Skip to main content
شعب سورية الجريح
أحمد سلوم (سورية)
اتصلت بصديقتي الصحفية الموجودة في إدلب، وإذ بها تلهث وأثار الرعب تبدو على صوتها المرتجف، جراء الصواريخ المتساقطة بجوار بيتها، فلم أعرف ما أقول لها، وأنا الجالس خلف مكتبي في بلد اللجوء الذي هربت إليه منذ سنوات.
توقفت برهة وعدت لأقول لها "ربي يحميكم"، وأنا من داخلي لا أعرف ماذا أقول أو كيف أقف بجانبها أو بجانب غيرها من الشعب السوري الذي أدمن الموت بكل أشكاله ولم يدمن الخوف بعد.
ثماني سنوات ومواقع الإعلام وشاشاته تمتلئ بصور الضحايا والأشلاء المتناثرة، ولا أحد بيده أن يفعل شيئا، سوى دمعتين قد تتساقط على وجنتيه متأثرا بموت طفل أو احتراق إمرأة.
ماذا في وسعي أن أقول؟ وأنا أرى أنه عقب كل مؤتمر يجتمع به زعماء الموت لإيجاد حل لسورية، تمطر القذائف والصواريخ كمطر السماء، مع فارق أن الأولى تحصد الموت والثانية تغرق المخيمات التي يقطنها السوريون، فماذا عسانا نفعل أمام إرادة السماء وقسوة قلوب الزعماء؟
انطلقت إلى الكتابة فورا لأجد نفسي متعثرا بإحساسي أمام صورة إمرأة قد احترقت بعد تعرض منزلها في خان شيخون للقصف. نظرت إليها مطولا، وأنا أرغب بالبكاء عليها، وإذ بمشهد لطفل ينزف الدماء، فهل أبكي على ميتٍ أم أبكي على طفلٍ ما زالت روحه في جسده ويتألم من شدة الوجع؟!
حين ذلك، أستذكر الوحشية التي تصرفت بها الولايات المتحدة الأميركية حينما قصفت هيروشيما وناغازاكي بالقنابل النووية، فهل من حق أحد أن يقتلوا بوحشية بشرا آخرين؟ وأي مقارنةٍ بين نظام استبدادي يقتل شعبه ويجتاحهم كمحراث يشق طريقه على الأجساد لينشئ حقلا، ونظام عالمي سابق أعطى لنفسه الحق بتدمير وقتل الآلاف بحجة الدفاع عن العالم؟ فهل يا ترى كتب على الشعب السوري دفع أثمان كل الرغبات لقادات العالم وزعمائه؟
الشعب الذي أراد حريته أراد كرامته والعيش بسلام، ما ذنبه ليدفع ثمن حسابات دول قد احترفت الحرب والخديعة، وأدمنوا شرب كؤوس خمرهم من دماء السوريون؟ ما من إجابة يمكن إدراجها أو حتى الاقتناع بها.
يبتلع الموت العشرات من النساء والشبان والأطفال والعجائز أيضا، ومن لا يصل إليه الموت ينال حظه من الإعاقة، ومن لا ينال حظه من الإعاقة ينال ما يناله من مأساة المفارقة أقلها فقدان الأهل، ناهيك عن رؤيته أشلاء البشر التي تتناثر على أرصفة الطرقات التي دمرتها صواريخ الحقد.
هذا الشعب الذي لم يكن يوما يتوقع أن يقف وحده وسط ملايين البشر، يداوي جراحه وآلامه وحده، أملاً بالحصول على حفنةٍ من أمان يكملون بها المشوار وصولا للحرية التي تتغنّى بها دول الغرب.
ومن المفارقات العجيبة أننا نشاهد يوميا عشرات الصور المؤلمة وجرائم ترتكب بحق شعب أعزل، بينما دول حقوق الإنسان تعقد مؤتمراتها وتلقي بخطاباتها الرنانة، فمن هو الإنسان الذي يدافعون عنه؟ وما القيم التي تحدد إنسانية الإنسان من وجهة نظرهم؟ لعلنا إن عرفنا الإجابة، حاولنا التكيف مع قيمهم لنصبح بشرا بعيونهم، يحق لنا الحياة بحرية، وليدافعوا عنا باعتبارنا نفذنا وصاياهم المقدسة لديهم، بالوقت الذي أغلقت دولنا العربية على نفسها أبواب قصورهم ورضوا بأن يستمتعوا بحياتهم على مرأى أجساد النساء والرجال والأطفال السوريين المحروقة. فليهنؤوا بيخوتهم السياحية، ولينسوا بلعبهم القمار في صالات الغرب صور ضحاياهم.