05 يونيو 2014
سورية: تنافس النظام والمعارضة على الجماهير
سورية: تنافس النظام والمعارضة على الجماهير

عمار منلا حسن (سورية)
ترافق اندلاع الثورة السورية، منذ ثلاث سنوات، مع انطلاق منافسة محمومة بين المعارضة والنظام، لاستقطاب أكبر قدر ممكن من التأييد الجماهيري. أدرك النظام فوراً عدم جدوى استعادة من انضموا للمعارضة بالفعل، فلجأ الى وصفهم بالإرهابيين، والتوعد بالانتقام منهم، فيما كرَّس جهوده للحفاظ على قاعدته الجماهيرية، والعمل على ربطها العضوي به، وتخويفها من الطرف الآخر، على خلاف المعارضة التي لم تلقِ بالاً لتكريس انتماء من انضم إليها، بقدر ما كانت تعمل على استقطاب واستدراج المزيد من مؤيدي النظام بشتى الطرق الممكنة.
وواجه النظام السوري، في البداية، موقفاً حرجاً في ظل الاتساع شديد السرعة لقاعدة المعارضة الجماهيرية، والتي ازدادت عدداً، وتنوعت من حيث الانتماء الديني والقومي. الأمر الذي دفع النظام إلى اتباع تكتيكين أساسيين حينها. الأول يقوم على شيطنة المعارضة و"أرهبتها"، ووصفها بالتطرف والأصولية، وبالتالي تخويف السوريين منها، وخصوصاً العلمانيين والأقليات على اختلافها. أما التكتيك الثاني، فيقوم على خص المؤيدين بامتيازات، مهما كانت رمزية، ودفعهم إلى المشاركة في فعاليات شعبية، توجد بينهم نوعاً من الانتماء والوحدة العضوية، بهدف تشكيل شريحة واسعة، انتماؤها الى النظام، ثم الى بعضها بعضاً.
وكانت المعارضة السورية فاقدةً لقيادة تعمل بشكل منظم ومقصود، للحفاظ على مؤيدي الثورة، أو استقطاب المؤيدين للنظام. فالوظيفة الأولى تكفل بها الحماس الثوري والإعلام المعارض وموقف المجتمع الدولي وواقع الربيع العربي، كل هذه العناصر كانت تبشر بسقوط سريع للنظام، ما جعل مؤيدي الثورة أكثر اطمئناناً لانتمائهم واستعداداً للتضحية في هذا السبيل. أما عن استمالة المؤيدين، وخطب ودهم، وإقناعهم عقلياً وعاطفياً، فكانت هذه الوظيفة مشتتة، إنما موجودة بشكل فعالٍ نسبياً، ولعل أبرز من قام بهذا الدور هي وسائل الإعلام العربية التي دُفِعَ بها الى مناصرة الثورة السورية، بالإضافة للحراك المدني والجامعي وحراك المثقفين الذي كرر تأكيده مرةً بعد مرة على وطنية وشعبية الثورة وعدم تطرفها بأي شكل.
كان هذا المشهد طاغياً خلال العام الأول من الثورة فقط، وبشكلٍ يصب في مصلحة المعارضة إلى حدٍ كبير، إلا أن دخول الثورة عامها الثاني، وانخفاض وتيرة تقدمها وظهور الأخطاء والتجاوزات في صفوفها، وبرود الموقف الدولي، كل هذه العناصر أدت إلى ظهور مشهد جديد في تنافس المعارضة والنظام على استقطاب التأييد الجماهيري.
من جانب النظام، باتت جهوده في الحفاظ على مؤيديه أكثر نفعاً وجدوى، فالشريحة الشعبية التي استمرت، إلى جانبه، عاماً كاملاً، باتت تمتاز بخصائص عدة. أولها أنها اطمأنت لصمود النظام طوال هذه الفترة، وسط تأييد إيراني روسي صيني، على خلاف باقي نظم الربيع العربي التي سقطت في فترات قصيرة نسبياً. وباتت هذه الشريحة مستفيدة ومرتاحة معيشياً، مقارنةً بملايين اللاجئين والنازحين والقابعين تحت القصف. أيضاً، استطاعت شريحة المؤيدين هذه التصالح مع انتهاكات النظام وجرائمه في العام الأول، ما يجعل من المستبعد أن تغير رأيها نتيجة انتهاكات أخرى.
وفي النقطة التي توقفت فيها قاعدته الجماهيرية عن التقلص، بات النظام يعمل على توسعتها، واستقطاب فئات جديدة. إذ أعلن، في العام الماضي، بشكل ضمني وغير مباشر عن قبوله بشريحة منهكة من المعارضين، ضمن مناطق سيطرته، وهم النازحون داخلياً باتجاه العاصمة والساحل، حيث ظهرت مراكز إيواء، هنا وهناك، بدعم أممي وإشراف حكومي، لا بهدف تحويل المعارضين -الذين فقدوا منازلهم وحيواتهم- إلى مؤيدين مخلصين، إنما لتحويلهم فئة قبلت بواقع مرير، واختارت الصمت مقابل الحياة.
على الصعيد الآخر، باتت تكتيكات المعارضة لاستقطاب المؤيدين، والتي كانت غير مخططة بشكل جيد، تتراجع من حيث الجدوى والتأثير بشكل متسارع، حتى فشلت تماماً مع ظهور تنظيمات إسلامية أصولية، تعترف بها المعارضة، ما جعل المؤيدين على اختلاف انتماءاتهم بعيدين، كل البعد، عن الميل نحو المعارضة، حتى لو ضاقوا ذرعاً بالنظام، وتزعزع ولاؤهم له. كذلك ظهرت حالة من إحباط في صفوف مؤيدي الثورة، فلم يسقط النظام خلال "أيام معدودة"، كما وعدهم المجتمع الدولي، فيما توقفت المعارضة عن التقدم، وباتت مناطق سيطرتهم تحت قصف الصواريخ والبراميل، فيما عدا الكم المتزايد من الانتهاكات والتجاوزات والأفعال المتطرفة التي تحولت من أخطاء فردية إلى ظاهرة جمعية، تهدد الثورة وأهدافها.
خلاصةً، بات صعباً اليوم على المترددين بانتمائهم للنظام السوري الانتقال إلى صفوف المعارضة التي باتت تعاني اضطرابات كثيرة، والتي أضحت عاجزة عن استقطاب مؤيدين جدد لها. الأمر ذاته عند المترددين في انتمائهم للثورة، لكنهم يرفضون قطعاً العودة إلى حظيرة النظام، خصوصاً أن طريق العودة يشمل "تسوية الأوضاع" غير حسنة السمعة أبداً، والتي قد تنتهي، أحيانا كثيرة، إلى الاختفاء أو الموت تحت التعذيب. هذا الواقع يخلق شريحة جديدةً باتت تتسع يوماً بعد يوم، معارضة لكلٍ من الثورة والنظام ولو بنسب غير متساوية من المعارضة، إلا أنها، في الوقت نفسه، شريحة قد تصبح ذات أهمية حاسمة، في حال استمرارها في التوسع على هذا النحو، شريحة قد تعلن قريباً اندلاع معركة جديدة بين النظام والمعارضة لاستقطابها ثم الحفاظ على ولائها!