سنة كورونا 24 شهراً

سنة كورونا 24 شهراً

25 يونيو 2020
أزمات لبنان أكبر بكثير من كورونا (جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -

يقول اللبنانيون في أحد أمثالهم الشعبية القديمة: "سنة النحس 24 شهراً". ويفسر لحد خاطر، بينما يستعرض رأس السنة في الأمثال الشعبية، في كتابه "العادات والتقاليد اللبنانية": "تبدو السنة جدّ طويلة، إذا نالهم فيها حزن أو حلّ بهم مصاب من مرض أو سجن أو مظلمة، ولذلك قالوا المثل المقدم ومعناه ظاهر مفهوم: فالمكروب والمظلوم والمُبتلى بشرّ من الشرور يرى ساعته يوماً ويومه شهراً وشهره سنة وسنته ضعفي ما هي عليه بالواقع...".

هذه السنة التي نخطو في شهرها السادس ليست نحساً على واحد من اللبنانيين أو على كلّ اللبنانيين حتى، من دون غيرهم، بل هي سنة نحس للعالم بأكمله، وهم جزء منه... هي سنة كورونا.

والنحس، في الواقع الاجتماعي، حمّال أوجه عدة، بعيداً عن تأويلات مطلع العام، أو غيرها من تأويلات تجعل "المنحوس منحوساً وإن كان على رأسه فانوس" ما يقترب من قانون الذاتية في المنطق الأرسطي. ليس الأمر كذلك، فالنحس في واقعنا الاجتماعي الحالي متغير مرتبط بوباء عالمي خطير أثيرت موجات كبيرة من الهلع والإجراءات الوقائية والتدابير السيادية التي ساهمت في خطورته أكثر على مستوى آخر، وإن نجحت في الحدّ من الإصابات أحياناً. ذاك المستوى هو المرتبط بالفرد ومشاركته المجتمعية في التنشئة والنشاط الاقتصادي وتحقيق الذات. تلك كانت سنة نحس أكيدة في هذا المستوى، وإن نجا الفرد من كورونا.

والنحس هذا مرتبط بالحدود التي رُسمت للفرد بقدرة سلطوية أمعنت في تحجيمه؛ حجر منزلي، وحظر تجول، ومنع من دخول أماكن، وإقفال لأماكن، ولا سيما مرافق التعليم والتدريب والترفيه. وكلّ سلطة أصغر من سلطة كبرى تمعن في متابعة التحجيم هذا بقرارات يصل بعضها إلى حدّ الغباء المطلق حتى، لكن لا بدّ من أن تطاع، فالتحجيم يترافق مع تدجين يمنع أيّ معترض من إبداء اعتراضه، وإلّا بات منبوذاً خارج الانتظام العام، وقد يستحق العقاب لهذا السبب.

حتى الأعمال توقفت وطُرد من طُرد من عمله وتضاءلت رواتب كثيرين... وهو نحس أكيد، خصوصاً إذا تطرقنا إلى لبنان حيث الراتب بكامله فقد خلال أشهر قليلة أكثر من 60 في المائة من قدرته الشرائية، إذ وصل سعر الدولار الأميركي الذي تنقاد له الليرة اللبنانية انقياد المريد لشيخه، إلى 6400 ليرة، وإن بقي السعر الرسمي العجائبي عند حدود 1500 ليرة.



ذلك نحس كلّه لا شك فيه، وأيام الحجر الصحي التي استغرب البعض حول العالم مرورها سريعة (تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية) كانت على اللبنانيين طويلة كئيبة مريرة، متعبة لأجسادهم، ومنهكة لأعصابهم، حتى باتت 2020 علامة نحس متعدد الأطراف.

وبينما يقترح خاطر أنّ على المكروب والمظلوم والمُبتلى، أن يصبر ويتوقع الفرج بعد الضيق، فإنّ انتهاء كورونا نفسه من العالم هذا الشهر بالذات، إن تحقق، فعاد كثير من الدول إلى صحته، لن ينقذ اللبنانيين من نحسهم الأزلي المتجسد في ثالوث حاكم: زعماء، ورجال دين، وكبار رأسماليين.

المساهمون