سد النهضة... أي مستقبل ينتظره المصريون (الأخيرة)

سد النهضة... أي مستقبل ينتظره المصريون (الأخيرة)

04 يونيو 2020
+ الخط -
توقفنا عند تحركات الكيان الصهيوني، نكمل مع الدول الأخرى، بالإضافة إلى الكيان ترتبط مصالح الدول الصاعدة في القرن الأفريقي بمصالح عدة دول، ومن أبرزها "الصين"، والتغلغل الصيني في أفريقيا ليس بأقل من الكيان، فمنذ مدة والصين ترسل البعثات وتوقع المعاهدات وتمنح القروض بسخاء لا مثيل له، وقد حصلت إثيوبيا على حصتها وزيادة، بل وتساهم الصين بقدر مهم من عمليات البناء، وفق تقرير أعده التلفزيون الألماني تقترض إثيوبيا من الصين ما مقداره 1.8 مليار دولار، إضافة إلى المعدات التي وعدت الصين بها إثيوبيا بقيمة 3 مليارات دولار.

وبعيداً عن الصين تساهم دول أخرى في بناء السد منها إيطاليا وألمانيا، وقد أعرب نائب وزير الخارجية المصري للشؤون الأفريقية، لسفراء كل من ألمانيا وإيطاليا والصين، عن استياء بلاده لمواصلة شركات تلك الدول العمل في سد النهضة رغم وجود دراسات حول الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لهذا السد على مصر، وكذلك رغم علمها بتعثر المفاوضات بسبب تشدد الجانب الإثيوبي.

ومن المعلوم لدى الجميع أن الشركة الإيطالية "Salini Costruttori" هي المسؤولة عن تنفيذ مشروع السد، بعد أن حصلت على الصفقة في سنة 2011 دون أي منافسة وبعقد قيمته 4.8 مليارات دولار.

بالنسبة لألمانيا فهي من جانب تساهم في البناء؛ ومن جانب آخر تصدر الدراسات المتخوفة من آثار السد على مصر وبالتالي على القارة الأوروبية، نتيجة ما تتوقعه من ارتفاع في منسوب الهجرة غير الشرعية، وهذا ما نفهم منه أن الجانب الألماني الذي يعد أحد القوى الفاعلة في الساحة الدولية والذي يمتلك مراكز للبحث متفوقة في مجالها، يؤكد على كل حرف ذكرناه سابقا وسنذكره، فالسد يهدد لا مصر فقط بل المنطقة بأسرها.


هذا دون أن نشير إلى الدور الأميركي والذي يرجع له الفضل في رسم فكرة السد في مخيلة الإثيوبيين وذلك منذ خمسينيات القرن الماضي، حيث قام مكتب الاستصلاح الأميركي بوضع دراسة مفصلة عن المشروع الذي حمل آنذاك اسم "المشروع إكس". وعلى العموم قد يفهم موقف الدول الأوروبية من السد سواء الدعم أو التخوف.

سيناريوهات مستقبلية للقضية
السد قد تم والملء قريب أكثر من أي وقت، وكما لاحظنا مجموعة من الدول لها مصالح في إثيوبيا، ولهذا أرى أن الأمور معقدة للغاية وحل الملف في هذه الظروف وفي هذا التوقيت غير ممكن؛ وبناء على توقيع مصري بقبول المشروع "2015". ولا يقول أحد إن الاتفاق كان بشروط، ما كان يهم إثيوبيا هو التوقيع على الورق فقط، وهي تعتزم منذ البداية عدم الاستماع للأطراف الأخرى، وهي مدركة أنه من المستحيل "إعداد أومليت دون كسر البيض"؛ لهذا وضعت مصر والسودان أمام الأمر الواقع، رغم أن مصر قدمت شكايتها لدى الأمم المتحدة وتعتزم المضي قدما في القضية، إلا أن كل الأشياء تشي بكون هذه الخطوة مجرد ذر للرماد في أعين المصريين، والتستر على المصيبة التي وقعت فيها البلاد جراء الاتفاق على المبادئ "2015".

وأمام هذا الواقع ليس أمام المصريين من حلول، وانتظار الحكم لصالح مصر في الأمم المتحدة مع وجود مصالح القوى المسيطرة في إثيوبيا، أمر في غاية السذاجة.

ومن الحمق تخيل سيناريو العمل العسكري الذي يحلو للبعض الهتاف به، والرئاسة المصرية تعرف هذا جيداً وتعترف باستحالة الحل العسكري، وبالتالي ليس أمام المصريين سوى انتظار مصيرهم. هذا وقد خرجت تصريحات من مسؤولين وخبراء مصريين توصي بوضع تدابير لمواجهة النقص المائي.

هذا النقص سيؤثر بكل تأكيد على القرى المصرية وعلى الفلاح المصري البسيط، الذي لن يجد أمامه من حل سوى ترك أرضه أو بيعها بثمن بخس والهجرة نحو المدن، ومع تقاطر الهجرات ستشهد المدن المصرية اكتظاظاً غير مسبوق، الأمر الذي قد يسفر عن ما لا تحمد عقباه في المستقبل، وقد نشهد ما لا يخطر على البال، وأعتقد أن الشركات العابرة للقارات تدرك هذا؛ وهدفها هو هذا، فعلى وقع الصدمة سيسلم المصري "أرضه ببلاش" كما يقال. تحت وقع الصدمة يتكيف الشعب مع السياسات الاستبدادية؛ وتحت مسمى حالة الطوارئ يتخلى المواطنون عن حرياتهم بل وعن أوطانهم كذلك.

أخيراً، نؤكد على ثلاثة أمور رئيسة يجب على المصري أن يفهمها، دون أن يغطي شمس الحقيقة بغربال التفاؤل؛ فالأمور اليوم خرجت عن السيطرة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، والمنطقة تعيش مفترق طرق، فالأحداث التي ستعقب هذه الخطوة يعلم الله بها، والتقاؤل لن يحل المشاكل، ولهذا نعود ونؤكد على ما يلي:

- إثيوبيا ستملأ السد.
- تحركات الرئاسة المصرية لن تنفع ولن تغير الواقع.
- العالم في صف إثيوبيا.

هذا هو الواقع فرض نفسه وعلى المصري أن يتقبله، كيف سيفعل ذلك وكل حياته مبنية على النيل؟ هذا بيت القصيد، وهم يعرفون هذا جيداً، وهم قرؤوا قولة هيرودوت "مصر هبة النيل"، ولكنهم يريدون تحويلها إلى "مصر مأساة النيل".

فليحفظ الله مصر مما يخططون له.