سلامة المباني في لبنان...منازل قديمة مهددة بالسقوط بأي لحظة

"سلامة المباني" في لبنان...ثغرات في تطبيق المرسوم تهدد حياة قاطني المنازل القديمة

30 يناير 2019
البلديات عليها تحديد الأبنية المهدّدة بالسقوط (العربي الجديد)
+ الخط -
غادر الصحافي اللبناني محمد قدوح وعائلته شقّتهم في منطقة المصيطبة ببيروت في 18 يناير/ كانون الثاني 2012، بعدما بات المبنى الذي شُيّد في الثمانينيّات مُهدّداً بالسقوط وغير صالح للسكن، نتيجة ما يعانيه من تصدّع في أساساته، هو ومبنيان آخران إلى جواره، الأمر الذي يشكل خطورة على قاطنيها، خاصة في حال وقوع زلزال أو هزة أرضيّة، وهو ما يخشاه رئيس اتحاد المهندسين اللبنانيين النقيب المعمار جاد تابت، الذي يحذر من وقوع كارثة وطنيّة في المدن والبلدات الساحليّة الممتدة من صور إلى طرابلس كثيفة السكان في حال ضربت البلاد هزة أرضية كبيرة، خاصة أن 80% من المباني في لبنان معرضة للسقوط في حال ضرب البلد زلزال بقوّة ستّ درجات على مقياس رختر وما فوق، بحسب تأكيد رئيس جمعية شبكة سلامة المباني يوسف عزام لـ"العربي الجديد".

ويوجد أربعة آلاف مبنى مهدد بالسقوط في طرابلس الشماليّة وزحلة البقاعيّة وصيدا الجنوبيّة، وحوالي أحد عشر ألف مبنى في بيروت وضواحيها، وألف مبنى تقريباً في محافظة جبل لبنان، وفق أحدث إحصاء لجغرافية المباني المهددة بالسقوط، بحسب عزام، الذي لفت إلى أن أكثر من ستين في المئة من السكان يقطنون في مبان قديمة تعود لما قبل العام 1980، وأكثرها في العاصمة، إذ إنّ 25% من مباني بيروت يزيد عمرها على 50 عاماً.



معايير البناء

في 11 مارس/ آذار 2005، صدر المرسوم رقم 14293 والذي عدّل في السّابع من إبريل/ نيسان 2012 برقم 7964 المتعلّق بشروط تأمين السلامة العامّة في الأبنية والمنشآت وفي تجهيزات المصاعد والوقاية من الحريق والزلازل، كما يقول عزام، مشيرا إلى أن "المرسوم أتى متأخراً ولم يشمل المباني القديمة".

ورتّب المرسوم المباني التي تدخل في التدقيق الفني على ثلاث فئات، وفق روزنامة بدأت بالمباني ذات القياس العالي (فوق الـ50 مترا)، تلتها المباني بارتفاع 35 متراً، ثم المباني بطول 20 متراً، وفق ما قاله المهندس راشد سركيس، نائب رئيس الجمعية اللبنانية للحد من أخطار الزلازل (المهتمة بتشجيع ودعم التدابير اللازمة للوصول إلى الحماية من أخطار الزلازل).


لكن المرسوم لم يطبق بعد صدوره دفعة واحدة على كل الأبنية، خصوصا تلك التي تشيد من جديد، وإنما تم تقسيمه على مراحل من 2012، حتى 2016، ليشمل بذلك كافة المباني المشيدة حديثاً، وتم تقسيمها كل سنتين بحسب الارتفاع، ومن هنا ضبط تطبيق هذا المرسوم من خلال تصنيف عدة مكاتب تدقيق فني تتابع كلّ منها عمليّة التشييد، بدءاً بالخرائط إلى مرحلة السكن، وتقوم بعملية الإشراف بما يتعلق بالحماية من الزلازل وكل ما يتعلق بأمور السلامة العامة، بحسب نقيب المهندسين في طرابلس والشمال بسام زيادة، الذي قال: "لدينا لجان نتابع من خلالها عمل هذه المكاتب ورقابتها بالتعاون مع نقابة المهندسين في بيروت، لناحية طريقة عملها وقبولها للملفات الهندسية".


ويؤكد الدكتور في قسم الهندسة المدنية بجامعة البلمند، التابعة لبطريركية إنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، حكمت زيربه، أن نقابة المهندسين تعطي توجيهات للبلديات بالالتزام بالمعايير، لأنها هي التي تمنح رخص البناء، وتملك النقابة أجهزة المراقبة، في حين تتولى البلدية أمور التنفيذ، والمبنى الملتزم بالمرسوم والمعايير خلال مرحلتي التحضير والتنفيذ لن يتأثر في حال حصول زلزال، إلا إذا كان أكبر من المتوقع، مضيفا أن درجة الزلازل تحدّد بمؤشر رختر ومقياسه من 1 إلى 10 درجات، ويأتي لبنان ضمن معدّل 2.5، 3، 4 درجات بحد أقصى، الأمر الذي لا يسبب أضراراً في حال كانت المباني مدعمة جيداً بالباطون المسلح ومقاومة للزلازل.



مبان مهددة بالسقوط

على الرغم من امتلاك بلدية بيروت جهازاً هندسيّاً يكشف على الأبنية القديمة، عبر عمليّة المسح، إلا أن الإشكاليّة تقع على صاحب البناية عند اكتشاف كونها معرّضة للسقوط، إذ عليه أن يكلّف شركة لإجراء دراسة بشأنها، ويتحمل كلفة الأشغال المطلوبة، وتقع على المهندس المخالف أيضا، بحسب المعمار تابت.

وجرت عملية مسح لـ400 مبنى، بحسب عزام، لكن العمل توقف كما يقول، "بسبب عدم قدرة البلدية على تأمين كلفة المسوحات، التي تصل بحدها الأدنى إلى ثلاثة آلاف دولار أميركي"، وفق ما قاله رئيس اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية لبيروت محمد درغام، مضيفا أن إعداد تقرير محدد لأي مبنى يكلف ما يصل إلى ألفي دولار أميركي، ما عدا جدول الكميات والخرائط الإنشائية، الأمر الذي يعيق بلدية بيروت أو غيرها من البلديات عن إجراء عمليات المسح وتأمين المهندسين المتخصصين للكشف والترميم، رغم وجود مئة مبنى مهدد بالسقوط في الضاحية، كما يقول.



ويشدد المهندس زيادة على ضرورة أن تكون البلديات على بيّنة بالأبنية المهدّدة بالسقوط، للتدخّل سريعاً قبل وقوع الكارثة، قائلا: "علينا أن نحرص على التقيّد بالمرسوم وتطبيقه عبر نقابة المهندسين، خاصة لدى إعادة تأهيل المباني، لتأمين تحقق مبادئ السلامة العامة"، رغم أن المرسوم المعدل، بنظره، ليس مثاليّاً، بسبب التطور على صعيد الأبنية والأجهزة داخلها، وبالتالي يجب أن تكون المراسيم منسجمة مع التطور الدائم.


ويؤكد تابت على عدم وجود وثيقة حكومية بعدد المخالفات التي جرت للمرسوم الصادر في 2005 والمعدل في 2012 حتى الآن، بيد أنّ 95% من الأبنية القديمة لم تُبنَ وفقا لمعايير مقاومة الزلازل، وهي غير مراقبة، إلا في حال إضافة طابق جديد عليها، عندها يجب الالتزام بالدراسة التي تُعدّها مكاتب التدقيق الفنيّة في رخص البناء التابعة للتنظيم المدني، وتشرف عليها، على أن تلتزم الأبنية الجديدة بمعايير المرسوم، لتحصل على رخصة البناء، كما يقول، لكنه يؤكد أن الثغرة الأساسية في المرسوم أنه بقي مجتزأً، موضحا أن موضوع الأبنية القائمة قبل المرسوم لا يزال عالقاً، ومن ضمنها المباني الحكوميّة والمؤسّسات العامّة.

تهديد زلزالي

عرف لبنان هزات أرضيّة كثيرة، لكن الزلزال الأعنف كان في 16 مارس/ آذار 1956، حيث ضرب مناطق جزين، صيدا والشوف ومناطق بقاعيّة بقوة 6 درجات، بعدما حصل على فالق روم المتفرع من فالق اليمونة، ونتج عنه مقتل حوالي 140 مواطنا، وأكثر من 500 جريح ودمّر العديد من الأبنية والبيوت والبنى التحتيّة.

وفي الرابع من يوليو/ تموز 2018، ضربت لبنان هزّة أرضيّة بقوّة 4.3 درجات على مقياس رختر، من دون أن تسجل أية أضرار بشرية أو مادية، الأمر الذي دفع اللبنانيين إلى القلق من تكرار تاريخ دمويّ ومدمّر، خصوصاً أنّ المركز الوطني للجيوفيزياء ("بحنس")، التابع للمركز الوطني للبحوث العلمية، يسجّل سنوياً حوالي 600 هزة أرضيّة، وبين 45 إلى 60 هزة شهرياً، تقل قوّتها عن ثلاث درجات على مقياس رختر.


وحصل الحدث الزلزالي الأخير على فالق المشرق الذي يمتد من البحر الأحمر، مروراً بلبنان وسورية وتركيا، وهو يفصل الصفيحة العربيّة شرقاً عن تلك الأفريقيّة غرباً، وهذا أمر طبيعي، وسبق أن تم رصده في عام 2008. حينها حصلت ألف هزّة تقريباً خلال أربعة أشهر وكانت فوق الأربع درجات، بحسب تأكيد المسؤول عن شبكة الرصد الزلزالي في المركز الوطني للبحوث العلمية رشيد جمعة، الذي زوّد "العربي الجديد"، بخريطة تظهر النشاط الزلزالي المسجل في شبكة الرصد الزلزالي اللبنانية بين عامي 2006 و2016، والفوالق الأساسيّة في لبنان والمنطقة المجاورة له، حيث يتبين من خلال الخريطة أنّ المنطقة الواقعة جنوب مدينة بيروت أكثر نشاطاً من المنطقة الواقعة شمالها، باستثناء الحركة المسجلة بحراً بين بيروت وجبيل.

ويظهر عدد من الزلازل بشكل خط يمتد بين منطقتي ضهر البيدر والدامور، وقعت عليه هزة عام 1983، وهزتان في عام 1997، وسجلت في الفترة المبينة على الخريطة أزمتان زلزاليتان، الأولى في البحر قبالة مدينة جبيل في ربيع 2006، والثانية في جنوب لبنان عام 2008، كما يقول جمعة.



المرسوم لا يستثني المباني الصغيرة

يقول الدكتور زيربه: "لا استثناء بين المبنى الصغير أو الكبير حيال تطبيق المرسوم، مع العلم أنّ المباني الكبيرة التي تفوق خمسة طوابق، تعدّ مُهدّدة أكثر من المباني الصغيرة، على اعتبار أن الأخيرة ذات وزن أخفّ، وتتعلق شدّة تأثير الزلازل بعدّة عوامل، منها مقدار درجة الزلازل والعمق البؤري والبعد عن المركز السطحي وطبيعة تربة الموقع وجيولوجية المنطقة، الأمر الذي يتطلب اعتماد مبانٍ مصممة لمقاومة الهزات الأرضية لكي تخفف من مخاطر الزلازل، كما يقول زيربه، مشيراً إلى أنّ الدراسات والمعايير العالميّة تؤكد أن الضربات تعتمد على سعة اهتزاز القشرة الأرضية، وتسارعها على الصدوع، والتشققات الأرضية، وعلى احتمال ذوبان تربة الأساسات في حالة التربة الرملية، أو الانزلاقات الأرضية في حالة الأراضي شديدة الانحدار، من هنا يجب ألا تقام المنشآت على صدوع جيولوجية، كما يقول.


لكن المهندس سركيس يحمل كل مالك عقار قام بتشييد بناء على أرضه دون تطبيق المرسوم، مسؤولية الضرر الذي قد يلحق بالآخرين مهما تهرّب، إذ إنّ القانون حدّد أو ربط المسؤوليّة بالمالك، وفق المادة 18 (منظر الأبنية ومتانتها) من قانون البناء رقم 646 لسنة 1983 التي تنظم العلاقة بين المالك والشاغل والإدارة والبلدية.