شارل هوبير.. رحالة فرنسي قتل في معركة تنافس حول آثار شمالي الحجاز

شارل هوبير.. رحالة فرنسي قتل في معركة تنافس حول آثار شمالي الحجاز

18 يوليو 2020
القصر الفريد في مدائن صالح (ويكيبيديا)
+ الخط -

لم تتوقف حمى التنافس الاستعماري الغربي على المنطقة العربية أواخر القرن التاسع عشر عند احتلال الأرض والسيطرة على المضائق ومجاري الأنهار الكبرى، بل تعدتها إلى التنافس على الآثار، وكان حلم الكشف عن أثر كبير يرافق معظم الرحالة والمغامرين الذين زاروا المنطقة في تلك الحقبة، خصوصاً بعد الدعاية غير المسبوقة لما يسمى حجر ميشع المؤابي. حين رأى الرحالة الفرنسي شارل هوبير حجراً منقوشاً في تيماء شمالي الحجاز ظن أنه وقع على كنز أثري كبير أراد أن يرتبط اسمه به، لكن التنافس على اقتناء هذا الحجر أودى بحياته في قصة درامية تكشف جانباً من المعارك الضارية حول الآثار القديمة بين فرنسا وبريطانيا وألمانيا في تلك الأزمنة.

زار هوبير شمالي الحجاز مرتين؛ الأولى في العام 1880 أثناء ولاية مدحت باشا على سورية، إذ زار في هذه المرة منطقة شمالي الحجاز متنكراً بزي عربي حيث رأى حجر تيماء، ثم عاد بعد أربعة أعوام لنقله بطريقة أو بأخرى إلى فرنسا، لكنه قتل من جانب رجال أمير حائل الموالي للعثمانيين، والذين كانوا مكلفين بحمايته. ولكن فرنيا تمكنت من نقل الحجر إلى باريس لتضمه إلى مقتنيات متحف اللوفر.

ولكن دراسة النقش بينت أن ما ورد فيه لم يكن أكثر من نقش عادي لا إشارات فيه إلى أي شيء يتعلق بقصص التوراة كما كان سارقوه يأملون. لقد دون هوبير وقائع رحلته الأولى في كتاب ونشرتها الجمعية الجغرافية الفرنسية في العام نفسه الذي قتل فيه تحت عنوان "رحلة في الجزيرة العربية الوسطى 1878 – 1882"، وصدرت ترجمته العربية قبل حوالي سبعة عشر عاماً بترجمة إليسار سعادة.

تيماء وبئرها

يقول هوبير عن تيماء: "تُعد واحة تيماء من أقدم البلدات، فقد ورد في الإنجيل اسم تيما؛ وجميع المؤلفين الشرقيين يأتون على ذكرها كمدينة مهمة وعريقة، وبطليموس تحت اسم تيماء، يعطي موقعها الصحيح بفارق بسيط بالدرجة 71 من خط الطول، والدرجة 27 من خط العرض. وقد روى لي السكان الذين يتمتعون بمعرفة واهية عن هذا التاريخ القديم، أن مدينتهم قد دمرت ثلاث مرات وأنها هجّرت عدة قرون قبل أن تعمر بالناس من جديد. كما أنه توجد إلى الجنوب- الغربي على مسافة كيلومتر واحد من تيماء، كومة أطلال من الحجارة المقصّبة، وقطع الأعمدة التي غطت نصفها الرمال، ويسمونها توما ويشيرون إليها على أنها آخر مدنهم القديمة من حيث عمرها.. النقوش التي نقلتها ليست كثيرة ولكنها مثيرة جدًا، إما لجهة قدمها أو لجهة شكل أحرفها القديم. أحد النقوش نبطي، وآخر آرامي، وثالث لم تحدد هويته بعد.

رأى الرحالة حجراً منقوشاً في تيماء شمالي الحجاز ظن أنه وقع على كنز أثري كبير أراد أن يرتبط اسمه به

أشير إلى تيماء برسم المستكشف المقبل؛ كي يجري فيها تنقيبًا؛ لأنني واثق من وجود كنوز أثرية فيها". ويضيف واصفًا أبنية المدينة القديمة وبئرها الشهيرة: "كانت تيماء مبنية بالحجر الأسود البازلتي، الشبيه بحجر مدن حوران وجبل الدروز المهدمة؛ أما أعجوبة تيماء، فتكمن اليوم في بئرها المشهورة في كل أرجاء الجزيرة العربية. وقد روي لي مرارًا أن مائة جمل تسحب الماء باستمرار. ولدى التثبت من هذا العدد لم أجد سوى خمسة وسبعين دولابا في أماكنها؛ ولكن الحق يقال إنه عند الضرورة يمكن وضع مائة دولاب.. هذه البئر بشكلها غير المنتظم تشبه إلى حد بعيد مربعًا بزوايا مدورة، ويبلغ طول كل ضلع من أضلاعه 20 مترًا تقريبًا. أما ارتفاع جدرانه فشديد التفاوت، جانبان منه يبلغان 10.5 أمتار وجانب آخر يبلغ ارتفاعه 12.5 مترًا من سطح الأرض وحتى قعر البئر.. ويبلغ ارتفاع الطبقة المائية ثلاثة أمتار تقريبًا، وهي لا تزيد عن ذلك ولا تنقص أبدًا مهما كان الموسم. المياه صافية وطيبة المذاق بعد تبريدها في القِرَب. وقد أكد لي جميع السكان أنها إذا ما شُربت من البئر مباشرة، أي فاترة، فإنها تتسبب بمرض شديد..

في الجدار الشرقي للبئر، وعلى مسافة متر تقريبًا فوق مستوى الماء، توجد في الصخر ثلاث فتحات بعرض نصف متر تقريبًا، وبارتفاع سبعين سنتيمترًا، لا يُعرف استعمالها ولا مصدرها. كما أن أحدًا لم يجرؤ على الدخول فيها". ويشير هوبير إلى أن عدد سكان تيماء في وقته لا يتجاوز 1500 نسمة تقريبًا، مؤكداً أن تمور تيماء هي أفضل تمور الجزيرة العربية الشمالية باستثناء جنسين أو ثلاثة موجودة بكميات محدودة في الجوف وفي حائل. وبعد أن يتحدث عن المحاصيل الزراعية المؤمنة بسبب مياه بئر هذه الواحة، يلفت إلى أن الملكية العقارية في تيماء تتمتع بقيمة كبيرة. فالملكية تباع، كما يقول، بمعدل 15 إلى 20 ريالًا لكل شجرة نخيل؛ بينما في حائل لا يباع حتى أجمل شجر النخيل بأكثر من 10 ريالات.

مدينة الحجر

غادر هوبير تيماء في الثالث عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) قاصدًا مدينة الحجر (مدائن صالح)، حيث وصل إليها في السابع عشر من الشهر نفسه، ولفتت نظره صخرة هائلة، محفورة على شكل قوس يبلغ ارتفاع قبتها 25 مترًا. ويلاحظ أن جداريها الداخليين‏ مملوءان كليًا بالنقوش والمنحوتات الحيوانية؛ ويقول إن عامل الزمن تكفل للأسف بمحوها كلها، ولم يتمكن من نسخ سوى نقش واحد، مؤكداً أن الصخرة تحمل اسم الركب. ويقول: "أقمت مخيّمي على مسافة خمسة كيلومترات قرب صخرة أخرى أكثر غرابة. فهذه الصخرة معزولة كليًا، ومكوّنة من قطعة واحدة على شكل جدار يبلغ طوله 300 متر، وارتفاعه 50 مترًا وسماكته 10 أمتار. جنباته تبدو وكأنها قصت بالمقص لشدة استقامتها. الأجزاء السفلية كانت هي أيضًا مغطاة بالنقوش؛ ولكن المطر والريح المحملة بالرمل تكفلا بمحوها. إلا أنني وُفِّقت في نقل نقش واحد بشكل مؤكد، واللافت هو أنه كان نقشًا نبطيًا؛ بينما كان النقش الذي نسخته عن صخرة الركب حميريًا. هذا الحائط الخرافي يدعى مقراط الدبوس".

 درب الحج

ويضيف: "بعد ساعتين وصلت إلى قلعة الحجر على درب الحج، المسماة لدى المؤلفين المسلمين مدائن صالح. وتقع هذه المحطة في منتصف الطريق بالضبط بين دمشق ومكة.. ههنا المنازل الحجرية الشهيرة المحفورة في الجبل، والتي يتحدث عنها مؤلفون عرب كثيرون. وباستثناء السيد دوتي، لم تتسنَ لأي "كافر" قبلي مشاهدتها. في المحصلة، إنها غرف ضريحية لا منازل، حُفِرت في الحث بعناية فائقة. كلها تقريبًا تتمتع بأبواب ضخمة حفرت فوقها نقوش نبطية وآرامية.. صخور الحجر التي تتضمن الغرف الضريحية، شبيهة تماما بصخور غربي جبل حلوان. وهي صخور معزولة على شكل قفير النحل، حُفر في كل واحدة منها ضريح.

قصة درامية تكشف جانباً من المعارك الضارية حول الآثار القديمة بين فرنسا وبريطانيا وألمانيا في تلك الأزمنة

أما الباب الضخم الهائل في أغلب الأحيان، فيقع إجمالًا على علو عدة أمتار فوق الأرض. وفي داخل الغرف تم حفر الجدران على شكل مزود؛ بحيث يمكن أن تستقبل جسدًا. وفي كثير من الأحيان أيضًا تم حفر قبر في أرض الغرفة. ويبدو أن الغرف الضريحة لم تزوّد بتاتًا بأبواب، وعلى أي حال، لا يوجد على الحجر أي أثر لأي قفل". ويلفت هوبير النظر إلى أن هذه المنطقة ومنطقة الجوف في اليمن، هما الأكثر إثارة للاهتمام في الجزيرة العربية، مؤكداً عزمه على تناولها بالتفصيل في مناسبة أخرى.

 ويتابع قائلاً: "باستثناء القلعة؛ لم يعد يوجد أي مبنى قائم في الحجر. هذه القلعة هي إحدى محطات قافلة الحجاج، الذين يذهبون كل عام من إسطنبول إلى مكة. ويحكم القلعة محمد إبراهيم، وهو جزائري من حاشية الأمير عبد القادر. ولا يقيم فيها إلا خلال فترة الحج، والقافلة التي لا تزال حاليًا في مكة ستأخذه معها في طريق عودتها إلى دمشق. ومع أربعة رجال غير نظاميين يعملون تحت إمرته وبغل، يتعين عليه سحب مياه البئر الموجودة داخل القلعة، وصبها في الحوض المبني وراء القلعة؛ ليتمكن الحجاج من الغرف منها بسهولة لدى مرورهم".

 شوارع العُلا الضيقة

غادر هوبير الحِجْر في السابع عشر من نوفمبر عند الظهر، ووصل إلى العلا في الساعة الرابعة من العصر؛ فيصفها قائلاً: "من الخارج، يبدو مظهر المدينة الصغيرة في غاية الجمال. وقد ذكّرتني الشوارع الضيقة جدًا والمتعرجة والوسخة جدا بالحي اليهودي في دمشق… العُلا المبنية كليًا من الآجرّ مقسومة إلى قسمين متساويين تقريبًا بواسطة صخرة معزولة يبلغ ارتفاعها 40 مترًا تقريبًا تكاد تكون عمودية من جميع الجهات وتعلوها أطلال قلعة. لكل من نصفي المدينة شيخ أو أمير؛ والنصف الجنوبي هو الأهم.. تنعم العُلا بظروف ازدهار استثنائية. ثمانية ينابيع تسقي نخيلها، واثنان منها قويّان، ويعطي مجموعها أكثر من حاجتها للماء.

وقد أُكد لي أن سنة جفاف أو حتى عدة سنوات من الجفاف لا تؤثر على منسوب هذه الينابيع؛ لذا يزرع السكان إلى جانب النخيل، كل القمح والشعير والهراء (فسيل النخل) اللازم لهم. كما أن بساتينهم تضم عددًا كبيرًا من أشجار الدراق، والليمون، والتين، والرمان، والعرائش. وأخيرًا يزرعون الشمّام، والبطيخ الأحمر، والتبغ.. وجود الينابيع يعفيهم من عملية سحب الماء المضنية، وكذلك من الاعتناء بالدواب.. تتراوح قيمة النخلة في العُلا ما بين 8 ريالات و20 ريالًا وفق الوضع. وإذ تعطي النخلة دخلًا سنويًا متوسطًا بقيمة 4 ريالات؛ فإننا نجد هنا أناسًا أثرياء".

وبعد يومين من وصوله استطاع هوبير الذهاب إلى آثار العُلا القديمة، الآثار التي تحمل اليوم اسمَي ناقة صالح أو حلوية العالية الحديثين، والتي تقع على تلة صغيرة شمالي العُلا. ويلفت النظر إلى عدم وجود أثر لجدار واحد قائم؛ ولكن لم يزل بالإمكان تتبع حدود بعض الصروح التي باتت أساساتها بمستوى الأرض. وثمة حطام أعمدة وقرميد مزخرف. ويقول: "وسط هذه الآثار تهيمن ساحة صغيرة، وُضِع في وسطها حوض مدوّر ضخم، حفر في كتلة واحدة من الرمل ارتفاعه 2.50 متر وقطره متران. وباستثناء شقين لا يزال هذا الحوض الهائل في حالة جيدة. الجدران الداخلية والخارجية مغطاة بأحرف حميرية وعربية تكاد تكون ممحوّة. ويتعذر اليوم التكهن بوجهة استعمال هذا الصرح.. إلى شرقي وادي العلا ترتفع بزاوية قائمة كتل صخرية يتجاوز ارتفاعها 200 متر، حُفرت عند قاعدتها حوالي 200 قبر مماثلة لقبور الحجر؛ إنما دون باب تذكاري.

وفي كثير من الأحيان، عوضًا عن حجرة، اكتفي بحفر فتحة تتسع فقط لوضع جثة. في هذه الحال تتخذ هذه الفتحات شكل حجيرات الأموات الموجودة في أبراج تدمر المقبرية.. عدة حجيرات لم يتم إنجازها، ويحمل مجمل الأعمال طابع عمل توقف فجأة. كما أن هناك نقوشًا منحوتة فوق الأرض، لا يمكن التكهن بأي وسائل استطاع الفنان أن يطالها؛ سواء من تحت أو من فوق.. هذه القبور تحمل اسم الخريبة وكذلك اسم دار ثمود. وقد سجلت هنا 33 نقشًا". وحول مناخ العلا يقول هوبير إن مناخها "حارّ ويبدو أن الشتاء فيها ليس باردا على الإطلاق. شتاء 1879- 1880م مرّ وكأنه لم يكن. وعند ما أخذت حرارة الينابيع أربع مرات في ساعات مختلفة من النهار، لم أجد بينها سوى فوارق بضعة أعشار الدرجة، وكل الأرقام التي دونتها أعطتني حرارة متوسطة تبلغ+ 9، 28 درجة؛ مما يشير بالفعل إلى مناخ حار.

أما أبرد درجة للحرارة التي لاحظتها خلال إقامتي في العلا، فهي الدرجة الدنيا ليوم 28 نوفمبر حيث بلغت+ 1، 13 درجة". وغداة مغادرته العلا قطع هوبير 15 ميلًا في الصحراء فوصل إلى قلعة سمرد وهي محطة على درب الحج، وقضى الليلة بقربها، وفي الأول من كانون الأول (ديسمبر) لم يقطع سوى 14 ميلًا بالسير بموازاة درب الحج، حيث خيم في المساء في قلعة الصورة، وهي محطة أخرى على درب الحج عند سفح جبل سن. ويقول إنه رأى وراء القلعة إحدى أجمل الآبار التي شاهدها في الجزيرة العربية، وهي دائرية الشكل، يبلغ قطرها حوالي 15 مترًا وعمقها 30 مترًا تقريبًا، وهي مسوّرة كليا بحجارة مقصّبة، كما قال.

واحة خيبر

بعد مسير 15 ميلًا إلى الجنوب الشرقي. خيم هوبير عند سفح جبل أنمار الغرانيتي الممتد على 40 كيلومترا تقريبًا من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي. وبعد تجاوز جبل أنمار عبر واد قصير، ضيق ووعر جدًا، وجد هوبير نفسه فجأة أمام سهل عظيم تتخلله أخاديد عميقة، تنتصب فيه دونما ترتيب بعض القمم الغرانيتية السوداء أو الحمراء أو الخضراء. في البعيد لمح جبلي دهام وخيبر، اللذين تقع بينهما واحة خيبر. يقول هوبير واصفاً المكان: "بعدما قطعنا أول خمسة كيلومترات من الحرة، صادفنا رافدًا صغيرًا لوادي الطبق. في هذا المكان بالذات يشكل الوادي، بعكس المنطقة المحيطة، جنة حقيقية. فهو مملوء بالنخيل البري وبالنباتات القوية. بعض العصافير كانت تزقزق فيه، والنسيم الناعم الذي كان مخيمًا آنذاك، كان يبعث وشوشة حفيف أوراق النخيل الطويلة المطربة. الماء على عمق لا يتعدى مترًا واحدًا. جنة النعيم هذه في أهوال الحرة تدعى خضران… بفضل الينابيع وغزارة مياه خيبر؛ لا شك في أن هذه الواحة هي مركز مأهول منذ وُجد سكان في الجزيرة العربية. أقدم الوثائق تدل على أن اليهود كانوا يقطنونها …

لقد أدت خيبر دورًا مهمًا في حقبة نشر الدين الإسلامي، وقد توقف مصير الدين المقبل برهة على صراعه مع هذه الواحة. وينقل المؤلفون أنفسهم أنها في ما مضى كانت تضم سبع قرى؛ أما اليوم فلا أثر إلّا لثلاث منها مأهولة، وما استطعت أن أعثر على آثار القرى الأخرى". ويضيف: "في وسط خيبر الصخرة البازلتية المنفردة تمامًا، المسماة مرحبا، والتي كانت تحمل على قمتها في غابر الزمان الحصن الذي يحمل الاسم نفسه. اسم مرحبا هذا هو الاسم القديم الوحيد للواحة الذي نقله إلينا مؤلفو ما قبل الإسلام. ولما يزل اليوم يُطلق عليه اسم قصر اليهودي. هذه الصخرة هي جبل هلالي من الحجارة البازلتية السوداء متجه من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي.

أما قمته فعلى شكل طاولة، ويبلغ طولها 200 متر وعرضها ما بين 10 و15 مترًا، وهي من مستوى الحرة.. عند قاعدة هذه الصخرة، إلى الجنوب وإلى منتصف المنحدر، تمتد قرية خيبر الرئيسة، وهي قرية بشر. شجر النخيل يبدأ مباشرة ويطوق مرحبا والقرية كليًا.. تسقي نخيل قرية بشر ينابيع يقع مصدرها في القرية نفسها، وينابيع أخرى تأتي من خارج القرية. عدد الينابيع المنبثقة في القرية ستة، وأسماؤها هي الآتية: صفصافة، وإبراهيم، وعلي، والريا، والشلالة، والبويرة، وهذا الأخير هو أبرد الينابيع في خيبر. وينبوع علي هو الأكبر". أما القرية الثانية بعد خيبر فتدعى مكيدة، كما يقول هوبير، وتقع على بعد 3 كيلومترات تقريبًا إلى الجنوب الغربي لمرحبا. وبدلًا من أن تكون مبنية على غرار قرية بشر في المنخفض حيث النخيل، بنيت مكيدة على الحرة. ويقول إن هذه القرية تضم الينابيع الخمسة الآتية، والأول هو الأكبر: البحر، والبريكة، والسليمين، وسلالم، وأم المسك. والقرية الثالثة التي زارها هوبير في المنطقة هي العاصمية، الواقعة على مسافة ميلين تقريبًا شمالي مرحبا، حيث يشير إلى أنها مبنية هي‏ أيضًا على الحرة. وفيها أربعة ينابيع هي: الحامية، وهو الأكبر، والحمامة، وعلي، وصنبوره.

 ويقول هوبير: "سكان خيبر يملكون 300 بندقية، يبلغ عددهم 1200 نسمة، ولا يوجد في خيبر سوى مدرسة واحدة تقع في قرية بشر؛ ولكن المتابعة فيها غير مؤمنة إلا في ما ندر، وهي قلما تفتح أبوابها. يديرها رجل دين لا يدعى في خيبر الخطيب كما هو الحال في الجبل، بل رئيس المسجد.. هناك خمسة مساجد، اثنان في قرية بشر، واثنان في مكيدة، وواحد في العاصمية". وعلى مسافة ثلاثين كيلومترًا إلى الجنوب من خيبر، يقول هوبير إن هناك ينابيع عديدة وغزيرة تشكل هنا بحيرة صغيرة تدعى قصيبة.. وانطلاقًا من بحيرة قصيبة، وحتى جراية يوجد مجرى ماء يجري طوال السنة، وعلى غرار الأقنية داخل واحة خيبر، فيه سمك، وضفادع، وقواقع‏.

ويقول: "المثل العربي القديم "حمل التمر إلى خيبر" المماثل لمثلنا القائل "حمل الماء إلى البحر" لا يزال صحيحًا. فشجر نخيل خيبر يكاد لا يُحصى، ونفهم أنه يتم إكثاره أو أنه يترك يتكاثر؛ حيث إنه لا يتطلب أي عناية وأن الماء وافر. ولكن كما يحصل عادة عندما تكون الطبيعة كريمة، فإن البشر يتكاسلون. وبما أنه لا يترتب على أهالي خيبر عمل يذكر، فقد فضلوا ألا يفعلوا شيئًا على الإطلاق؛ ولفرط الإهمال الذي طاولها فإن أشجار النخيل تراجعت، بحيث لم تعد تعطي سوى أصغر وأسوأ الثمار في كل الجزيرة العربية… قيمة النخلة في خيبر لا تتجاوز ريالًا أو ريالًا ونصف الريال، وهذا الأمر يعطي فكرة عن تدني نوعية الإنتاج. نتذكر أن هذه القيمة تبلغ في حائل 10 ريالات، وفي تيماء والعُلا تصل إلى حدود 20 ريالًا.. يُزرع كذلك بعض القمح والذرة وقليل جدًا من الشعير. ولكن ليس لدى السكان دوالي عنب ولا دراق ولا تين ولا رمان".

 

المساهمون