سورية: اللجنة الدستورية تطيح سلال دي ميستورا

سورية: اللجنة الدستورية تطيح سلال دي ميستورا

26 سبتمبر 2019
بيدرسن أثناء زيارته الأخيرة لدمشق (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
تدخل القضية السورية منعطفاً جديداً بعد الإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية، وبما يطوي عملياً الخطة التي أقرّتها الأمم المتحدة ضمن الجولة الرابعة من مباحثات جنيف لحل القضية السورية في مارس/آذار 2017. وتضمنت الخطة في حينه سلالا أربعا، بحسب ترتيبها: الحكم الانتقالي، الدستور، الانتخابات، مكافحة الإرهاب، كما أعلن عنها المبعوث السابق للأمم المتحدة إلى سورية ستيفان دي ميستورا، في ذلك الوقت، وفقاً للقرار الأممي 2254 لعام 2015 المتضمن حلاً سياسياً شاملاً للقضية السورية. وعلى الرغم من ذلك، إلا أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، أعلن يوم الإثنين الماضي عن تشكيل اللجنة الدستورية السورية، بعد جهودٍ مستمرة لمبعوثه الخاص إلى سورية غير بيدرسن، على مدى عام ونصف العام. والأخير خصص آخر جولاته بشأن اللجنة، بما في ذلك زيارته قبل أيام إلى دمشق، لحل الكثير من إشكالياتها على مستوى الأسماء أو القواعد الإجرائية في دمشق، وبعد مخاض عسير استمر 18 شهراً أغرق خلاله النظام مبعوث الأمم المتحدة والمعارضة بالتفاصيل لعرقلة تشكيل وإطلاق اللجنة، إلا أنه وافق في النهاية.

ورغم إعلان الأمين العام أن تسيير الاتفاق على اللجنة، التي ولدت فكرتها خلال ما سمي بـ"مؤتمر الحوار الوطني السوري" بمدينة سوتشي الروسية، أتى وفقاً للقرار 2254 وأن تشكيلها سيكون بداية المسار السياسي للخروج من المأساة بما يتماشى مع القرار ذاته، حسبما أكد خلال مؤتمر صحافي في الأمم المتحدة، إلا أن ذلك يأتي تجاوزاً لإحدى أهم السلال والملفات التي تبنتها الأمم المتحدة في مسارها لحل القضية، وهي سلة الحكم الانتقالي، المتضمنة هيئة حكم انتقالي ذات صلاحيات تنفيذية واسعة، تشرف فيما بعد على صياغة دستور جديد والإعداد لانتخابات بإشراف الأمم المتحدة. وتلك السلة كانت المعارضة تصرّ على تقديمها مع كل جولة من جولات التفاوض في جنيف، قبل تشتيت القضية السورية بين مسارات مختلفة (أستانة، سوتشي)، رعتها ووضعت أسسها دول إقليمية بناء على رؤيتها للحل.

وعن ذلك، قال مصدر من داخل قائمة المعارضة للجنة الدستورية، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "تجاوز موضوع السلال الأربع لصالح اللجنة الدستورية، يأتي لتفادي تصلّب النظام بطرح هذه السلة (الحكم الانتقالي)، فهو يرفض رفضاً باتاً طرح هذه السلة، والصراع على هذا الملف ربما كان سيستمر لسنوات إضافية، لذلك كان لا بد من القبول باللجنة، أو تقديم ملفها على باقي الملفات". وأشار إلى أن "النظام يطلب بل يشدد على أن تمر مخرجات اللجنة على مؤسساته واعتمادها من قبل لتبنيها، لكننا أخذنا وعوداً من الأمم المتحدة والفاعلين بأنه في حال تعنت النظام في ذلك سيتم اللجوء لإضفاء شرعية أممية على مخرجات اللجنة، وهذا ما سيكون في صالح السوريين". وأكد المصدر أنه "لولا الضغط الروسي في الأيام الأخيرة التي سبقت الإعلان عن اللجنة على النظام، لكان مستعداً للمماطلة عامين إضافيين، لكن الروس أجبروه على ذلك مكرهاً".

وكانت صحيفة "الوطن" المقرّبة من النظام السوري، قد أوردت ضمن معرض نقلها لإعلان وزير خارجية النظام وليد المعلم عن إطلاق اللجنة، أن الأخيرة تشكلت "بعد فرض الرؤية السورية" بالإشارة لرؤية النظام. ونقلت الصحيفة عن وزير الخارجية تصريحات أدلى بها خلال مؤتمر صحافي، أن "اللجنة أنجزت بفضل توجيهات الرئيس بشار الأسد، وحافظت القيادة السورية على تطلعات الشعب السوري، واحترمت هذه التطلعات".

في المقابل، وصف رئيس الهيئة العليا للمفاوضات نصر الحريري، تشكيل اللجنة الدستورية بأنه "إنجاز حقيقي وانتصار للشعب السوري وجزء من القرار 2254، ولا أحد يستطيع أن يُنكر ذلك". وأضاف في تصريح لموقع "المدن"، أن "ما حققناه حتى اللحظة هو أننا اتفقنا على أن تكون بوابة القرار 2254 هي بوابة الدستورية، لا بوابة عسكرية، أو بوابة تدخل خارجي، وهذه البوابة هي الدخول نحو تطبيق كامل للقرار المذكور"، مشدّداً على أن "أي محاولة لحرف هذا المسار سترفضها المعارضة".

وتابع الحريري حديثه حول معايير اللجنة، قائلاً إن "المعايير التي تم الاتفاق عليها: أولاً هي برعاية الأمم المتحدة، مقر عملها جنيف، وفي إطار التطبيق الكامل للقرار 2254، وبالتفويض الممنوح للمبعوث الدولي حتى يبدأ مفاوضات سورية-سورية، تتضمن التوصل لعملية وجدول زمني لصياغة دستور جديد للبلاد، وبناء على هذا الدستور الجديد ستجري انتخابات حرة وشفافة وديمقراطية برعاية الأمم المتحدة". ولفت إلى أن "هذا الأمر لن يتم حتماً إلا بتوفير بيئة آمنة وصفها بيان جنيف وحدد المسؤول عن تشكيلها، وهي هيئة الحكم الانتقالي".

وبعد أن تمّ تجاوز مسألة إشراف هيئة الحكم الانتقالي على صياغة الدستور والإعداد للانتخابات، ردّ عضو "الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، أحمد رمضان، على سؤال لـ"العربي الجديد"، حول استراتيجية المعارضة بالقول: "سبق لهيئة التفاوض أن بعثت للأمم المتحدة رسالة أكدت فيها أن الاتفاق الناجز يكون بعد التفاهم على كامل السلال الأربع، وبالتالي فإن مناقشة مسألة الدستور لا تعني تجاوز سلة الانتقال السياسي، وسبق في مفاوضات جنيف أن تمت مناقشة السلة الرابعة (الإرهاب) ولكن دون التوصل إلى نتائج". وأضاف رمضان: "تؤمن قوى الثورة والمعارضة أن العملية السياسية في سورية لا يمكن أن تنجح بدون تحقيق انتقال سياسي حقيقي وفق بيان جنيف1 (2012) وقرار مجلس الأمن 2254 (2015)، وبالتالي فإن دفع المعارضة للعملية السياسية للأمام، يصاحبه سعي النظام وحلفائه للتعطيل وكسب الوقت، كما تم في مفاوضات جنيف في جولاتها المختلفة".

وعبّر رمضان عن قلقه إزاء استمرارية عمل اللجنة الدستورية بعد إقرارها، بأنه "على الرغم من إعلان الأمم المتحدة وأمينها العام عن انطلاق اللجنة الدستورية، إلا أننا نعتقد أن النظام ما زال يعمل على تعطيل عملها عبر خلق عراقيل مختلفة والاستناد إلى تأويلات للنصوص، وهو سيعمل كما دلت المؤشرات، على رفض نقاش صياغة دستور جديد لسورية، ونقل الخلافات إلى داخل اللجنة، مستفيداً من أنه لا يمكن تمرير أي قرار إلا بنسبة 75 في المائة، ولا تملك أي جهة منفردة لوحدها الحصول على ذلك، وهو ما سيجعل النظام يعطي انطباعاً بأن اللجنة مشلولة وغير قادرة على التوصل إلى نتائج ملموسة، أو حسم الملفات الحساسة".

أما عن خطط المعارضة لإعادة كافة الملفات العالقة بما فيها الحكم الانتقالي، وإعادته إلى الواجهة بالتوازي مع عمل اللجنة، أشار رمضان إلى أن "هيئة التفاوض والائتلاف الوطني عملا خلال العامين الماضيين على وضع سيناريوهات وأوراق عمل خاصة بملفات الانتقال السياسي والدستور والانتخابات، ولكن المشكلة التي يجب النظر إليها باهتمام هي عدم قدرة المجتمع الدولي على توفير آلية فاعلة لتطبيق قرارات مجلس الأمن فيما يتعلق بسورية، في ظل الإصرار الروسي على إشهار الفيتو في وجه أي خطوة".

وعن توقعه فيما إذا كانت اللجنة ستنجز أعمالها قبل الاستحقاق الانتخابي 2021، وبالتالي خوض انتخابات وفق الدستور الجديد، رأى رمضان أنه "إذا نظرنا إلى تاريخ العملية السياسية منذ انطلاقها حتى الآن، فليس هناك شعور بالتفاؤل بأن اللجنة الدستورية سوف تصل إلى مهامها في غضون عام 2021، والنظام، مدعوماً من حلفائه، يسعى للحسم العسكري وليس مقتنعاً إطلاقاً بالعملية السياسية أو الحل السياسي للوضع في سورية. وفي ظل غياب ضغط دولي عليه وحماية روسية وإيرانية له، فإن شعوره بالإفلات من العقاب يساعده على تحدي الأمم المتحدة؛ نتعامل بحذر وواقعية مع الوضع الراهن ولا نبني آمالاً كبيرة، ونعتقد أن معركة السوريين من أجل الحرية والكرامة ودولة المواطنة ما زالت مستمرة".

وعن الموضوع نفسه قال الدبلوماسي المنشق عن النظام، فاروق طه: "اللجنة الدستورية هي قفزة فوق متوجبات القرار 2254 وبيان جنيف1، وجاءت لذر الرماد في العيون والضحك على الذقون؛ بالمجمل إذا اجتمعت اللجنة فلن تنجز شيئاً ما لم يتفق الكبار الدوليون، ويمكن أن يدوم عملها أشهراً وسنوات من دون إنجاز مهامها ما لم يحصل الاتفاق أو تنشأ وقائع وحقائق تفرض على الأرض. وإذا سارت الأمور كما ينبغي، يبقى هامش الحركة والمناورة لدى المعارضة ضيقاً لتغليب وجهة نظرها، ولكن تبقى لديها قدرة على التعطيل والرفض، وخروجها من اللجنة ينسف مبدأ الشمولية الذي تقوم عليه وكذلك مصداقيتها. وخروج المعارضة من اللجنة لا يعني بأي حال خروجها من الصراع ولو كنا حلقة ضعيفة داخله، إذ لا يمكن بحال من الأحوال تسويغ فكرة إلزامية القبول بما يعرض، والتي تروجها للأسف أطراف داخل المعارضة".

وأضاف السفير السابق، أن "الممارسة الدولية لا تؤيد عبر تاريخها البعيد هكذا فكرة، وليس ثمة تساوٍ أو ندية كاملة بين أطراف أي عملية تفاوضية، ويبرز هنا سؤال رئيس: بمَ نساعد؟ والجواب: علينا دعم الفريق المعارض بأوسع الخبرات السياسية والقانونية ولو من خارج الفريق، وعلينا أن نوفر الزخم الشعبي المطلوب لدعم موقفه قبولاً أو رفضاً؛ ما ذكرته كان بغرض توحيد رأي وموقف وفد المعارضة، ومن دون توفير ذلك لا فائدة من مشاركته أو عدمها، وأي انسحاب جزئي لن يجدي نفعاً عندئذٍ، يجب أن نحاول بالتواصل الوصول إلى موقف موحد رغم صعوبة ذلك. وأعود وأكرر: هذا إن اجتمعت اللجنة الدستورية، مما هو محل شك حتى اللحظة رغم الوعود والتصريحات التي تحاول إشاعة التفاؤل".

وشكّك طه في "قبول النظام بالعودة إلى نقاط تفاوضية سابقة، كالسلال ولا سيما الحكم الانتقالي، أو قبوله بخوض انتخابات بناء على مخرجات اللجنة إن خرجت بشيء". ولفت إلى أنه "إذا ما كان هناك حلّ في الأفق فسيكون من دول الخارج التي من الصعب أو تتفق أو تتوافق على أي محددات".

وتمسكت المعارضة السورية لأعوام مضت بمسار جنيف الذي أطلقته الأمم المتحدة لحل الأزمة، وما نتج عنه من قرارات وخطط، معظمها لم تطبق ولم تنفذ، إلا أن الرؤية الروسية للحل وجدت مجالاً أوسع للتطبيق، لا سيما بعد تدخلها العسكري المباشر على الأرض عام 2015، ومن ثم إطلاق مسارات سياسية مختلفة، لتشتيت الانتباه عن مسار جنيف، بالشراكة مع فاعلين إقليميين، فنشأت فكرة مناطق النفوذ أو ما عرفت بـ "مناطق خفض التصعيد" ومن ثم فكرة اللجنة الدستورية، والتي نجحت الأمم المتحدة بدعم دول مقربة من المعارضة السورية، باشتراط عملها تحت مظلة الأمم المتحدة في جنيف، لكن من دون إمكانية التكهن بنجاحها من عدمه.