سورية مقبرة متنقّلة

سورية مقبرة متنقّلة

28 مايو 2015
+ الخط -
لا جديد في سوريّة سوى أخبار القتل.
أتساءل فيما لو بقي مكان في هذا الوطن من دون قبر.
يراودني الشّك حول نفسي، وأسأل: هل أنا سورية. عربية. مسلمة. مسيحيّة؟
لا أجد نفسي في أيّ وصف من تلك الأوصاف.
هل تذكر حكايتي معك أيّها الوطن؟
رحلة تشّردي؟
رحلة توحدي؟
غربتي الأولى، والثانية، والثالثة، وإلى مالا نهاية من الغربة والتّغرب؟
كأنّ الوطن لا يمتّ لي بصلة، كلما عدت في زيارة له، أرتجف خوفاً، ليس من استبداد الحاكم فقط. بل من الطّعنات التي يوجهها أبناء الوطن من الذين أحبهم لي.
طعنات في الصّدر، وعلى مرأى من العالم.
لا يعرف أبناء وطني الطّعن في الظهر، هم يقومون بالذّبح، والسّلخ وهم يقهقهون.
لم أحاول أن أبوح بألمي لأحد، كي لا أقتل مرّتين.
أشعر، أحياناً، أنني وطن كامل يعلّم العالم الرّحمة، هذا الوطن الكامل هو سوريّة المعذّبة التي تسكنني أينما رحلت.
في سوريّة الأسد التي هي وطن لبعض السّوريين الذين يملكون المنصب والمال، والذين يتمسّح بهم أصحاب المصالح، وهم لا يزالون يملكون المنصب والمال، بعد أن غادروا السّلطة، ويتحكّمون بأنفاسنا. كنّا نخاف الأسد، واليوم، نخاف ألف نوع منه، كلّهم يذبحون من دون رحمة، بحجة تلك المسكينة الثورة التي قضت في حادث.
تمتدّ القبور وتتلاصق الأشلاء المنثورة على جدران الوطن، ولا قدرة للبشر على الرّحيل. إلى أين يذهبون والأبواب توصد في وجوههم؟
وهل يمكن أن نقذف بهويتنا في وجه التّاريخ؟
لا يمكن للتّفاحة أن تكون إلا تفاحة، ولا يمكننا سلخ جلودنا، فأنا لست إلا سوريّة، مهما حاولت إدارة ظهري. أصوات العويل التي تتناهى إلى سمعي من الأحبّة تخترق قلبي، ويهتزّ الهاتف على وقع ارتجافي، وتسجّل ذاكرتي التّاريخ.
كم شخصاً يجب أن يموت من العائلة الواحدة بين معارضٍ وموال؟
لماذا يجري ما يجري؟
لا نعرف لمن نوجّه هذا السّؤال، فقد أصبحت دول ضمن دولة، ليس داعش وحدها، بل في كلّ مدينة سوريّة دولتان، قد تقتلك تلك، أو تغتصب حياتك الأخرى.
متى نعود؟
لن نعود.
القضايا العالقة في ذلك الوطن العربي هي من أجل التّهجير وليس من أجل العودة، بدءاً من عودة الفلسطينيين، والمتاجرة بقضيتهم، إلى منعهم من دخول دول عربية كثيرة.
مفاتيح بيوتنا في حقائبنا، أحضر الفلسطينيون أيضاً مفاتيح بيوتهم من فلسطين معهم إلى سورية، ثم ضمّوها إلى مفاتيح بيوتهم في سورية. لديهم مفتاحان، وكل ما نخشاه أن يصبح لدى شعوب الأمّة العربية فقط مفاتيح ومقابر.
بعض السّوريين ممن لا يملك مفتاحاً لأن مسكنه منذ أربع سنوات تحت الشّجر، وفي المغاور. تهدّم منزله الأول بفعل برميل، وأكل بعض أولاده والمفتاح أيضاً، أهل مخيّم اليرموك لا تلزمهم مفاتيح. أيامهم أصبحت معدودة، وربما هم ليسوا على قيد الحياة، يصورون عظامهم لتظهر هياكلهم أمام العالم، من دون أن يرى أحد ما جرى، وما قد يجري.
هل يمكن أن نسمي سورية بالمقبرة، بغض النّظر عن حضارتها الغارقة في القدم؟
سورية التي تقتل كلّ يوم تشبهني، تشبه أحبتي، ودموع أمي.
كلّما زفوا لي خبر شهيد ترتسم تلك الخارطة على مخيلتي، وأرى القاتل يحاول تغيير التّاريخ، والجغرافيا.
السؤال المحيّر: هل سيسقط الأسد؟
الجواب: لو أراد الغرب، وبعض العرب.
ولو سقط الأسد. هل سيكون لنا مكان يحفظ كرامتنا؟
الإجابة برسم التّاريخ.
avata
avata
نادية خلوف (سورية)
نادية خلوف (سورية)