سورية ... أزمة وطن

26 يوليو 2014
+ الخط -

شهدنا تظاهرات التضامن مع غزة جراء الحرب الإسرائيلية العدوانية على القطاع المحاصر، وكيفية وقوف الرأي العام الشعبي العالمي، وتضامنه مع أهل غزة. لكن، لم نشهد هذا العدد من التظاهر والتضامن مع السوريين في مأساتهم مع نظامهم الديكتاتوري، ومع الجهاديين المتطرفين.

قد يقول قائل إن الفلسطينيين تحت الاحتلال، أما سورية فهنالك نظام ديكتاتوري يحكمها فلا مجال للمقارنة، وهذا صحيح، ظروف الحالتين مختلفة، لكن الممارسات التي تحل بهما واحدة، والإرهاب الذي يقع عليهما واحد، ولو اختلفت المسميات.

بالنسبة للسوريين، رأينا تذبذب الرأي العام العالمي، وحتى العربي، بشأن قضيتهم وثورتهم، فالمأساة السورية ارتدت أثواباً عدة، حيث بات السوري نفسه غير مستوعب لما يجري من حوله، فمأساته الظاهرة هي سورية الوطن، حيث التنازع والتضارب بالآراء والأفكار، والانقسام والاصطفاف بين المعارضة والموالاة، يكون ناتجاً من الاهتمام بسورية، قبل أي شيء، حسب رؤية كل طرف، وكل طرف يدّعي أنه يقف على هذه الضفة، لاهتمامه بالوطن، والوطن ذهب بين موالٍ ومعارض، فهنا يصطدم غير السوري أمام هذه الثنائية المتضادة، فكل من المعارضة والموالاة يدّعي دفاعه ووقوفه إلى جانب الوطن، ولكل منهم رؤيته وقناعته.

بالإضافة إلى أن بعض السوريين امتهنوا الحالة، إن كانوا في المعارضة أو الموالاة، وباتت هذه الفئة تعتاش منها، والبعض الآخر يختزل الوطن، بجماعة أو جهة معينة، أو حتى شخص، لكن هذا نوع من الجهل واللاوعي، فالوقوف مع الوطن يستدعي الوقوف مع الإنسان، بغض النظر عن انتمائه، ورفض واستنكار أي عمل، أو فعل إجرامي يحل به، حتى ولو كان مصدر الفعل السلطة الحاكمة، التي يراها بعضهم السلطة النقية التي لا تشوبها شائبة، وأن جل العالم يتآمر على هذه السلطة، أو النظام، لأنها أفضل من يدير بلداً ويحكمه، وهذا الوصف ليس غريباً، لأننا سمعنا مقولاتٍ كثيرة، تبين ذلك مثل "أنت قليل عليك سورية، أنت يجب أن تحكم العالم"، و"الأسد أو نحرق البلد".

حتى إن الانقسام والخلاف ممتد في الجسد الواحد، مثلاً ليس هنالك راية موحدة تجمع المعارضين، حتى إن هناك اختلافاً على تاريخ انطلاق الثورة. وليس المطلوب هنا ان يستمرئ الشعب دوره ضحية، لكي ينال التعاطف والتأييد، وإنما الوحدة في مواجهة مأساته فقط.

يجب البحث وإيجاد المشتركات التي تجمع السوريين بعضهم ببعض، وعلى ذلك، فإن الانقسام الوطني في صفوف الشعب الواحد يساعد في زيادة تعقيد الأمور، وصعوبة الوصول إلى حل، لأن السوريين أنفسهم غير متفقين، ومختلفون في المبادئ والأولويات، فالعقد الاجتماعي انحل وأصابه شرخ صعب التضميد.

بالتالي، حتى بعد التوافق الدولي لوقف الحرب في سورية، يلزم أن يعيد السوريون كتابة عقدهم الاجتماعي، وإعادة ترتيب المبادئ والأولويات والأسس التي سيبنون عليها دولتهم الجديدة، فهذا التشرذم وهذه التفرقة ما هما إلا نتيجة حكم استبدادي، عمل على تفريق أبناء الشعب الواحد، ومصيره أن يزول.

D2E09192-410D-49DC-84E7-5663E07D486C
D2E09192-410D-49DC-84E7-5663E07D486C
محمد زيكار (سورية)
محمد زيكار (سورية)