شنقيط تحتفظ بعاداتها الاجتماعية

24 مايو 2015
أدوات حرفية في السوق القديم (العربي الجديد)
+ الخط -

يحتفظ أهالي شنقيط في شمال موريتانيا بالكثير من العادات الاجتماعية والتقاليد الراسخة، التي تنعكس على أسلوب كلامهم. كما يتميز سوق المدينة بالمزج ما بين القديم والجديد، بالإضافة إلى تشكيله مساحة حرّة للتعبير عن الرأي في مختلف أوضاع البلاد.

ويعود تمسك أهالي شنقيط خصوصاً بتلك التقاليد، انسجاماً مع مدينتهم التي تأسست عام 776 للميلاد، وعاشت قروناً من الازدهار الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، حتى أنّها كانت من بين أهم حواضر شمال أفريقيا والعالم الإسلامي. وهي التي تصنفها منظمة اليونسكو منذ عام 1996 في قائمة التراث العالمي. لكنّها اندثرت بعد ذلك، ونهضت على أنقاضها مدينة شنقيط الحالية.

تحظى مدينة شنقيط بميزات خاصة عن باقي المدن الموريتانية، خصوصاً في ما يتعلق بالعادات الاجتماعية. فعراقة المدينة جعلت سكانها أكثر تشبثاً بالعادات من غيرهم. ويقول أحد سكانها، عبد الله ولد العريبي (52 عاماً): "شنقيط هي أصل موريتانيا. ومنها انطلق الموريتانيون ليبنوا المناطق الجديدة، فنقلوا عادات المدينة إليها، وظلت هي الأصل والمنبع المحتفظ بكل شيء".

وعن الفوارق الاجتماعية، التي تميز شنقيط عن المدن الأخرى، يعتبر ولد العريبي أنّ هذه المدينة أكثر تمسكا بالعادات الموريتانية الأصيلة على الرغم من وجود تأثير للمتغيرات الحديثة، خصوصاً العادات المتعلقة بالترابط العائلي والزواج وإكرام الضيف واحترام الأكبر سناً. ويتابع أنّ "هذه العادات مقدسة ولا يمكن تجاوزها، بينما نجدها في مناطق أخرى أقل تأثيراً وسطوة".

وبالفعل، فالامتداد البشري من شنقيط إلى كافة المدن والقرى الموريتانية عبر الزمن، جعل الثقافة البدوية هي الأكثر تأثيراً في موريتانيا ككلّ. وعن ذلك، يقول الباحث المهتم بالتراث، محمد أحمد ولد سيدينا: "المدن القديمة تعكس الفروق الاجتماعية والاقتصادية الشاسعة بين مكونات موريتانيا. ويمكن بالعين المجردة رؤية مظاهر التفاوت بينها وبين المدن الحديثة". ويضيف أنّ "مدينة شنقيط فيها منظومة من العادات والممارسات الأصيلة التي تميزها عن باقي المدن، فيستطيع المرء تمييز سكان شنقيط من لهجتهم وطريقة كلامهم، وحتى سلامهم على الآخرين".

وعن تأثير البيئة الاجتماعية المحلية على الأحياء الجديدة في مدينة شنقيط، يقول الباحث: "أحياء شنقيط ألفت السكينة والهدوء. وهي لا تمتّ بصلة إلى أحياء باقي المدن التي تعاني من فوضى عمرانية وبيئية وازدحام". ويشير الى أنّ "العمارة التقليدية ما زالت تطغى على المدينة، لكن يهددها اليوم بعض الأشكال المعمارية الدخيلة، التي لا تتماشى والموروث الحضاري فيها".

بدورها، ما زالت الأسواق الشعبية في شنقيط تحتفظ بمكانتها وميزاتها. وتستقبل مئات الزائرين والسياح رغم منافسة الأسواق الجديدة في المدن الأخرى بخدماتها وتسهيلاتها الكبيرة. ويعتبر "السوق القديم" أشهر وأقدم سوق شعبي في موريتانيا، ويعود تاريخ بنائه إلى عهد الاستعمار الفرنسي (1902-1960).

منذ ذلك التاريخ تعاقبت أجيال من الباعة والزبائن على هذا السوق، الذي ما زال يخضع لقوانين وأعراف خاصة يضعها التجار.

ويقول أحد أكبر تجار السوق، محمد المختار ولد الشنقيطي، الذي بدأ كبائع متجول فيه: "سر شهرة السوق انعكاس الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للبلاد في ما مضى، عليه. فقد كان الجميع يزوره من أجل معرفة موقف الرأي العام الموريتاني تجاه أيّ حدث".

كما يشير إلى أنّ السوق تمكن من استيعاب مختلف الآراء والتوجهات، وواكب التغيرات التي طرأت على المجتمع الموريتاني. فقد تحول من سوق قديم إلى سوق شعبي حديث، تباع فيه مختلف السلع الجديدة والمستعملة. ويعتبر ولد الشنقيطي أنّ "سر إقبال الزبائن الكبير على السوق هو مزجه ما بين القديم والحديث، وما بين المستعمل والجديد، فيبحث زائروه عن الأسعار المخفّضة والبضائع التي تفي بالغرض، ويقارنون بينها قبل اختيار نوع معين. بينما لا تتيح باقي الأسواق لزائريها هذا الاختيار الناشئ من توفر كمّ كبير من البضائع".

وتنتشر داخل السوق ورش الصناعة التقليدية ومكتبات التراث الموريتاني، التي تبيع الكتب القديمة النادرة. كما يمتلئ بعربات الباعة الجوالين، وأصحاب المهن الموسمية، بالإضافة إلى متاجر متخصصة في بيع المسروقات.

وهي ميزات كثيراً ما تجذب سكان باقي المناطق والسائحين، خصوصاً مع تشكيل السوق ملتقى ثقافياً- اجتماعياً ما بين مجتمعات الريف والمدن.

إقرأ أيضاً: مخطوطات موريتانيا تختبىء في البيوت