أقره مشروع القانون من سحب اختصاص الفتوى من الأزهر لصالح دار الإفتاء، نظراً لأنها أداة من أدوات نشر علوم الدين في مصر والعالم، وهذا هو شأن الأزهر الشريف، وإلا فإنها ستقوم على غير أساس مفتقدة مرجعها الأساسي، مشيراً إلى أنه ليس من المستساغ دستورياً وقانونياً أن يأتي المشرع العادي بأداة أدنى من الدستور، لينال من الاختصاص الذي حدده الدستور للأزهر، ويعهد به إلى جهة وهيئة أخرى.
وسابقاً، قالت هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف في خطاب أرسلته إلى رئيس البرلمان، إن "الأزهر بنص الدستور هو المرجع الأساس في كل الأمور المتعلقة بالشريعة، وفي صدارتها الإفتاء، وبالتالي إسنادها إلى هيئة تابعة لوزارة العدل ينطوي على مخالفة دستورية، ومساس باستقلال الأزهر، وجعل رسالته مشاعاً لجهات أخرى لا تتبعه"، مستطردة بأن "دار الإفتاء ستصير عندئذ كياناً عضوياً منبت الصلة عن الأزهر، وتمارس عملها بمعزل عنه".
ورفضت هيئة كبار العلماء ما ذهب إليه مشروع القانون من إنشاء مركز لإعداد المفتين برئاسة المفتي، بدعوى إعداد الكوادر العلمية التي تشتغل بالإفتاء، وإكسابهم المهارات اللازمة لذلك، وتأهيلهم داخل مصر وخارجها، وإصدار شهادة دبلوم يعادلها المجلس الأعلى للجامعات، وهو ما يعد افتئاتاً على جامعة الأزهر، التي تختص بإصدار الشهادات العلمية في العلوم الإسلامية.
وكسب الطيب شعبية كبيرة بين المصريين جراء تمسكه بمواقفه المناوئة للسيسي، ما اضطر الأخير إلى تحميل مؤسسة الأزهر مسؤولية انتشار العنف والتطرف في البلاد، بزعم أن المؤسسات الدينية للدولة مصابة بالجمود، ولا تتحرك بالشكل المطلوب في ملف تجديد الخطاب الديني، وهو ما رد عليه الطيب، بالقول إن "التطرف والعنف لهما أسباب مختلفة، ومنها القرارات السياسية والاقتصادية والأمنية المؤدية إلى انتشاره".
وكان مصدر مقرب من شيخ الأزهر قد أرجع قوة الرجل في صراعه مع السيسي، وخروجه من كل معاركه منتصراً، إلى أنه شخص "زاهد ومستغنٍ"، قائلاً في وقت سابق لـ"العربي الجديد": "شيخ الأزهر لا يرغب في أي مكاسب، ويرى في موقعه وشخصه الحالي مدافعاً عن الشرع، وصحيح الدين، وهو لا يتقاضى أي دخل من مشيخة الأزهر حتى يومنا هذا، ويكتفي فقط بالحصول على راتبه كأستاذ جامعي".
وتشهد العلاقة بين السيسي والطيب توتراً حاداً منذ فترة ليست بقصيرة، بسبب العديد من مواقف شيخ الأزهر التي يتصدى فيها لرؤى رئاسية ذات علاقة بنصوص شرعية وفقهية، علاوة على إعلان رفضه إراقة الدماء في الوقائع التي أعقبت انقلاب الجيش على الرئيس الراحل محمد مرسي عام 2013، واعتزاله لأسابيع في قريته بمحافظة الأقصر، احتجاجاً على ما حدث في مذبحة "رابعة العدوية".