سياسة مريحة وبدون جماهير

سياسة مريحة وبدون جماهير

05 ابريل 2015

هنالك من يريد من اليمنيين التوحد خلف الحوثيين (Getty)

+ الخط -

على صعيد السجال السياسي المطعّم بمزاعم أخلاقية، تبدو المرحلة الراهنة مريحة، فكل ما قد يعيبه طرف على آخر، ارتكبه هو نفسه في مكان ما. والسجال الأخلاقي ينعدم رويدا رويدا بين المحاور والأطراف المحكومة بلغة السياسة، ويكف المدافعون عنها في الإعلام ومساحات التواصل المختلفة عن استدعاء التمايزات الأخلاقية المفترضة مع أعدائهم. والثابت، كما هو واضح، أن منطق القوة والمصلحة أصدق وأفضل من المنطق الأخلاقي الانتقائي، خصوصاً حين كان المنطق الأخلاقي الانتقائي مبرراً لانخراط كثيرين في ممارسات غير أخلاقية، تحت مزاعم وأوهام تفوّقهم على أعدائهم.

المهم، أيضاً، في هذه المرحلة، هو انسحاب الجماهير، أو العامة، من مساحة الفعل، إلا في بؤر معدودة، لا تزال محافظة على تفوقها الأخلاقي، وأحقية مطالبها. وانسحاب الجماهير تم بعد تحول الصراع إلى صراع نظم ودول وكيانات سياسية، وهذه لا معنى لادعائها تمثيل الجماهير أو الشعوب، فالكل يدرك حقيقة أن تحرك الدول والنظم السياسية ناجم عن تهديد مصالحها ومواقعها ومكتسباتها، ولم يكن لصالح شعوب ولا جماهير، لأن تلك الشعوب والجماهير تعاني منذ سنوات وعقود.

ليس مهما، هنا، الحديث الأخلاقي، هذه سياسة محضة، وتمارسها كياناتٌ لا يشكل الحافز الأخلاقي في فهمها السياسة أي موقع، ولا تجد على مستوى جماهيري، أو شعبي، من يطالبها به، الكل يبدو مدركا أن هذا المستوى من المواجهة منزوع الاستدراكات والتحوطات، ويغلب منطق أننا مع هذه الجهة، لأننا معها من دون أي توضيح أو تبرير، أو نحن معها لأنها الأقوى ونصرها محسوم، وهذا إدراك سياسي في حقيقته.

حتى المعادلة البسيطة، القائمة على التعامل مع المتغيرات السياسية والمواجهات المفتوحة كأنها مسار له تبعاته على جهة أو طرف أو حركة أو شعب، ثم اتخاذ موقف من الراهن الجاري، في ضوء تأثيره على القضية الخاصة الضيقة، حتى هذا المنطق البسيط يبدو غائباً وغير عمليّ، فالمتغيرات كبيرة، وحتى "الشرعية" تبدو مفردة مراوغة تحتاج إلى شرعية قوةٍ، تثبتها لصالح طرفٍ أو تنفيها عن غيره. ودواعي انتظام الأطراف على شاكلة معينة اليوم يمكن أن تكون نفسها سبب افتراقهم على شاكلة أخرى، فلا شيء أكثر مرونة من المصالح في بيئة سائلةٍ كالتي نعيش فيها، حيث ننام على دولة عدوٍ لأميركا لنصبح على تحالف بينهما.

اليوم، تظهر موجة المواجهات الراهنة كصراعات نفوذ وسيطرة وحماية أمن قومي، أو توسيع حدوده، غير متسقة مع موجة الربيع العربي، تلك التي شكلتها جماهير بمطالب محددة وواضحة. كأننا دخلنا مرحلة جديدة أخرى، بعد مرحلة الثورة المضادة وتحالف المتضررين من خيارات الشعوب، ولعلها مرحلة مدروسة، تعود فيها الكيانات السياسية والدول فاعلاً وحيداً على الساحة السياسية، مع نقل المجابهة من مستوى وطني إلى مستوى إقليمي، وربما دولي لاحقا.

إن رفع مستوى المواجهة إلى مواجهة بين كيانات سياسية، أو دول، يقضي على أي مساحة للفعل الجماهيري، وتبدو كل مبررات قمعه والتضييق عليه ممكنة، فهنالك جبهة داخلية، لا بد لها من التوحد لمواجهة المخاطر الآتية من الخارج، وهذا المنطق مستخدم اليوم في اليمن، هنالك من يريد من اليمنيين التوحد خلف الحوثيين، لأنهم يخوضون حربا مع طرف خارجي، هكذا بكل بساطة وسذاجة!

هي الوصفة القديمة والمكررة والناجعة نفسها، ابحث عن عدو خارجي لتقهر الداخل، وحين لا تجد العدو اخترعه. تماما كما فعل النظام المصري في إخراجه الحرب مع "الإرهاب في سيناء"، وكأنها مع عدو خارجي، حتى ليتساءل المرء عن حقيقة موقع سيناء في أذهان صناع البروباغندا المصرية، أهي في مصر أم خارجها! خصوصاً مع تطعيم الحالة بقليل من الفلسطينيين والإيرانيين وغيرهم.

2BB55568-EFEE-416B-934D-5C762181FE7F
عبّاد يحيى

كاتب وباحث وصحفي من فلسطين