شيخ الأزهر .. "هارب من التجنيد"!

شيخ الأزهر .. "هارب من التجنيد"!

25 اغسطس 2020
+ الخط -

لا يمكن اعتبار الشيخ أحمد الطيب مناضلا أو ثائرا أو معارضا أو داعما لأطرافٍ معارضة للدولة المصرية. الطيب من أبناء الدولة المصرية، عضو سابق في لجنة سياسات الحزب الوطني الديمقراطي، رئيس سابق لجامعة الأزهر، وهو منصبٌ لا يتقلدّه معارض، كذلك منصب شيخ الأزهر الذي جاء إليه الشيخ باختيار الدولة، مع ملاحظة أنه كان المرشح الثاني بعد علي جمعة، لولا اللائحة التي تجاوزت جمعة، لأنه ليس أزهريا أصيلا. موقف الشيخ الطيّب في الثورة كان هادئا، محايدا، لم ينزل الميدان، ولم يتهم المتظاهرين. كان الطيّب، ولم يزل، شيخا ذكيا، "يلعب سياسة" في حدود التخديم على منصبه، ومؤسّسته، ولا يتجاوز حدوده، ولا يسمح لأحدٍ بأن يتجاوزه.
لم يؤيّد الشيخ الطيب انقلاب يوليو 2013 كما هو شائع، فلم يكن الانقلاب العسكري، أو تدخل الجيش، مطروحا في 30 يونيو أو 3 يوليو، كان الجميع يدعو إلى انتخاباتٍ رئاسيةٍ مبكرة، والعودة إلى الصندوق، لإنقاذ البلاد من حالة الصراع التي توشك أن تتحوّل إلى حرب أهلية، قفز عبد الفتاح السيسي ورجاله على هذه المطالب العادلة، فيما بعد، وهذا شأن آخر. أما ما كان مطروحا ومقرّرا ومتفقا عليه بين الأطراف كافة، فهو الانتخابات، لا الانقلاب العسكري، وهو ما قرّره أحمد الطيب في بيانه، وكلمته، يومها، وقال: "إن مصر أمام أمرين أحلاهما مرّ، وأشد الأمرين مرارةً هو صدام الشعب المصري، وسيلان دمه"، لذلك اختار الشيخ الانتخابات المبكّرة، بوصفها "أخفّ الضررين". وختم الشيخ كلمته بالدعاء بأن يُصلح الله بهذا الخيار بين "فئتين متخاصمتين على أرضٍ واحدة، وتشربان من نيل واحد".
تبنّى الشيخ الحل السلمي، والحوار، والانتخابات، والصندوق، ووصف الإخوان المسلمين وخصومهم بأوصاف واحدة، ووصف الحل بأنه "مرّ" و"ضرر"، لكنه أخفّ الضررين. وحين وقعت مذبحة ميدان رابعة العدوية، كان موقف الطيب امتدادا لموقفه في 3 يوليو، رفضها بشكل واضح، في توقيتٍ كانت الدولة تعتبر الرفض أو الحياد خيانة، ولم تكن ترضى بأقلّ من التأييد المطلق. وأصدر الطيب بيانا، ألقاه بصوته، يأسف لدماء المعتصمين، ويترحّم عليهم، ويعزّي أسرهم، ويبرئ ذمّته أمام الله والوطن من دمائهم. ويقول بوضوح بأنه لم يعلم بإجراءات فض الاعتصام إلا من خلال وسائل الإعلام، أي أنه ليس شريكا. ليس ذلك فحسب، بل إن الطيب رفض العنف، وتحدّث عن حُرمة الدماء، ودعا أطراف الصراع السياسي (هكذا وصفهم) إلى مائدة حوار، واعتبر أن الحوار العاجل والجاد هو الحل الأوحد، ودعا إلى "مصالحة شاملة"!
تطوّر الصراع بين السيسي وخصومه، وطالب السيسي الجميع بأن يكونوا معه بنسبة مائة بالمائة، وليس أقل، واعتبر أي رأي آخر خيانة. وضع يده على الأجهزة كافة، اشترى القنوات، وأوكل الأجهزة إلى رجاله، وصنع برلمانا على مقاسه، واشترى أزاهرةً مطيعين، من "شلة علي جمعة"، إلا أنه فشل في "تجنيد" شيخ الأزهر نفسه، وضمان ولائه المطلق، وظلّ الطيب على موقفه، لا المعارض، بل الرافض للتجنيد.
رفض الشيخ الطيب تكفير "داعش"، وهو موقف علمي منضبط، خلاف ما كانت تريده الدولة، وما نفذه مشايخ آخرون، وافقوا على تجنيد أنفسهم ودينهم. كما رفض الطيب اعتبار "الإخوان" من الخوارج، وصرّح إن الخلاف سياسي لا ديني، ورفض أن يتجاوز السيسي موقعه، ويُزاحم الأزهر في مهامه. وهو الآن يكافح مشروع قانونٍ جديد للسيسي يحاول فصل دار الإفتاء عن الأزهر، وتأسيس كيان ديني مواز، يتولاه شيوخ السيسي، وهو المشروع الذي رفضه مجلس الدولة في مصر لأنه غير دستوري. وعلى الرغم من ذلك، لم يتوقف السيسي ورجاله عن محاولات تمريره، بالقفز فوق الدولة ودستورها ومجلسها وأزهرها ومنطق بقائها ووجودها واستمرارها. التوصيف الحقيقي لما يحدث أنه معركة من أجل إنقاذ الدولة المصرية ممن يريدون اختطافها. والمفارقة أن من يخوض المعركة "شيخٌ" من أبناء الدولة، يرفض أن يكون تكفيريا، فيما تحاصره دولةٌ تتبنّى "ذهنية التكفير" الديني والوطني، ولا تكفّ عن ادّعاءات محاربة التكفيريين!