سعد أردش في ذكراه: الفن والسلطة والديمقراطية

سعد أردش في ذكراه: الفن والسلطة والديمقراطية

15 يونيو 2020
يُحيل أردش أزمات المسرح إلى غياب الديمقراطية (يوتيوب)
+ الخط -
يقال عن سعد أردش (1924-2008) إنه ابن المسرح السياسي في مصر، إن لم يكن رائده. بدأ حياته الفنية في مخازن سكة الحديد التي كان يعمل بها في مقتبل شبابه، فكان يقدم عروضه المسرحية مع بعض الهواة، وذلك قبل أن يحزم أمتعته ليتخصص في دراسة المسرح ويحصل على بكالوريوس العلوم المسرحية عام 1952. بعدها بقليل، تخرج من كلية الحقوق سنة 1955. ثم كون فرقته الخاصة "المسرح الحر"، لكنه تركها وسافر إلى إيطاليا لدراسة المسرح، ليتشتت أفراد الفرقة، سناء جميل وعبد المنعم مدبولي وإبراهيم سكر وآخرون. عاد إلى مصر سنة 1961 بعد أن حصل على درجة الدكتوراه من الأكاديمية الدولية للمسرح بروما. ثم بدأ رحلته في التدريس والإخراج والتمثيل، وظهر تأثره الكبير بالمسرح الألماني، وخاصة مسرح برتولت بريخت. توفي سعد أردش في 13 يونيو/ حزيران 2008 عن 84 عاماً. تاركاً خلفه تراثاً مكوناً من عشرات الأعمال إخراجاً وتمثيلاً وتأليفاً، قدمها على مدى 40 عاماً من الإبداع. ففي مجال المسرح أمكن أن نرصد له 24 مسرحية قام بإخراجها مثل: "سكة السلامة" و"على جناح التبريزي" و"الشبكة" و"رسائل قاضي أشبيلية"، وغيرها. كما قام بالتمثيل في 112 عملاً درامياً، من بينها مسلسلات: "المال والبنون" و"الناس في كفر عسكر" و"شارع المواردي" و"جمهورية زفتى"، وغيرها.
وتضم مكتبة الراحل العديد من المؤلفات في مجال الفن؛ منها: "المخرج في المسرح المعاصر"، وفي سلسلة مسرحيات عالمية قدم العديد من الأعمال مثل: "خادم سيدين"، "ثلاثية المصيف"، "جريمة في جزيرة الماعز"، "انحراف في مقر العدالة"، "أجويني"، "بياتريس"، و"كارلو جولدوني". كما كان يشغل منصب رئيس قسم الإخراج والتمثيل في معهد التمثيل بالقاهرة، ثم عميداً للمعهد، وحصل على العديد من الجوائز والتكريمات، مثل وسام العلوم والفنون عام 1967 وجائزة الدولة التقديرية في الفنون سنة 1990.

عن تجربته؛ يرى سعد أردش أن الإخراج المسرحي الحديث ليس مجرد عملية فنية، وإنما يتجاوز ذلك إلى جوانب علمية وأدبية وثقافية. فالمخرج يعطي تفسيراً حضارياً لكلمة المؤلف بصورة تخاطب الواقع الحضاري للإنسان المتفرج. وحتى يصل المخرج إلى هذا، لا بد أن يكون قد وصل من خلال دراسته العلمية وتجربته الإنسانية وهَضْم هذه التجربة إلى القدرة على استقراء نص المؤلف بكل ما فيه من سطور وما وراء السطور، ثم تكون لديه القدرة على الترويض والإدارة والتوجيه لهذا الجيش من الفنانين، لكي يقول الكلمة التي يريدها في البداية.

"ليس هناك مسرح دون أن تكون القضية الاجتماعية هي الأساس فيه"، بهذه العبارة يلخص أردش رؤيته الفنية، ويمثل لها من التاريخ بمسرحية "أنتيغون" التي تعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد لليوناني سوفوكليس الذي يتخذ أبطاله من الشخصيات الحاكمة الواقعية، ثم يفجر بينهم حواراً حول التشريع؛ من هو صاحبه؟ وما فلسفته؟ وكيف يجب ألا ينفرد فرد أياً ما كان وضعه السياسي أو مسؤوليته أو مكانته بإصدار التشريع، وأن هذا التشريع يجب ألا يتجاوز حدود التشريعين الإلهي والوضعي. ولذلك كان أردش يصرح بأن المسرح هو المؤسسة التي تمثل البرلمان الثقافي في المجتمع، حيث يتحقق فيه الحوار بين العرض المسرحي وفنانيه والجمهور، وكلما كانت القضية ساخنة، كان هذا العرض ممتعاً ونتائجه أفضل.
والدراما الحقيقية من وجهة نظره هي تلك التي تتخذ من السلطة موقف المكافح المُصر الذي لا يستجيب ولا يستسلم للقهر، أما موقف السلطة من الدراما فهي تقف منها موقف الخوف وعدم الثقة، حيث تريد من الدراما أن تهجر القضايا الاجتماعية والسياسية.

يذهب أردش إلى أن المسرح العربي ورث شكله وإطاره عن المسرح الأوروبي الذي ورثته أوروبا بدورها عن المسرح الإغريقي، ولم يكن عيباً أن نقلده في بعض الفترات، ولا ضير في أن المسرح العربي لا يزال يصب في هذا الإطار؛ ولكن الضير في تقديم مسرح فارغ من دون تطوير، مسرح لا يتحدث عن القضايا الحقيقية للإنسان العربي. وما يراه هو أن الكاتب السوري قد وضع الطَّعْم السوري في مسرحه، وأن الكاتب المصري قد وضع الطعم المصري في مسرحه وهكذا. وهو ما يسميه الطعم المحلي وأنه بعد ثورة يوليو 1952 بدأ ظهور فن قومي، فن يتحدث عن القضية الفلسطينية، فن يتحدث عن القومية العربية، فن يتحدث عن الأخوة العربية، فن يتحدث عن الطاقات الاقتصادية العربية ومدى قدرتها على مواجهة العداءات الخارجية للإنسان العربي، أي أنه أصبح في المسرح العربي فن قومي وطعم قومي. ويُحيل أردش أزمات المسرح إلى غياب الديمقراطية؛ فوجودها يلعب دوراً مهماً في رواج المسرح، كما تلعبه في حرية الصحافة والإعلام. ونحن نرى أنه في البلاد التي فيها قدر من الديمقراطية الصادقة والصريحة، لا يُقَابَل المسرح بأزمات وتوقفات كالتي يقابلها في بلاد لا تتمتع بالديمقراطية.

وفي رده عن سؤال حول إقبال الجمهور على المسرح التجاري، وما يتضمنه في كثير من الأحيان على فنٍ هابط، يجيب سعد أردش بأنه حين ينعدم الفن، وحين يفقد الإنسان المُعاصِر صبره عند مشاهدته لعمل فني فيه جرعة كبيرة من الشعر، وحين تنعدم الروابط بينه وبين العمل الفني، فلا شك أنه سيتجه إلى المتعة البعيدة عن بناء الوجدان وبناء الإنسان، وبالضرورة سيتجه إلى الفن الهابط. مشيراً إلى أن الإنسان العربي انتقل بسرعة كبيرة جداً في سبعينيات القرن الماضي إلى الحياة المعاصرة المعقدة السريعة اللاهثة وراء الأرباح المادية الكبيرة، ووراء تكوين حياة مرفهة. ومن الطبيعي أن يُسقط هذا الإنسان المرفه من برنامجه حضور مسرحية لشكسبير أو غيره، ويبحث عن مكان يجلس فيه جلسة استهلاكية يستمتع فيها برقصة أو ضحكة.

دلالات

المساهمون