سلاح الشائعات(2-2).. سيناريوهات وهميّة لعمليات عنف قبل ذكرى الثورة

سلاح الشائعات(2-2).. سيناريوهات وهميّة لعمليات عنف قبل ذكرى الثورة

30 يوليو 2015
تسريبات مكتب السيسي تكشف كيف يتم توجيه الإعلام المصري
+ الخط -

ركزت استمارة حركة "تمرد" التي وزعت على المصريين للتوقيع عليها، استعداداً للتظاهر يوم 30 يونيو/ حزيران 2013 على فشل مرسي في تحقيق وعوده في مجالات الأمن والأسعار واستعادة حق الشهداء والملفات الخدمية الأخرى، بالإضافة إلى الانهيار الاقتصادي والتبعية للولايات المتحدة واستجداء معونات خارجية من دول أجنبية، على حد قول الحركة.

لكن جزءاً لا بأس به من المتظاهرين في ذلك اليوم، نزلوا وفي أذهانهم أجزاء من الشائعات الأخرى التي طالت مرسي، كما وثّق الجزء الأول من التحقيق، وبالتالي كانوا يعتبرون أنفسهم في مهمة من أجل تخليص مصر من خطر الإخوان، الذي يعد أولوية لديهم في سياق رحيل مرسي لفشله.

كانت المعضلة الأساسية التي تواجه القائمين على الانقلاب بعد عزل مرسي هي استمرار التردي في كافة الملفات الاقتصادية، خاصة في ما يتعلق بالأسعار والخدمات ورغيف الخبز والمرور، بل ساءت الأحوال أكثر وبدأ الناس يشتكون من سوء أحوالهم.

هنا كانت الحاجة ماسة لتذكيرهم بالشائعات القديمة حول مرسي والإخوان، وإعادة ترسيخها من جديد، وابتكار شائعات أخرى تتناسب مع المرحلة الجديدة، وهي ثيمة هذه المرحلة، كما يوثّق رصد "العربي الجديد" لشائعات هذه الفترة، إذ استمر الإعلام في ترديد شائعات مركزية (تبدو كما لو أنها خرجت من مصدر واحد)، بحق مرسي وجماعة الإخوان، لتذكير المصريين دائماً بأنهم كانوا يواجهون جماعة إرهابية تستهدف تخريب البلاد، وطالبت وسائل الإعلام الحكومة بإعلان الإخوان جماعة إرهابية قبل الإعلان الفعلي بوقت طويل، وتم تطوير الشائعات للربط بين الإخوان وتنظيم القاعدة وداعش، ونشرت صحيفة تفريغات لمكالمات مزعومة بين مرسي وأيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة، لكنها لم تقدم أي تسجيل صوتي يثبت هذه المكالمات.

تم الربط دائماً بين عمليات جماعة أنصار بيت المقدس في سيناء والإخوان. وقبل أي موعد للتظاهرات المعارضة للانقلاب، دأبت الصحف على نشر سيناريوهات وهمية لعمليات عنف تخطط لها جماعة الإخوان، لتخويف الجمهور من النزول في ذلك الوقت، وتحريضهم على التصدي للتظاهرات المعارضة. ونشرت هذه السيناريوهات بانتظام قبل أي ذكرى من ذكريات الثورة.

على جانب آخر، قام الإعلام بعكس السياسة التي قام بها مع مرسي عند مرور العام الأول من حكم السيسي، فمن الهجوم على مرسي بسبب فشله إلى الإشادة المستمرة بالسيسي في نفس الملفات التي تم الهجوم فيها على مرسي، وتم التنويه بالمشروعات الكبرى التي تم تدشينها، ونشرت الصحف ما سمتها "إنجازات السيسي" على عدة أجزاء للإيحاء بكثرتها، واحتوت على أشياء مثل التقاط السيسي لصورة "سيلفي" مع الشباب باعتبارها إنجازاً. بل وقال أحد إعلاميي الانقلاب إنه "ليس من العدل أن نحاسب السيسي بعد عام واحد فقط من حكمه"، عكس ما حدث مع مرسي!

وقال عمرو أديب بوضوح إن المعترضين على السيسي ينبغي عليهم الانتظار حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة لانتخاب رجل آخر، كما خاطب السيسي في حلقة أخرى من برنامجه معترضاً على تصريح للأخير يقول فيه إنه مستعد للرحيل إذا كانت هناك اعتراضات كثيرة عليه، مؤكداً أن ذلك لا ينبغي أن يكون، وأنه يجب الانتظار لمدة 4 سنوات كاملة حتى يمكن الحديث عن رحيل السيسي من عدمه.

أيضاً اعتمد الإعلام على العديد من الثيمات والشائعات الإعلامية الأخرى، وهي:

- توجيه اللوم إلى الشعب وليس إلى السيسي، وأنه لا يجب محاسبة السيسي بعد عام واحد من حكمه، بل يجب محاسبة الشعب. وأن من لا يعجبه الوضع عليه أن يترك البلاد ويبحث عن دولة أخرى يعيش بها.

- التحذير من رحيل السيسي، والفوضى التي ستنتشر نتيجة لذلك، لدرجة أن مصر ستصبح مثل سورية والعراق.

- التقليل من طموحات الشعب، ودعوته إلى الصبر، والحديث بأن الفترة القادمة ستكون صعبة، لذلك يجب ترشيد الاستهلاك وتحمُّل الأوضاع الحالية إلى أن تتحسن.

ويرى الشاب علي خفاجي، أمين شباب حزب الحرية والعدالة بالجيزة وعضو جماعة الإخوان المسلمين، أن جميع الاتهامات والشائعات التي وجّهت ضد مرسي تم تنفيذها فعلياً في عهد السيسي، إذ تم التخلي عن حقوق مصر في ما يتعلق بقضية سد النهضة، واعترف السيسي نفسه أن الإثيوبيين كانوا قلقين من تعامل مرسي الصلب مع الأزمة، كما تم توقيع اتفاقية غامضة مع السودان وإثيوبيا حول مياه النيل، وتم السماح للأجانب بتملّك الأراضي في سيناء ومشروع قناة السويس الجديدة. وكشفت تسريبات مكتب السيسي عن قيام مدير مكتبه اللواء عباس كامل بتسريب نتيجة اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة قبل انعقاده، في ما يعد عملية تخابر مكتملة الأركان. لكن الإعلام قام بالتعتيم على هذه الأخبار تماماً.

أما في ما يتعلق بباقي الشائعات، فيقول عنها خفاجي "تمت عسكرة الدولة بشكل شبه كامل، ولم يتحدث أحد ممّن كانوا يتهمون مرسي بأخونة الدولة، وظهر أولاد السيسي بصحبته في مناسبات عديدة، وأصبحوا يشغلون مناصب مهمة في الدولة، حتى أن الدولة لفقت لعبد الله مرسي (نجل مرسي الأصغر) تهمة وزجت به في السجن".

أما العلاقة مع إسرائيل، فقد تجاهل الإعلام المصري الدفاع المستميت لإسرائيل عن السيسي، والإشادة الدائمة به في الإعلام الإسرائيلي، وتم تجاهل الخطاب الذي وجهه السيسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، يشكره فيه على تهنئته "الدافئة" له بمناسبة فوزه بالانتخابات الرئاسية عام 2014، من نفس الإعلام والإعلاميين الذين هاجموا مرسي على رسالة من وزارة الخارجية في عهده إلى الرئيس الإسرائيلي، بيريز، لاختيار السفير عاطف محمد سالم سيد الأهل، ليكون سفيراً فوق العادة في إسرائيل.

ويؤكد الدكتور أحمد سمير، أستاذ الإعلام في جامعة الأزهر، أن "الإعلام المصري الآن يتغاضى عن الكثير من الوقائع التي كان يركز على انتقادها، وليست الشائعات فحسب في ظل النظام الحالي، ويتجاهل رصدها وذكرها حتى لا تؤثر على الرأي العام وتؤدي إلى تغيير المزاج الشعبي في الوقت الراهن، وركز على كل ما هو إيجابي فقط دون تناول أي شيء سلبي قد يؤثر على مسار القيادة الحالية".

وكانت تسريبات مكتب السيسي، خاصة تلك التي كشفت عن كيفية توجيه الإعلاميين لتناول موضوعات بعينها، قد كشفت عن المصدر الحقيقي وراء الشائعات والهجمات الإعلامية ضد مرسي والإخوان، وهو السيسي نفسه بشكل خاص، والأجهزة الأمنية والثورة المضادة بشكل عام، ولذلك كان من الطبيعي أن تتحول هذه الشائعات إلى قضايا يحاكم أمامها مرسي حالياً، خاصة قضايا التخابر مع حماس والتخابر مع قطر والهروب من سجن وادي النطرون. أي أن 3 من أصل 4 قضايا يحاكم فيها مرسي كان يعمل عليها الإعلام منذ وجود مرسي في مقعد الرئاسة. وهو ما يدل على الدور الخطير الذي لعبه الإعلام في إسقاط أول رئيس مدني منتخب.

اقرأ أيضاً: سلاح الشائعات (1-2).. في خدمة السيسي قبل الانقلاب وبعده

كيف نجحت الشائعات؟

"لا يوجد حتى الآن جهاز حاكم لأداء الإعلام في مصر، وغياب القواعد المهنية هو ما فتح المجال أمام حالة عبثية وقت مرسي وفي الوقت الحالي"، هكذا يرى الدكتور صفوت العالم، أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة، أصل المشكلة، مشيراً إلى أن الجمهور المصري يتعامل مع الشائعات حسب ما يرى وحسب ما يؤيد وما يميل له، وتصديقها يعتمد على المزاج الشخصي، وبالتالي فإن الشائعات وجدت أرضاً خصبة لانتشارها لوجود مناخ مهيّأ لذلك، كما أن الفضائيات لعبت دوراً سلبياً كذلك في تغذية حالة الشحن في الشارع المصري في عهد مرسي وما بعده أيضاً.

أما الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية، فيرى أن اقتناع الجمهور المصري بالشائعات بوجه عام يأتي حسب ما يريد وما يؤيده وما يميل له، ولكن الإعلام المصري قادر على توجيه الرأي العام حسب الموجة العامة، والمشاهد والقارئ المصري يستطيع تصديق الشائعات التي يتم إطلاقها من قبل الإعلام إذا كان مؤيداً للطرف صاحب الشائعة، دون أي تفكير حتى لو تم تحقيق الشائعة في ما بعد.

وأوضح نافعة أن السياسة تستغل الإعلام كثيراً في توجيه الرأي العام حسب ما ترى وما تريد، وانتشار الشائعات يكون بهدف تحقيق أهداف محددة ويتم السعي لتحقيقها حتى يتحقق الغرض منها.

كما أشار نافعة إلى أن الشائعات ما زالت تحدث في العهد الحالي وفي وقت مرسي أيضاً، ولكن تصديقها من قبل الجمهور متفاوت حسب الرأي العام والاتجاه الشعبي.

اعترافات السيسي ورجاله

تحدث السيسي وعدد من رجال نظامه بوضوح عن نظرتهم إلى مرسي والإخوان، اعتماداً على الشائعات التي أطلقوها بحقهم، وكيف يستخدمونها في الوقت الراهن، إذ اعترف نبيل فهمي، وزير الخارجية بعد الانقلاب، في لقاء مع قناة "روسيا اليوم" في سبتمبر/ أيلول 2013، بأن المشكلة لم تكن في أداء مرسي من حيث كونه جيداً أم سيئاً، وأنه حتى لو كان فاشلاً فإنه كان يمكن الانتظار لـ3 أعوام أخرى والإطاحة به عبر الانتخابات، لكن المشكلة أنه أراد "تغيير وجه مصر".

أما السيسي نفسه، فحرص أكثر من مرة على توجيه هذه الرسائل منذ بداية حكمه، إذ أكد في خطابه في السابع من يوليو/ تموز 2014 أنه يحتاج إلى سنتين على الأقل من "العمل الجاد" حتى يمكن محاسبته بعدها، في إشارة واضحة لعدم إمكانية محاسبته بعد عام أو أقل كما حدث مع مرسي.

وكرر السيسي نفس الرسالة في خطابه بمناسبة عيد الفلاح في سبتمبر 2014، داعياً إلى العمل لمدة عامين وبعدها يمكن أن يبدأ الحساب. وكان لافتاً تأكيده في نفس الخطاب أنه لا يوجد شيء اسمه "تغيير النظام" كل فترة، وأن "المصريين هم من سيمنعون تلك المحاولات".

أما الرسالة الأوضح فكانت في لقاء له مع رؤساء تحرير الصحف المصرية بتاريخ 24 أغسطس/ آب 2014، إذ قال إن المصريين لم يثوروا على مرسي بسبب انقطاع الكهرباء والفشل في تحسين حياتهم، بل بسبب سياسته التي كانت تقوم على "تغيير هوية الدولة المصرية وأخذها في اتجاه مضاد للأهداف التي احتشد المصريون من أجلها"، على حد قوله.

لكن الإعلام كالعادة لم يصبر لمدة عامين كما طلب السيسي، بل استبق هذه المدة وأشاد بالعام الأول للسيسي وما تحقق فيه من "إنجازات".

قد يبدو هذا الحديث متناقضاً مع ما قام به نفس الإعلاميين في عهد مرسي، لكنه في الحقيقة يعتمد على ما تم بثه من شائعات ضد الأخير، تجعله لا يدخل في مقارنة مع السيسي. إذ إن السيسي وفقاً لهؤلاء الإعلاميين رجل وطني خلّص البلاد من خطر داهم يتمثل في مرسي والإسلاميين الذين كانوا يريدون بيع البلاد وتفكيك الجيش وإدخالها في دوامة من الحرب الأهلية، وبالتالي يجب الحديث معه على هذا الأساس وإعطاء الفرصة كاملة له حتى لو كان هناك تقصير فادح في الملفات الخدمية، لأن مرسي "الجاسوس المتخابر العميل" لم يتم عزله لهذه الأسباب، بل لأسباب أخطر بكثير.

وقد اعترف أحد هؤلاء الإعلاميين، خالد أبو بكر، بهذا الأمر عندما أكد أنه لا توجد أي موضوعية في تعامل الإعلام مع السيسي، وأنهم بالفعل يتجاهلون الكثير من السلبيات في عهد السيسي رغم الهجوم الشديد على مرسي في نفس الموضوعات، مُرجعاً سبب ذلك إلى أنهم كانوا "لا يطيقون مرسي"، لأنه حسب قوله "لا يعمل لمصلحة مصر وإنما لمصلحة جماعته عكس السيسي"، وكأنه يؤكد الرسائل التي ثبّتها الإعلام في عقول الجمهور المصري طوال عامين.

أما عن الشائعات بخصوص مرسي والإخوان، فسرعان ما تختفي في تصريحات السيسي لوسائل الإعلام الأجنبية، أو خلال مؤتمراته الصحافية ولقاءاته مع رؤساء الدول، فدائماً ما يؤكد الأخير أن مرسي انتخب بصورة ديمقراطية في انتخابات نزيهة، وأن عزله حدث استجابة للتظاهرات ضده، وأنه لو كان وافق على إجراء استفتاء على بقائه فإنه كان سيساعده في هذا الأمر، مع عدم الحديث مطلقاً عن تخابره المزعوم أو الشائعات التي تم نشرها على المستوى الداخلي.

لكن سرعان ما يعمل الإعلام على احتواء هذه التصريحات، والتأكيد أنها موجهة للخارج فقط لأنهم لا يفهمون المصريين وما قاموا به، ولا يتقبلون "ثورة 30 يونيو".

--------
اقرأ أيضاً:
مصر.."العربي الجديد" يكشف من هو والد قاضي "الرشوة الجنسية"