سيد مكاوي والعيد: مغنٍّ وثلاثة أيام

سيد مكاوي والعيد: مغنٍّ وثلاثة أيام

05 يونيو 2019
"لولا العرق ما كانش نور الجبين" (أرشيف)
+ الخط -
كما يرتبط شهر رمضان بمجموعة من الأغاني الشعبية التي طبعت الذاكرة الجماعية العربية، نجد في أيام عيد الفطر أغاني عربية صنعت هوية فنية مرافقة للعيد. قسم كبير من هذه الأعمال غناها الفنان المصري الراحل سيد مكاوي (1928 - 1997)، وعلى رأسها أوبريت "الليلة الكبيرة". 

تقول القصة، إنّ الشاعر المصري الشهير صلاح جاهين، كان في منزل صديقه الفنان سيد مكاوي في حي السيدة زينب القاهري. تزامن ذلك مع احتفالات مولد السيدة. من هنا تحديداً، بدأ جاهين بكتابة نص الأوبريت، انطلاقاً مما كان يشاهده، في إحياء المولد، ثمّ سجلها سيد مكاوي بداية وكانت مدتها 10 دقائق، قبل أن تتجاوز في نسختها الأخيرة الـ 38 دقيقة.
ورغم أن العمل، الذي تحوّل إلى مسرح للعرائس التي ترقص وتتفاعل مع كلمات الأغنية، كُتب بداية لمولد السيدة زينب، إلا أنه تحوّل لاحقاً إلى أغنية ترافق كل الاحتفالات الشعبية في الأعياد الدينية، من مولد النبي، إلى مولد السيدة زينب، حتى عيد الفطر. في هذه المناسبة الأخيرة، تقوم مسارح عدة في العواصم العربية، بتقديم عرض للدمى المتحركة على أنغام الأوبريت كما يحصل في دار الأوبرا المصرية، أو في متحف الأطفال في عمّان.

الأغنية، إذن، محاكاة للواقع، تماماً كما هي أغلب قصائد صلاح جاهين، الذي حاول دائماً تقديم غناء الشارع. الغناء البسيط في كلامه، لكن الذي يحتاج إلى فنان متمكّن، بحجم سيد مكاوي، حتى يلحّنه برشاقة وإتقان، بما يتناسب مع إيقاع وحيوية الأبيات المكتوبة بالعامية المصرية.
استعاد فنانون كثيرون أوبريت "الليلة الكبيرة"، لكن لم يؤدها تقريباً أحد بشكل كامل، بل اختاروا منها بعض الأبيات، كما هي حال النسخة التي قدّمها فريق "مسار إجباري".
غنّى سيد مكاوي، إلى جانب "الليلة الكبيرة"، أعمالاً كثيرة ارتبطت بالموالد والأعياد الدينية وشهر رمضان. طبعاً الأشهر تبقى قصائد "المسحراتي" التي كتبها الشاعر المصري الراحل فؤاد حداد. إحدى هذه القصائد التي تناولت نهاية رمضان وحلول العيد، هي قصيدة "كعك العيد" التي لحنها وأداها مكاوي.

تنقل الأغنية صناعة الكعك (حلوى العيد المصرية وتُسمى في اللهجة العامية "كحك") في البيوت المصرية بكل بساطة وجمال. تحمل القصيدة مقدمة مختلفة عن أغلب قصائد المسحراتي التي كتبها فؤاد حداد؛ إذ إن القصائد تبدأ بالأبيات التقليدية:
"اصح يا نايم وحّد الدايم/ وقول نويت بكره إن حييت الشهر صايم/ والفجر قايم اصح يا نايم/ وحّد الرزاق رمضان كريم".
بينما كانت بداية "كعك العيد" تحمل وداعاً لشهر رمضان، مع دعاء تقبل الصيام، وكأن المسحراتي المفترض يختتم الرحلة ويودع الأحباب والأهل، على أمل اللقاء بعد عام: "يا أمة خير الأنام/ ومصباح الظلام/ ورسول الله الملك العليم العلام/ يتقبل الله منا ومنكم الصيام/ والقيام وصالح الأعمال/ لا أوحش الله منك يا شهر الصيام شهر الإيمان/ إنت الإمام بتصلي بشهور/ السنة وتصلي بالأيام/ والنور على كل مدنة يا الله/ رمضان كريم".
لينطلق بعدها حداد لوصف تلك الأمسية الجميلة التي تبدأ النساء فيها بتحضير كعك العيد، مستحضراً ذكريات طفولته، مثل جلسات خبز الكعك وما يحيطها من محبة وألفة ومناوشات، خصوصاً أن تلك الأمسيات عبارة عن تجمع عائلي كبير، يغلب عليه حضور النساء والأطفال. هنا، يشبه الشاعر المهمة الصعبة والكبيرة في صناعة الكعك، ببناء الهرم، فيقول سيد مكاوي في الأغنية التي أداها من دون أي آلة موسيقية، باستثناء الطبلة، لضبط الإيقاع: "مسحراتي منقراتي/ خالاتي عماتي سيداتي/ على تل عجوة وعسل وسمن/ ولا مجلس الأمن/ سهرانين لت وعجين/ يبنوا الهرم".

ينقل ثنائي حداد ــ مكاوي نبض الشارع المصري في الليلة التي تسبق العيد. تماماً كما يتذكّره أي مواطن مصري، تحديداً في الأبيات التي تقول: "عيني على رصه راحت ولا رصه/ جت عمال بسحر/ وانا ماشي ورا الصاجات".
بإمكان المستمع أن يشعر بالشوارع التي تزدحم بالناس ليلة العيد، وصاجات الكعك تنتقل من بيت إلى البيت إلى الفرن، ثم من الفرن إلى البيت، والأطفال يدورون وراء المسحراتي في ليلته الأخيرة.

لماذا قدّم سيد مكاوي "المسحراتي" مع فؤاد حداد، علماً أنه قدّم أغلب أعماله العامية، مع صلاح جاهين؟ تقول الرواية المتداولة إن صلاح جاهين أراد أن يمنح حداد مساحة عمل بعد خروجه من المعتقل في عام 1964 (اعتقل سنة 1959). فما كان من حداد إلا ان ابتكر نسخته الخاصة من "المسحراتي"، دامجاً روح العيد، برسائل سياسية. بهذا، منح شخصية المسحراتي مساحة مفتوحة من الخيال والواقع. فهو الشخص الذي يوقظ الناس، وهو الذي يوقظ العالم العربي من سباته. ينادي على التاريخ بكل ما يحمل من معالم وأشخاص وأماكن ومناسبات. ردد لسان المسحراتي نداءات للعالم العربي، وللمواطن. كما هي حال الأبيات التالية التي وردت أيضاً في سلسلة قصائد "المسحراتي":

"حبوا الوطن
حبوا الوطن
في الجبهة والميادين
يوم الجهاد الكل مجتهدين
حبوا الوطن
وتعملوا من قبل ما تقولوا
حبوا الوطن بالحق واشقوا له
لولا العرق ما كانش نور الجبين".




دلالات

المساهمون