شهيدٌ يمدّ يداً مبتورةً لوطن

شهيدٌ يمدّ يداً مبتورةً لوطن

10 مارس 2018
+ الخط -
الزّمن حاصل ضرب المفاصل بأطراف الفؤوس،

والمسافة توزيع الرؤوس على الشظايا...
الضـّوء الذي تشرنق بالحلكة مـُسبِتاً في جحرٍ من بغيٍ وثير؛
كالوطن الذي هرّس أبناءه خوفاً من خيانة الخطوات الطارقة قبوَه...

الجـَــلاّدون قطعان ضباعٍ مـــهزومةٌ أبـَــداً، بالـتي هي أنـْـكى
لا تمـْــلكُ هـــروباً من تبـعيـّــةٍ عـرجاء،

ولا تــعي أكفـُّــها عند الزمجرة قــيمة الدّمــاء على التـّــراب...
وكأن الـوطن حقلٌ مـلأتْه الفزّاعاتُ الميتـة
وهذي الأيادي الممتـدّة أسـراب جـراد...
يـُجدلون ألسنـتنا جميعاً كضفيرةٍ من صمتٍ مطبـق،
يـُغرقون ظلالنا لترْعوي المرايا قبل أن ننـام...
سـلام هذا العالم معقودٌ بساقِ يمامةٍ تائهـةٍ،
وغـصنِ زيتونةٍ لا تعي ذبولها منذ عصر السقـوط،
وهـذي الأيام يرقةٌ عالقةٌ بشبـَاك عنكبوتٍ ينتظر ازدهارهـا...
والليل الذي يفترش السمـاء،
مـتحفـّظاً على بوصلة الشمس كبومةٍ عميـاء؛
كـم احتال ليحصد امتنان التائهين وصلوات النجـوم...

الطيـور المُهاجـرة هي الوحيـدة التي تـخاف أن تقـَع الأرض على السمـاء؛
لأنهـا تـعي نسبية الفضاء...
والقمر فزّاعـة الأرض المدماةِ نـصبـَتْها أمام الكون والتحفـتْ بالخراب...

وذاك الشهيد يرتق بدمه تراب الوطن النازف
الوطـن ذاك السـراب الذي لا يفـْنى،
وظـلٌّ إن تغـوّلَ يتلاشى...

والشهيد معولٌ يقتات من شقوق التراب ليتنفـس،
يبـحثُ عن وجهه المبعثر في السـّـراب...
به رغبة الموت في الخلـود؛
كـُنـْه الحياة نقيضه؛ وبها يكـون...
مـثل صخرةٍ صمّاء لفظها بركان،
صمته مترعٌ بين أكوام اليباب
ولا يهـتدي نوله لهدير التراب...

مـستقيلاً من هذا الزمـان يطـوي خريطةً للوطـن
ويرسـم بحبرٍ أخرسَ تضاريس غـدٍ سـامقٍ بلا حـدود...
أَمـْسه المختبـئ خـلف شجرةٍ ملعونةٍ،
لا يـفقه حكمة العمـاء...
وطيفه الباحث عن مشعـلٍ؛

كـلما احتطب من جذعٍ سـالت جثامين العتمة
شـعاع حكمةٍ عميـاء...
ينكأ جبهة اللـّـيل المتّكِئ في برجه
ناسياً ملامحه الناتئـة بملقطِ مدفأةٍ مهدورة الرمـاد
وينـشبُ بجوفه أظافر النور حتى تنزّ الحلكة...
يبـْني قلاع أفكاره حجراً حجراً بلا سقـُـفٍ،
ويعـتـّقُ الدّماء في عين الحكمة لتثمـل رؤاه...
حـوائط عزلته هي آفة الوقايـة؛ والقبر محراب الخلود
وأولئك الـمتفيّئون بجداره لا يفقهون سوى لغة الأنقاض...
أنقاض وطـنٍ يـرْفل في دم أبنــــائه
لم يكن ليأْخــذ مــنّا شــهداء،
مـا لمْ نغـــذِّه بالخـــيانة الكامــنة فـينا...

وفي الشعاع الأبيض من الوهم
شهيد يرقص على سور مقبرة ويغني
لـم أتعــثـّر بخــاتمٍ ومـا دخلـْـتُ مغــارةً
كان وطــني منـْــذ البـــدء في ســحابةٍ
كلـّما جفـّـتْ وهبـْتها غيـضاً من دمـوعي


أنـا طُعــم المجد أسند سمـاء الوطـن
لا التـّــراب مـُــزْهـِرٌ بغـيـْــر دمــي
ولا الرّايـات تبـْــقى بعــد أشـْــلائي
أنا زاجــلٌ منـّي إلـَيّ أبـْلـُغـــني،
كالظـــلّ أخـْــرج من جــسدي لأدُلَّ روحـي عــليّ...
شهيـدٌ في غيابة المجد مبتسماً يمدّ يده المبُتــورة للــوطن،
حـتى لــكأنّ تلك اليــد تتساءل لمن تنتمي، ومن منــهما لا يزال على قــيْد الحــياة...

دلالات

A86954A2-0E99-426B-AE91-695E472640BA
عزيز حـزيزي

شاعر ومدون يمني مستقل... أنتمي للإنسان وأكفر بالتراب.

مدونات أخرى