سوار الدهب... قصة أول رئيسٍ عربي زهد في السلطة

18 أكتوبر 2018
توفي سوار الدهب في المستشفى العسكري بالرياض(Getty)
+ الخط -


عن عمرٍ ناهز الـ83 عاماً، طوى الرئيس السوداني الأسبق، المشير عبد الرحمن سوار الدهب، آخر صفحات الحياة في المستشفي العسكري بالعاصمة السعودية الرياض، تاركاً وراءه سيرة عطرةً من التواضع والزهد في الدنيا وسلطانها، حيث وثق التاريخ له حالةً استثنائية من بين كل الزعماء العرب بترك السلطة بعدما اختار أن يجلس على عرشها لعامٍ واحد فقط، لم تحدثه نفسه بالاستمرار فيه لأكثر من ذلك، كما يفعل باقي الحكام.

ولد عبد الرحمن محمد حسن سوار الدهب في العام 1935 في مدينة أم درمان، لكن جذور الأسرة المتدينة تمتد للولاية الشمالية، التي ينتمي إليها معظم الرؤساء السودانيين، وعاش صباه في مدينة الأبيض، غرب البلاد.

انضم سوار الدهب إلى القوات المسلحة السودانية عبر بوابة الكلية الحربية، التي تخرج منها ضابطاً قبيل عام واحد من نيل السودان استقلاله في العام 1956، وتدرج في الرتب العسكرية، لكن ذلك التدرج اصطدم في بداية السبعينيات، بقرار من حكومة الرئيس جعفر محمد نميري ذات التوجهات الشيوعية في سنواتها الأولى، والتي أصدرت قراراً بإحالة سوار الدهب إلى التقاعد، فذهب إلى قطر، حيث عمل مستشاراً للشيخ خليفة بن حمد للشؤون العسكرية، مشاركاً في التأسيس للجيش القطري بصورته الحديثة، غير أن حكام الخرطوم، ومع بدء تغيير توجهاتهم، أعادوه للخدمة العسكرية، حتى وصل في بداية الثمانينيات إلى رتبة فريق أول، فعيّنه نميري وزيراً للدفاع، وقائداً عاماً للقوات المسلحة السودانية.

في مارس/آذار 1985، وبينما كان نميري في زيارة للولايات المتحدة الأميركية، وانطلاقاً من جامعة أم درمان الإسلامية، اشتعلت شرارة الثورة ضد نظامه، لتزداد وتيرة الاحتجاجات يوماً بعد يوم، وتشمل غالب المدن السودانية، مع فشل أمني وسياسي لأجهزة النظام في التعامل معها.

في السادس من أبريل/نيسان من العام ذاته، بدأت الإذاعة السودانية ببث الأناشيد الوطنية والعسكرية، مع الإعلان عن بيانٍ للفريق أول عبد الرحمن سوار الدهب، فجاء صوته الجهوري معلناً انحياز القوات المسلحة السودانية للانتفاضة الشعبية، وإعفاء الرئيس نميري ونوابه ووزرائه من مناصبهم، مع تشكيل مجلس عسكري انتقالي لإدارة البلاد، ترأسه شخصياً، وتكوّن من 14 عضواً آخرين، ليكون بذلك خامس رئيس للجمهورية السودانية بعد الاستقلال.

ورغم أيلولة السلطة تماماً للمجلس العسكري الانتقالي بقيادة سوار الدهب، إلا أنه آثر تشكيل  مجلس وزراء مدني، آلت رئاسته لنقيب الأطباء في ذلك الوقت، الدكتور الجزولي دفع الله.

أكمل المجلس العسكري ومجلس الوزراء عاماً واحداً في السلطة، بالرغم من بعض المطالبات بزيادة المدة، باعتبار أن الأحزاب التي عادت إلى الواجهة السياسية بعد حظرها ومطاردتها من قبل نظام نميري، لن تكون مهيأة لإدارة البلاد، إلا أن سوار الدهب رفض الاستمرار، وأصرّ على الإلتزام بوعده بتسليم السلطة للشعب من خلال انتخابات حرة ونزيهة، وهذا فعلاً ما حدث، حيث أجريت الانتخابات، وفاز حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي بالأغلبية البرلمانية، ليسلمه سوار الدهب السلطة ثم يعلن اعتزال العمل السياسي، مكتفياً بالعمل الطوعي والدعوي عبر منظمة "الدعوة الإسلامية"، التي أصبح رئيساً لمجلس أمنائها طوال تلك السنوات.

وخلال عمله في المنظمة، كان لسوار الدهب دور كبير في دعم التعليم والعمل الصحي والاجتماعي في السودان وأفريقيا، فضلاً عن مناصب أخرى تطوعية شغلها، كرئيس مجلس أمناء جامعة كردفان، التي منحته درجة الدكتوراه الفخرية تقديراً لدوره في قيامها، ومؤسس كلية شرق النيل الجامعية، وأحد المساهمين في تأسيس جامعـة أم درمان الأهلية، وهو رئيسٌ لعدد من جمعيات أصدقاء المرضى، ورئيس الصندوق القومي للسلام في السودان، ورئيس هيئة جمع "الصف الوطني" التي تُعنى بإيجاد الحلول للقضايا السودانية، وفي مقدّمها قضية دارفور.

وطوال مسيرته الحياتية والمهنية والسياسية، عرف عن سوار الدهب الزهد والتواضع وعدم حبه للأضواء، ومحاولته المستمرة في تقريب المسافات بين الفرقاء السياسيين في السودان. أما ما يأخذه عليه المعارضون فقط، فهو انحيازه خلال السنوات الأخيرة لحزب المؤتمر الوطني الحاكم، وترؤسه خلال الانتخابات الرئاسية التي أجريت في عامي 2010 و2015 لجنة قومية لترشيح الرئيس الحالي عمر البشير للمنصب.

إلى ذلك، قالت رئاسة الجمهورية السودانية في بيان لها اليوم إنها "تنعى للشعب السوداني وللأمة العربية والإسلامية ابناً من أبناء السودان البررة، وقائداً فذاً، المشير عبد الرحمن سوار الدهب، الذي لبى نداء ربه صباح اليوم بالمستشفى العسكري بالرياض، بعد حياة حافلة بالبذل والعطاء في ساحات العمل الوطني والدعوي".

وعددت الرئاسة السودانية "إسهامات سوار الدهب الوطنية والإسلامية الكبيرة"، فقد "خدم وطنه وشعبه جندياً مخلصاً في الدفاع عن تراب الوطن ووحدة أراضيه وسيادته، وقائداً لشعبه، إضافة لعطائه في المجالات السياسية والصحية والاجتماعية وشتى المجالات، ومشاركته الفاعلة في مسيرة السلام والوفاق الوطني عبر مؤتمرات الحوار الوطني، ووثيقة الحوار الوطني، والسلام والأمن، وعطائه وتفانيه من أجل البلاد بنكران ذات وبلا منٍ أو أذى راجياً عطاء الله ثم رضاء المواطنين".

وتحدثت عن "عطاء سوار الدهب إلى الأمتين العربية والإسلامية بقيادته للعمل الدعوي والطوعي عبر منظمة الدعوة الإسلامية وانتشارها في أفريقيا والعالم أجمع".

يذكر أن المشير الدهب كان قد منح جائزة الملك فيصل للعام 2004، تقديراً لجهوده العظيمة من خلال رئاسته لمجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلاميَّة في السودان، التي شيَّدت كثيراً من المدارس والمساجد والمستشفيات والمستوصفات ومراكز الطفولة وملاجئ الأيتام، كما حفرت كثيراً من الآبار ومحطات المياه في أفريقيا، إضافة إلى مسَاهمته الفعَّالة في الدعوة، محلياً وإسلامياً وعالمياً.

دلالات