كرة القدم هي لعبة الغد، والمنافسة التي من المستحيل توقع نتائجها، لذلك يتغير كل شيء من مباراة إلى أخرى، ويتحول حال الفريق الفائز إلى خاسر، إذا لم يُحسن استغلال الظروف، ويفشل في توقع القادم وقراءة المستقبل. لذلك خرج الماتادور الإسباني من الكأس العالمية رغم فوزه باللقب السابق، وأصبح صعود المنتخب المصري إلى بطولة أفريقيا أمراً صعباً وعسيراً، بعد أن كان البطل الذي لا يقهر مدة ثلاث دورات متتالية.
ومن هزيمة الإسبان في التصفيات الأوروبية، وفوز الفراعنة في التصفيات الأفريقية، تأتي اختلافات عديدة بين القارتين، ورغم تباين نتائج المنتخبين، إلا أن المحصلة في النهاية ليست مرضية، والعمل القادم يجب أن يكون أكثر قوة، سواء من الجانب الخاسر أو الفائز.
السقوط مستمر
استمر منتخب إسبانيا في سقوطه المرير، وبعد الخروج التاريخي من كأس العالم الأخير من الدور الأول، تلقى الماتادور هزيمة جديدة ولكن هذه المرة في التصفيات الأوروبية، وأمام فريق سلوفاكيا الذي لم يكن يحلم أبداً بهذه المفاجأة. واتجهت كل الأنظار إلى المدير الفني العجوز، السيد فيستني ديل بوسكي، المدرب الذي سبق أن فاز مع المنتخب بكأس العالم ويورو 2012، وكأن أيام المجد ذهبت بلا عودة، رغم وجود عدد كبير من النجوم في التشكيلة الأساسية.
اختار الشيخ ديل بوسكي، أهل الخبرة واستبعد أصحاب الكفاءة خلال المونديال الأخير، فخسر واستحق السقوط المبكر، لكن هذه المرة حاول الرجل مسك العصا من المنتصف، لأن إسبانيا لعبت ببعض الأسماء الجديدة، لذلك كان كوكي في التشكيلة الأساسية، ودخل خوان فران أساسيّاً، مع إعطاء الأريحية الكاملة لسيسك فابريجاس في مركز صانع اللعب المتقدم خلف المهاجم دييجو كوستا، على طريقة ثنائية تشيلسي الناجحة في الدوري الإنجليزي.
ومع ضخ دماء جديدة، أبى فيستني إكمال لوحة الاستحقاق، وأشرك إيكر كاسياس رغم مستواه العادي جدّاً خلال الآونة الأخيرة، فدخل مرماه هدف سهل، وانتهى شهر العسل الطويل بينه وبين مدرب المنتخب. وبعيداً عن مستوى كاسياس، فإن مشكلة الماتدور أكبر بكثير من مجرد أشخاص، لذلك تبدو مشكلة الفريق واضحة على مستوى اللعب الجماعي، والأداء التكتيكي للطاقم الكامل.
لعب البطل السابق بطريقة لعب 4-2-3-1، وكوّن ثنائي الارتكاز بين كوكي وبوسكيتس، مع وجود سيلفا وإنييستا على الأطراف. تركيبة قوية على الورق، لكنها افتقدت البعد المباشر في المنتصف، وكان على الطاقم الفني التضحية بواحد من النجوم في الثلث الأخير، من أجل إشراك لاعب ارتكاز إضافي، ووضع كوكي على الرواق، حتى يضمن تنوع أوضح على الأطراف وفي العمق.
ورغم كل التغييرات، إلا أن إسبانيا خسرت في النهاية، وفازت سلوفاكيا باستحقاق، لتؤكد المباراة أن الحل ليس في تغيير لاعب بآخر، بل يجب أن يشمل التغيير النظام التكتيكي بكامله، كذلك وجوب بحث الاتحاد الإسباني على مدرب آخر يُكمل المهمة، لأن عصر ديل بوسكي انتهى منذ نهاية المونديال، ولا يستحق فرصة أخرى، لأن الزمان لم يعد زمانه.
عودة الفرعون
رغم الفوز المهم الذي حققه المنتخب المصري على نظيره البتسواني في التصفيات الأفريقية، إلا أن مشوار الفريق ما زال بعيداً عن الوصول إلى الكأس. وابتعد المدير الفني شوقي غريب عن المجاملات، ووضع تشكيلة متوازنة هذه المرة، لذلك لعب سعد سمير ومحمد نجيب في الدفاع، وشارك كلّ من السولية، النني، إبراهيم صلاح في منطقة الارتكاز من الملعب، مع الثلاثي صلاح، سليمان، جمال في الهجوم.
قرر الجهاز الوطني المصري اللعب على المضمون، وحماية مرماه من الهجمات القاتلة، لذلك لعب إبراهيم صلاح كارتكاز متأخر، بينما النني يميل إلى اليمين، والسولية إلى اليسار، وذلك لصناعة نفوذ قوي قي المنتصف أمام خط الدفاع. وكان هذا التحفظ مبالغاً فيه بسبب ميل بتسوانا إلى الدفاع، وعدم رغبة الفريق الصغير في الهجوم كثيراً، فخسر الفراعنة لاعباً إضافيّاً في الثلث الأخير، ولم يجد وليد سليمان الدعم الكافي رفقة لاعب تشيلسي ومهاجم الأهلي الشاب.
قواعد اللعب الفني تؤكد أنه في حالة صعوبة الوصول إلى الشباك بطريقة سليمة ومنظمة، فإن الحل لن يخرج بعيداً عن أمرين، إما الضربات الثابتة والرأسيات، وإما التسديد من بعيد، وقرر النني اختيار الحل الثاني، وسجل هدفاً رائعاً أعاد إلى المنتخب جزءاً بسيطاً من هيبته، وأنقذ المدرب شوقي غريب من العقم الهجومي الكبير، بسبب تمركز معظم لاعبي الوسط في منطقة المنتصف، وغياب اللاعب القادر على مساندة صلاح في الهجوم.
اللمسة الواحدة للاعب في أي منطقة في جسده أثناء اللعب، تعتبر مهمة جداً في التكتيك الحديث، وتصل اللمسة إلى لاعب آخر في وضعية الحركة أو الجري، مما يسمح له أن يأخذ نقطة قوة أمام المدافع الذي يواجهه من الثبات. وهذا ما تحقق في الهدف الثاني، لمسة من عمرو جمال، ولمسة من صلاح، وهدف يُنهي كل شيء ويصل بالمنتخب المصري إلى أول ثلاث نقاط.