شجرة القتل!

شجرة القتل!

19 مارس 2017
عسكرة الطفل التي كانت بمثابة جوهرالأنظمة العالمية كأداة للقتل(Getty)
+ الخط -
واظب قادة الحروب على تلقين الأوسمة الحديدية وغيرها من المعادن الأخرى للجنود خلال المعارك، كافة القادة كانوا ولا يزالون يختارون الجنود الأكثر شراسة فينتجوا ما يسمى بـ"البطل"!

على أطلال مدنهم وقفوا –هؤلاء الموسومون، على تلالٍ من جثث، كانوا يعززون في ذواتهم فكرة "البطولة"، كان ثمة حرص من قادة الحروب أن يكون البطل هو أكثرهم دموية، ملايين البشر عبر التاريخ تبنوّا فكرة حصد البطولة من حيوات الآخرين، كان ثمة منافسة فيما بينهم على مفهوم (مَن هو القاتل الأكبر).

خلال كافة الحروب عبر التاريخ كانت ثمّة مدرسة شعبية لتجنيد كافة فئات المجتمع في سبيل نيل "مرتبة الشرف"، لذلك تحولت الساحات والحلبات والشوارع والبيوت إلى مدارس يُصنع عبرها القتلة /"الأبطال".


سُخِّرَ كل شيء لتفريخ ذاك المعتقد وتبطين مفهوم البطولة داخل نفوس البشر إلى أن تحوّل وتحوّر وأصبح موثوقاً بالقتل باطنياً وبالموت في سبيل القائد ظاهرياً.

قديماً؛ كانت الحروب وساحات القتال والتعذيب مفتوحة على كافة فئات البشر في مجتمعات مختلفة، حيث أخذت صورة القتل المفتوحة وفكرة القائد والولاء دور التلفزيون في عصرنا هذا، ولم يكن من خيار أمام الناس سوى الإيمان بفكرة القتل لنيل البطولة، من ذاك المنظور يمكن القول بأنّ ما يسمى بالتطور البشري لم يشمل ذاك المنحى الذي استندت إليه شعوب الحضارات القديمة على الإطلاق، سيما وتبنّت دول وامبراطوريات حديثة تلك الحالة لكن بأساليب مغايرة، مثل السوفييت، وألمانيا في عهد هتلر، وإيطاليا موسولوني، والصومال، والعراق وسورية، كانت المدارس آنذاك مثل فخاخ يَصطاد فيها الأطفال فتَزرع في نفوسهم فكرة البطولة الموثوقة بالقتل.

كان ثمّة منهاج شامل وموحّد لكافة الدول الكبيرة ذوات الجيوش الهدّامة رغم الاختلافات اللامتناهية فيما بينها -اختلافات في بنية النظام والأفكار والأهداف- كانت جميع الدول المتصارعة فيما بينها منهمكة بفكرة تغيير جوهر الطفل عبر المدرسة والتربية الشمولية، والتركيز على الطفل كان مذهباً شاملاً خاصّاً بكافة الديانات والقوميات والإمبراطوريات والدول.

قديماً وحديثاً، كان هذا التكثيف نتيجة الفكرة المفضية إلى جوهر وأساس التغيير في المجتمع لصالح القائد وأفكاره، ففي مئات الحالات كانت الجيوش الغازية لمكان ما تقدم على استهداف الأطفال حصراً من باب كسر وإنهاء بذرة التكوين في المجتمع المستهدف، إلى الحد الذي كانوا فيه يقدمون على اغتصاب النساء لقتل البذرة النواة لدى "العدو" وخلق مجتمع داخلهم من نسله، فكانت فكرة استهداف الطفل متينة لدى كافة الدول والقادة.

لم تكن المدارس السورية المتظللة بعَلم حزب البعث ذوات أفكار ارتجالية البتة، بل كانت سليلة النظام التاريخي لأغلب الإمبراطوريات والدول القمعية.

كنّا منهمكين بترديد شعار الموت في سبيل (حافظ الأسد) كلّ يوم، كان ترديد الولاء له خطوتنا الأولى التي سبقت دخولنا إلى غرف الدراسة، إذ كنّا نجتمع في صفوف متوازية وموزونة كل صباح فيما نردد "قائدنا إلى الأبد، الأمين حافظ الأسد"، كان ثمّة حرص من القيادة البعثية على أن تكون الجملة تلك بمثابة نواة لبداية يومنا فتلج لوعينا وتحاصره مثل جندي وإلى الأبد.

كان ذاك الشعار والصفوف المنتظمة ورمز "طلائع البعث" على زيّنا المدرسي ودفاترنا وكتبنا وحصص التوجيه السياسي ودروس "الفتوة" والتدريب على مشية الجيوش وفك وتركيب بنادق الكلاشينكوف الروسية الصنع في مثابة نواة للمدرسة الروسية السوفييتية التي تبنّت هي الأخرى مثل أشقائها في ألمانيا وإيطاليا وغيرها فكرة عسكرة الطفل، تلك العسكرة التي كانت بمثابة جوهر الأنظمة العالمية آنذاك.

الكثير من الدول أقدمت على خطف الأطفال من أمكنة أخرى فتدرّبهم على القتل ومن ثمّ تشركهم في معارك ضد أهاليهم، تلك الحالة أوجدت النظام الداخلي لمنظمات إسلامية وغيرها متطرفة فباتت هي الأخرى سيّارة على نهج عسكرة الطفل عبر أدوات عديدة لامتناهية وعبرَ التقنية العالمية التاريخية لغالبية إمبراطوريات ودول العالم.

إذاً، كافة المؤسسات الدولية ورغم اختلاف مذاهبها وأفكارها وأهدافها هي متّفقة على الفكرة الواحدة ألا وهي تجنيد الطفل وإخضاعه عبر وسائل لامتناهية، ابتداءً من شكل وطريقة إنجابهم الموحّدة في المستشفيات وليس انتهاءً بشركات صناعة الألعاب في العالم أجمع.

المساهمون