سلطة القارئ

سلطة القارئ

09 يونيو 2015
غرافيتي في نيويورك
+ الخط -

تصلني كغيري من الكتّاب رسائل من القرّاء عن طريق البريد الإلكتروني وفايسبوك وتويتر. بعضهم يكتفي بالمجاملة والبعض الآخر على العكس تماما يوجّه نقداً ويطرح أسئلة ويطلب استفسارات عن حبكة الرواية والشخصيات،ويسعى إلى فتح نقاش جدى حول الكثير من التفاصيل.

ولعل أجمل رسالة تلقيتها كانت من طفل إيطالي لا يتجاوز عمره الثانية عشرة، استنجد بي لمساعدته في كتابة الواجب المدرسي. أخبرني أن معلّمته أعطته إحدى رواياتي لقراءتها كفرصة أخيرة حتى يتجنّب الرسوب. قرّر الاتصال بي عندما عثر على موقعي في الانترنت ووجد عنواني الإلكتروني. قال إنه لم يرغب في المخاطرة بمستقبله، لذلك فضّل إتاحة الفرصة للكاتب نفسه حتى يجيب عن أسئلة تتعلق بعمل أدبي نسجه من تجربته وخياله. ضحكت من الرسالة في بداية الأمر ثم قررت الإجابة على أسئلته ليس فقط من باب المساعدة ولكن في إطار تحمّل مسؤولياتي تجاه القارئ.

قلبت تكنولوجيا الاتصالات، خصوصاً الانترنت، علاقة الكتّاب والمبدعين بالجمهور رأسا على عقب،وبات باستطاعة القارئ اليوم الوصول إلى الكاتب ومحاورته بطريقة مباشرة ولكن بشرط واحد هو إقناعه على بالرد على الأسئلة والاستفسارات. الكثير من القرّاء ينجحون في هذه العملية لأنهم قادرون على إثباث أنهم قرأوا العمل ليس مرة واحدة ولكن مرّات عديدة ويقدّمون ملاحظات عميقة ومدهشة. في المقابل، هناك صحفيون يكتفون بقراءة الغلاف ويطرحون نفس الأسئلة على كتّاب مختلفين. الجهد بيّن والكسل بيّن.

لم يعد القارئ مجرد متلق سلبي ليس له صوت، اليوم يمكنه الترويج لعمل أعجبه كما باستطاعته التعبير عن عدم رضاه وخيبته من أعمال أخرى. نستطيع أن نتلمس تنامي سلطة القرّاء بسهولة أيضا خلال الندوات والملتقيات. هناك صديق كاتب إيطالي اسمه ماسيمو كارلوتو، وهو من الروائيين الإيطاليين والأوروبيين البارزين في كتابة الرواية الإجرامية. كتب العديد من الروايات بفضل اقتراحات وتوجيهات القراء. كثيرا ما تصله طلبات لارسال بطله المتسلسل (ماركو بوراتي) للتحقيق في جرائم حقيقية. في إحدى المرات، اتصل به رجل من ميلانو وطلب منه كتابة رواية حول زوجته التي أُتهمت بجريمة قتل وهو مقتنع ببراءتها.

من حق القارئ الذي يشترى نسخة من رواية لكاتب معين دون غيره ويخصص وقتا لقراءتها أن يكون دوره تفاعلياً وليس سلبياً. مع ذلك، هناك تخوف مشروع من تغوّل بعض القرّاء كما حدث مع بطل رواية ستيفن كينغ "ميزيري" حيث يصبح الكاتب أسيرا أو رهينة عند القارئ. ما يهم حقا هو فتح باب الحوار الجدي على مصراعية ومحاولة إغناءالكتابة بروافد جديدة.


* روائي وأنثروبولوجي جزائري مقيم في نيويورك

المساهمون