سيد قطب.. على طاولة "انكتاب"

سيد قطب.. على طاولة "انكتاب"

04 ابريل 2014
من نقاش "معالم في الطريق"
+ الخط -
في بداية مناقشة كتاب سيد قطب "معالم في الطريق"، التي نظّمها نادي "انكتاب" للقراءة، وقفت فتاة وقالت: إن هذا الكتاب أول وآخر كتاب ستقرأه، لسيد قطب، مبديةً استياءها من طريقة، قطب، في طرح أفكاره. كنت أتصور ـ أنا المعتاد على حوارات الإسلاميين واليساريين ـ أن تكون هذه المداخلة بداية معركة حامية يتم فيها تبادل التهم والشتائم.

لكن الأمور سارت عكس ما توقعت؛ إذ كان طابع الحوار الهادئ المتحفز، هو الطابع الغالب على جو المناقشة. ويبدو أن "الربيع العربي" علّمنا أنّ للآخر رأياً قد لا يتفق مع رأينا، لكن علينا احترامه. لم يكن مطلوباً من هؤلاء الشباب أن يصلوا إلى اتفاق في شأن كتاب، سيد قطب، فليس من طبيعة عمل هذه الأندية البحث عن أجوبة قطعية، بل تعميق القدرة على الحوار وتقبل فكرة الآخر.


في الجلسة التي عقدت في مكتبة شومان، اجتمع أكثر من ستين شاباً وشابة، ليناقشوا المعالم التي رسمها قطب لأتباعه ومؤيديه. وبدأوا بتقصي فكرة الجاهلية، التي تتكرر في ثنايا الكتاب؛ ففي حين رأى أحد الحضور أن الكتاب يجسد الإسلام الصحيح، وأنه مقتبس من سيرة الرسول(ص) ومنهجه، أبدى آخر استغرابه من حجم الثقة التي يمتلكها، قطب، وكأنه يعرف الطريق جيداً، فيحدّد بالتالي مَن هو الجاهل، ومَن هو العارف بالطريق القويم. بينما أشارت فتاة إلى عدم استطاعتنا عزل الكتاب عن سياقه التاريخي، وذهبت إلى أنّ المؤلف كتب "المعالم" ـ التي يجدها بعضهم متطرفةـ بعد تعرضه الى تجربة السجن والقمع.

أحد المتحمسين للكتاب قال: إن المجتمع الذي سعى قطب إلى بنائه هو المجتمع الذي يؤمن بمبدأ "الحاكمية لله"، أمّا الجاهلية فتكمن في جعل الناس بعضهم لبعض أرباباً، حسب تعبيره. بينما ذهب مُداخل آخر إلى تشبيه، سيد قطب، بإيفان كارامازوف، بطل رواية دوستويفسكي"الإخوة كارامازوف"؛ فإيفان وصل إلى مسلمة "الله غير موجود... إذن كل شيء مباح"، أمّا قطب، فقد وصل إلى مسلمة "الله موجود...إذن كل شيء محرّم"، وعلى ذلك بنى فكرة الجاهلية. في حين قلل بعض المداخلين من خطورة فكرة الجاهلية، معتبرين أنّ قطب، لا يقصد بها الصداميّة.

كان الزحام على إمساك الميكروفون شديداً، طوال ساعتي المناقشة. وكانت ملامح الحماس مرتسمة على وجوه المُداخلين. وقد أدار الحوار المهندس وصفي القدومي، الذي كان حازماً في توزيع الوقت، ورفض أية فكرة إلغائية، تهدف إلى التقليل من شأن الرأي الآخر. ولم يخلُ الأمر من بعض المداخلات الغريبة، نوعاً ما. فقد طرح علينا شاب سؤالاً: ما الذي استطاعت الحضارة الغربية صناعته؟"، كنتُ سأشير إلى الميكرفون الذي يمسكه، والكرسي الذي يجلس عليه، ولباسه وقصة شعره، لكن الحظ لم يحالفني في إمساك الميكروفون.

هناك كتّاب قادرون على إثارة الجدل، وسيد قطب، من أبرزهم. فبعد خمسين عاماً على تأليف كتابه المذكور، لا تزال المعالم التي رسمها هذا المفكّر لطريقه قادرة على تحفيزنا على الخوض فيها رفضاً وتأييداً. وسيد قطب، الذي جاء إلى عالم السياسة من عالم الأدب والنقد، حمل معه أسلوباً أدبياً قادراً على اجتذاب العواطف بقدر ما يستميل الأفكار.

المساهمون