سلوك عدائي عند بعض المغاربة خلال رمضان… ما السبب؟

سلوك عدائي عند بعض المغاربة خلال رمضان… ما السبب؟

07 مايو 2019
+ الخط -
أثناء رمضان تطفو على السطح ظاهرة غريبة وعجيبة عند بعض المغاربة، فكلّما هلّ شهر الصيام تكون هناك بوادر وعلامات الامتعاض والحنق التي تلازم بعض الأشخاص الذين يُسبّب لهم الصوم عائقاً كبيراً في تدبير وتسيير شؤون يومهم بشكل عادي وطبيعي، إذ يتصرفون بأفعال عدائية وعنيفة، وهذه الظاهرة يُطلق عليها المغاربة "التْرَمْضينة"، وتعني أنّ الشخص صائمٌ إكراهاً وغصباً عنه، كونه ينقطع عما كان يدمنه من سجائر ومخدّرات، وحتى الإمساك والانقطاع عن الأكل والشرب أيضاً يجعلان البعض يتصرف بسلوك قبيح في بعض الأحيان.

ظاهرة "التْرَمْضينة" هذه ليست قديمة، ظهورها قد يعزى إلى الفراغ الروحي والديني لدى البعض، بحيث يفعلون أفعالاً عدائية تجاه أنفسهم والآخرين أيضاً الذين يتوجّب عليهم أن يلتمسوا أعذاراً وحججاً لأفعال أولئك، وإلّا سيلقون الويل من طرف الصائمين الثائرين والغاضبين الذين حينما يكونون في حالة صوم لا يكترثون لأقوالهم وأفعالهم، وذلك لشدّة انقطاعهم عن التدخين وغيره من أنواعه المضرّة التي يدمنون عليها خلال الأيام العادية.

أمّا قديماً فلم يكن لهذه الظاهرة وجود أو بروز بسبب أن الوازع الديني آنذاك كان حاضراً بقوة، بينما الآن قد طرأ على المجتمع المغربي عدّة تغييرات جذرية في بنيته وتركيبته التي مسّت تديّنه بجلاء.


لكن هذا المُنقطع أو المُدمن عن التدخين لا يبقى على مدار النّهار وهو يستشيط من عباد الله في الشوارع والفضاءات العامّة أو حتى في البيت مع أولاده وزوجته، فعند أذان المغرب يتحوّل المنقطعون من أشخاص عصبيين إلى آخرين هادئين ووديعين، لأن ساعتها يكونون قد تناولوا فطورهم وسجائرهم، لا سيّما أن بعضهم يفضّل تعجيل فطوره وذلك بتناول السّيجارة على الطعام، وهؤلاء يكون الإدمان بالنسبة إليهم بلغ مبلغه وبسط سلطته عليهم بشكل فادح.

في بعض الأحيان تنتُج عن "القَطْعة" أو "التْرمْضينة" أفعال خطيرة تؤدي إلى مكانين، إمّا السجن أو المقبرة، فالأشخاص الذين يعزون غضبهم إلى الصوم يكونون بمثابة قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة، كما أنهم سريعو الغضب، فلا يمكنك أن تتنبّأ بسلوكاتهم المفاجئة، وهذه الظاهرة تستفحل بشكل جلي في السّويقات الشعبية التي يقصدها الناس من أجل ابتياع حاجيتهم الغذائية، لا سيّما من طرف بعض الباعة، ويصير الزبون هنا أمام ساحة للعراك والشجار التي تُستعمل خلالها القواميس النّابية وأيضاً الأسلحة البيضاء وهلم شراً..، فإذا كانت الشياطين تُصفّد خلال رمضان، فهناك عفاريت آدمية يُفك أسرها أثناء هذا الشهر حيث تُنغّص على الناس صيامهم بهذه الأفعال السمجة التي تُمسَح في الصوم.

كما أنّ الغضب الرمضاني للبعض يستشري في ملاعب الأحياء الشعبية، أثناء دوريات كرة القدم التي تُنظَّم في الشهر الفضيل، فبعض المباريات يختلط فيها الحابل بالنابل ويصبح فيها الواقعُ أرضاً أكثر من القائم، حيث يصبح الملعب كأنه ساحة الوغى.

الأمرُ ليس سهلاً، فتناول التدخين أو الكحول بشكل مستمر يَحدث عنه إدمانٌ خطير، الشيء الذي يصعب على المدمن الصائم أن يأمنَ بوائقه خلال شهر الصيام، لكن هذه ليست ذريعة أو مبرّراً لبعضهم لكي يتصرّف بسلوكات مُشينة وسيّئة من شأنها أن تُفسد وتُبطل صيامه، خاصّة أن هناك عُرْفاً يتّبعه المدمنون المغاربة، إذ يقول هذا التقليد بعدم تناول الكحول والشراب خلال أربعين يوماً التي تتبقى عن رمضان، وذلك استعداداً وتدريباً نفسياً على الصوم وكذلك احترام قدسيّة الشهر المبارك، والذي يَنتهك هذه الحرمة يتعرّض للمصائب والدواهي، وهذا النّاموس الديني الذي يَنهى الناس بمثابة قانون وضعي متعارف عليه، لا سيّما عند أولئك المدمنين الذين يعتبرون رمضان شهراً عصيباً يؤرّق مضجعهم ويُثقل كواهلهم، فهو عبارة عن ضيف ثقيل يحلّ عليهم.

وهناك بعض الناس من غير مدمني السجائر والكحول نراهم أيضاً في حالة حنق خلال نهار الصوم، لكنْ ثمّة بون كبير بين "نرفزتهم" وبين انفعال المدمنين الآخرين، وهؤلاء قد يعزى سبب غضبهم إلى الإمساك عن الطعام والشرب فقط، وهذا ما يثير حفيظتهم، لأن الجوع يفعل بهم الأفاعيل، خصوصاً في الهزيع الأخير من يوم الصوم بحيث تكون قدرتهم وطاقتهم توشك على النفاد والانقضاء، الشيء الذي يجعل سلوكهم غير سوي مع الغير، وهذا ما يترك البعض منهم يختار الإجازة والعطلة في شهر رمضان، درءاً لمواجهة زملاء العمل بوجه قمطرير، خاصّة إذا كانوا موظفين طبعا، أمّا إذا كانوا عاطلين عن العمل فيقضون صيامهم في الفراش لكي يتّقوا شرّ سلوكهم.

مهما يكن من أمر فـ"التْرَمْضينة" هي ظاهرة موسمية تتكرّر في كل عام، ولا يمكنها أن تظهر سوى في رمضان، حيث يقضي أصحابها أياماً وهم في حالة عدائية وعبوس وقلق يلازمهم طيلة شهر كامل، ويطلق على الشخص الغاضب لقب "مْرَمْضنْ" أو"مَقطوعْ"، وحينما يأفلُ رمضان تختفي وتتوارى هذه الألقاب وتنتهي "التْرَمْضينة" ضاربةً الموعد إلى رمضان الذي يليه.
C05B7C00-9625-436F-8731-452E6AE23884
عبد الجليل شرفاوي

حاصل على شهادة البكالوريوس تخصص علم الاجتماع من جامعة محمد الخامس بالرباط.

مدونات أخرى