شون كونري... أيامٌ قبل التسعين

شون كونري (Getty)
21 اغسطس 2020
+ الخط -

توفي اليوم الممثل الاسكتلندي شون كونري عن تسعين عاماً. مع رحيله، يستعيد "العربي الجديد" مقالة استعرضت مسيرته في ذكرى ميلاده التسعين،كان قد نشرها للمرة الأولى في 21 أغسطس/آب الماضي.

 

قبل أيام قليلة من عيد ميلاده التسعين الذي يحل يوم الـ25 من الشهر الحالي، تُنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عربياً وعالمياً، صورة للنجم الاسكتلندي شون كونري، تُظهر عليه ملامح الشيخوخة والتجاعيد والاسمرار. لاقت الصورة كثيراً من التعليقات العاطفية، وأسئلة من نوع: "كيف سلب الوقت الجمال من الرجل الأكثر وسامة"؟، في إشارة إلى كونه الأكبر سناً بين من اختيروا لنيل لقب "الرجل الأكثر جاذبية على قيد الحياة" من قبل مجلة "بيبول" عام 1989.

الصورة التي تجمعه بزوجته الرسامة الفرنسية-المغربية ميشيلين روكبرون انتشرت بشكل كبير في العام الماضي، وقيل إنها تعود إلى الاحتفال بعيد زواجهما الـ 44، كانت الأولى من نوعها التي تظهر ملامح تقدمه في السن بشكل واضح، منذ قراره باعتزال التمثيل عام 2006. قبل ذلك، عام 2017، علقت الصحف البريطانية على صور "العميل 007"، متكئاً على عكازه، وهو يتجول في شوارع نيويورك، مرتدياً بيجامة وحذاء رياضيا وقبعة ونظارات شمسية، بالقول: "بالكاد يمكن التعرف عليه وسط المارة"!

العميل "007"

بداية الشهر، فاز كونري في استطلاع "راديو تايمز" كأفضل من جسّد شخصية "جيمس بوند" على الإطلاق. لكن الفوز لم يكن جديداً من نوعه. لطالما حلّ أولاً في استطلاعات الرأي. على سبيل المثال، تخطى مايك رييس في موقع "سينما بليند" فوز كونري، ونافس بدلاً من ذلك حصول تيموثي دالتون على المرتبة الثانية. وأجري استطلاع أكثر دقة حول "أفضل من قام بأداء الشخصية بعد شون كونري"؟ الاستطلاع تضمّن خيار "شون كونري ليس الأفضل"؛ لكن هذا الخيار لم يوافق عليه سوى 8 في المائة من المصوتين.

كان كونري أول من أدى دور شخصية العميل السري "جيمس بوند"، في فيلم Doctor No عام 1962، ضمن سلسلة "شركة إيون للإنتاج" التي امتدت إلى 25 فيلماً آخرها No Time to Die الذي ينبغي أن يعرض نهاية العام بعد تأجيل عرضه في إبريل/نيسان عقب جائحة كورونا.

في البداية، لم يكن كاتب السلسلة، إيان فليمينغ، مقتنعاً بكونري لأداء الدور، لكن الأخير أقنع الجميع وأعطى الشخصية بُعداً فكاهياً، صارت محبوبة من الجميع. مع هذا، وفق صحيفة "ميرور" البريطانية، ينظر الكثير من جيل الألفية الجديدة إلى كونري، في الأفلام الأولى من السلسلة، على أنه عنصري ومتحيز جنسيّاً ويعاني من رهاب المثليين والمتحولين، ويذهب البعض إلى وصفه بالمغتصب (دعم كونري ضرب النساء في لقاء مع مجلة بلاي بوي عام 1965)، خصوصاً بعد التغيرات الجذرية التي طرأت على الشخصية في السنوات الأخيرة في المسائل الجندريّة، إلى جوار توقفه عن التدخين وصرف خادمته.

بعد نجاح الشخصية في أول خمسة أفلام من إنتاج "شركة إيون"، شعر كونري بالملل منها وقرر الخروج من "وعاء السمكة"، بعد فيلم You Only Live Twice عام 1967. عقب الأداء المخيب لجورج لازنبي، في On Her Majesty's Secret Service 1969، عاد كونري مرة أخرى لأداء الشخصية، ضمن إنتاجات "إيون"، في Diamonds Are Forever عام 1971، ومرة أخيرة، خارج نطاق "إيون"، في Never Say Never Again عام 1983.

مسيرة حافلة

بعيداً عن شخصية "جيمس بوند"، خاض كونري العديد من التجارب المميزة، منذ ستينيات القرن الماضي، وبشكل خاص في الأفلام الروائيّة. عمل مع المخرج ألفريد هيتشكوك في Marnie، وشارك التمثيل مع بريجيت باردو في Shalako، وكلاوديا كاردينالي في الفيلم السوفييتي The Red Tent. في السبعينيات، نشاهد كونري يخوض حقولا جديدة، مثل الخيال العلمي في Zardoz وMeteor، والمغامرة في The Man Who Would Be King وRobin and Marian، وأداء دور الزعيم المغربي أحمد الريسوني في The Wind and the Lion، وقبل كل ذلك، مشاركته في فيلم الجريمة Murder on the Orient Express، المقتبس عن رواية أغاثا كريستي البوليسية الشهيرة.

تأتي الثمانينيات، قمة توهج كونري في The Name of the Rose، واحد من أجمل أفلامه، المقتبس عن رواية بنفس الاسم للكاتب الإيطالي إمبرتو إيكو، الذي فاز عليه بجائزة "بافتا" كأفضل ممثل رئيسي. وفي العام التالي، يلعب شخصية الشرطي جيم مالون في The Untouchables التي سيفوز بفضلها بجائزة "أوسكار" كأفضل ممثل مساعد. وهناك أيضاً دور الأستاذ هنري جونز الأب في سلسلة Indiana Jones عام 1989.

في التسعينيات، إلى جوار التمثيل، يتجه بشكل كبير نحو إنتاج الأفلام؛ أبرزها فيلمه الشهير The Rock عن سجن الكاتراز. ويلعب أدوار الملوك البريطانيين، الملك ريتشارد والملك آرثر، في Robin Hood: Prince of Thieves وFirst Knight، على التوالي. ومع دخول الألفية الجديدة، يلعب كونري السبعيني دوراً مستلهماً من شخصية الكاتب الأميركي جي دي سالينغر في Finding Forrester، واحد من أجمل أفلامه من دون أن يحمل السلاح. وأخيراً The League of Extraordinary Gentlemen أو المعروف اختصاراً بـLXG عام 2003 الذي كان مساهماً في إنتاجه، وقيل إنه أعاد صياغة السيناريو لتموت شخصيته لأنه لا يريد العمل من جديد على أي تكملة محتملة، خصوصاً أنه أعلن اعتزاله بعد ثلاث سنوات بحجة أن "التقاعد متعة كبيرة للغاية".

أدوار مرفوضة

لكن الأفلام التي رفضها في مسيرته لا تقل أهمية عن تلك التي وافق عليها، خصوصاً في سنواته الأخيرة عندما رفض دور جون هاموند في Jurassic Park، وشخصية مورفيوس في ثلاثية The Matrix، وصولاً إلى دوري الساحرين العجوزين غاندالف وألبوس دمبلدور، وهو في السبعين من عمره، في سلسلتي The Lord of the Rings وHarry Potter (المستمرة منذ عام 2001)، على التوالي، لأنه لم يفهمهما بالشكل الكافي (مقارنة بشخصية آلان كواترمين التي أعاد صياغتها في LXG، ورفض أداءها كمدمن للأفيون كما هو الحال في الرواية المصورة).

لكن أكثر فيلم ندم على رفضه، يعود إلى بداياته في الستينيات، عندما قال لا لدور البطولة في فيلم The Thomas Crown Affair، رغم أن كاتب السيناريو آلان ترستمان صمّم الدور بشكل كبير من أجله.

كرة القدم واستقلال إسكتلندا

لكن مسيرة كونري، قبل التمثيل وبعده، لا تقل بريقاً عن المسيرة السينمائيّة، لهذا الابن الذي وُلد لأسرة من الطبقة العاملة، وترعرع في أحياء العاصمة الاسكتلندية أدنبره الفقيرة، وعاصر الحرب العالمية الثانية التي شارك في أفلام تتناولها لاحقاً: The Longest Day، وThe Hill، وA Bridge Too Far.

قبل أن يصبح ممثلاً، عمل بائعاً للحليب وسائق شاحنة وخلّاط إسمنت وعامل بناء وثاني معادن وملمع توابيت، وانضم للبحرية الملكية بعد الحرب قبل أن يتم تسريحه لاحقاً في ظرف ثلاث سنوات بسبب ظروف صحية. وعام 1953 أعجب به مواطنه السير مات بوسبي، مدرب "مانشستر يونايتد"، عندما شاهده يلعب في مباراة ودية، وعرض عليه الانضمام إلى "الشياطين الحمر"، لكن عرضه قوبل بالرفض من جانب الشاب طويل القامة. بحسب ملف كونري في موقع Transfermarkt فإن مسيرته الكروية انتهت ذاك العام (قبل وقت قصير من ظهوره الأول بشكل مجهول في فيلم Lilacs in the Spring، مع نادي "بونيريغ روز" المغمور، حيث كان مركزه مهاجما في الجناح الأيمن.

شون كونري مع لاعب كرة القدم البرازيلي رونالدينو (سيزار رانغل/فرانس برس)

كانت كرة القدم شغفه الكبير، وكثيراً ما اشتهر بصورته رفقة رئيس "نادي برشلونة" خوان لابورتا وهو يحمل القميص رقم 007، وعُرف محلياً بتشجيعه "نادي سيتليك"، قبل أن يغير ولاءه إلى الغريم "رينجرز"، ما تسبب في ردة فعل عنيفة من الجماهير باعتباره خائناً. لكنه في الحقيقة إسكتلندي متعصب، اشتهر بحفاظه على لكنته الإسكتلندية، في جميع أفلامه، وقبعة التارتان، ووشمه الشهير "إسكتلندا إلى الأبد"، باعتباره واحداً من أعلى الأصوات المطالبة بفك ارتباط بلاده (منذ أكثر من ثلاثة قرون) مع المملكة المتحدة، وأن تكون إسكتلندا دولة مستقلة ومزدهرة بفضل النفط.

على مدار سنوات طويلة، قدم كونري الدعم المعنوي والمادي لـ"الحزب الوطني الإسكتلندي" القومي الداعي إلى استقلال إسكتلندا. ولعب دوراً كبيراً في حشد الإسكتلنديين لصالح خيار الاستقلال في استفتاء 2014، الذي انتهى إلى تصويت 55% من الناخبّين بـ"لا". غير أنه عاد في العام التالي، إلى التصريح بأن الأمر "ليس سوى مسألة وقت" فور إجراء استفتاء ثان على الاستقلال خلال السنوات القادمة (أظهر استطلاع مؤسسة YouGov الأسبوع الماضي أن 53% من الإسكتلنديين يؤيدون خيار الاستقلال).

صديق ترامب

في العام الماضي، فاجأتنا التهنئة التي قدمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إليه في عيد ميلاده الـ89. لم تكن مجرد شطحة عادية من ترامب، بين الرجلين علاقة وطيدة، تعود على الأقل إلى عام 2010، عندما نظّما معاً عرض أزياء إسكتلنديا في نيويورك، خصوصاً أن والدة رئيس الولايات المتحدة مهاجرة إسكتلندية.

(أندرو ووكر/Getty)

في وقت سابق، عام 2008، عبّر كونري في لقاء صحافي عن حبّه للغولف وحماسة لخطط ترامب لإنشاء منتجع غولف بقيمة مليار جنية إسترليني في أبردينشاير (شرق إسكتلندا) الذي افتتح بالفعل عام 2012. في الأثناء، خاض ترامب معركة طويلة أخرى لشراء منتجع غولف في أيرشاير (جنوب غرب إسكتلندا)، لم تتحقق إلّا بفضل مساعدة كونري في الفوز بالموافقة على شراء ملعب تيرنبيري المثير للجدل، عام 2014.

وعندما زار ترامب رئيسة وزراء المملكة المتحدة تيريزا ماي، قبل عامين، أخبرها أن "جيمس بوند كان أفضل من المحامي الخاص بي" في الحصول على الموافقة على شراء الملعب الذي يعتبر واحداً من أكبر استثمارات منظمة ترامب في الخارج. من هنا إلى انتخابات الرئاسة الأميركية، في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، سيكون كونري أبرز المشاهير الداعمين لإعادة انتخاب ترامب الذي لا يحظى بدعم كبير في الوسط الفني.

المساهمون