سد النهضة... أي مستقبل ينتظره المصريون؟ (2)

سد النهضة... أي مستقبل ينتظره المصريون؟ (2)

01 يونيو 2020
+ الخط -
توقفنا في حديثنا السابق عند تعامل الإعلام المصري مع القضية وها نحن نكمل فنقول:
فأن يأتي الإعلام ويحاول ربط الموضوع بمبارك أو مرسي لهو أمر غريب عجيب، ولا يمكن للعاقل أن يصدقه، وحتى اليوم مصر والرئاسة المصرية غير معترضة على السد بتاتاً، وكل ما تحاول الوصول إليه هو ضمان ملء إثيوبيا للسد خلال مدة عشر سنوات، عوض ما تراه أديس أباباً -ثلاث سنوات-، وهذه هي نقطة الخلاف الحقيقية بين مصر وإثيوبيا، وهذه الأخيرة ترفض تدخل مصر في كيفية ملء السد مع أن الاتفاق (2015) يراعي هذه النقطة، إلا أن إثيوبيا كما قلنا سابقاً، تستند على قوة ما تخول لها الحديث بهذه الطريقة. بل وتَرفضُ تدخل الأطراف الأخرى في الملف، وإن كانت قد وافقت على تدخل الولايات المتحدة والبنك الدولي كطرف وساطة، فهي تعرف أن كِليهما في صفه خاصة البنك الدولي.

البنك الدولي.. الخصم والحكم

للبنك الدولي تاريخ حافل مع تجويع الشعوب ونزوح السكان ففي كتابه "رأسمالية الكوارث" (ص 15 - 16)، يورد أنطوني لوينشتاين ما نصه: "ويجوب صندوق النقد الدولي كل بقاع العالم بمؤازرة من النخبويين الغربيين والدول ذات التسليح القوي، سعياً وراء خصخصة مواردها.. واعترف البنك الدولي بأنه لم تكن لديه أدنى فكرة عن أعداد هؤلاء الأشخاص الذين أجبروا على ترك أراضيهم حول العالم جراء سياساته..".

يعترف البنك الدولي بتسببه في تشريد الناس، ولا أحد باستطاعته محاسبته فهو مدعوم من أقوى الدول في العالم، ومهمته تكمن في تسهيل عملية تدفق الرساميل الأجنبية ونهب ثروات بلدان العالم الثالث تحت دعاوى تحرير السوق.


يصف جون بركينز أحد السدود في الإكوادور. يورد جون بركينز في كتابه "الاغتيال الاقتصادي للأمم"، (ص 26) ما نصه: "ذلك الحائط القبيح غير المتناسق هو السد الذي يصد تدفق نهر باستازا.. إنه يدعم الصناعات التي تجعل حفنة من أهل الإكوادور أغنياء، ويمثل مصد آلام لا توصف للمزارعين والسكان الأصليين الذين يقطنون حول السد..".

وأنا أقرأ الكتاب تذكرت مصر وتذكرت سد النهضة، قد يكون السد بالنسبة لإثيوبيا مسألة "حياة أو موت"، فهي تعول عليه أيما تعويل في دفع عجلة اقتصادها الذي يشهد طفرة ليس لها مثيل، ولكنه في جانب آخر يمثل بالنسبة للمصريين مسألة "حياة أو موت" أيضاً، بل قد تعيش إثيوبيا دون السد، ولكن مصر قد تختفي من الخريطة دون مياه النيل؛ ألم يقل هيرودوت ذات مرة "مصر هبة النيل"، وهو صادق.. كيف يتخيل المصري حياته دون نهر النيل ومعظم أراضي مصر صحراوية والنيل (الأزرق) شريان الحياة بالنسبة للاقتصاد المصري، كيف تغامر القيادة المصرية بمستقبل البلاد، وتتهاون في قضية تعتبر من أهم قضايا مصر في التاريخ المعاصر؟
ومتى كانت الحقوق تُؤخذ بقسم شفهي، كما فعل آبي أحمد حين قال إنه يقسم بألا يمس حقوق المصريين وصفق الجميع وهلل الإعلام للانتصار العظيم؟ ولماذا تغلق الرئاسة أذنها أمام دعاوى البرلمانيين بوضع الاتفاق المبدئي أمام البرلمان ورفضه وبالتالي سقوطه، فالمادة 156 من الدستور المصري تنص على ما يلي: "إذا كان مجلس النواب غير قائم، يجوز لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين، على أن يتم عرضها ومناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يوماً من انعقاد المجلس الجديد، فإذا لم تعرض وتناقش أو إذا عرضت ولم يقرها المجلس، زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة، أو تسوية ما ترتب عليها من آثار".
علينا أن نتساءل أيضاً من الذي له مصلحة في تضرر مصر؟ ومن ذا الذي يسعى لإفقار الشعب المصري؟ وهل هناك شيء ما يحاك في الخفاء؟ هل هم رجال فريدمان "عقيدة الصدمة" قد حضروا ودخول مصر في مرحلة تاريخية جديدة بات قريباً؟ من الذي يتخوف من مصر وضُعفُها قُوته؟

تحركات في الخفاء.. الكيان ودول أخرى

أولاً: دولة الاحتلال

صرَّحت غولدا مائير في أعقاب حرب 1967 بقولها: "إن التحالف مع إثيوبيا وتركيا، يعني أكبر نهرين في المنطقة؛ إن النيل والفرات سيكونان في قبضتنا".
إن الاستراتيجية التي يتبعها الاحتلال لتحقيق هدفه الأسمى المتمثل في بناء دولة إسرائيل الكبرى من النيل للفرات، توضِّح مدى أهمية البُعد المائي في السياسات الإسرائيلية تجاه القارة الإفريقية بوجه عام، وتجاه دول حوض النيل بوجه خاص (مقال: أثر التدخل الإسرائيلي على ملف سد النهضة "قراءة مصرية"، رانيا نادي محمد حسين 2018).
منذ فترة طويلة بدأت دولة الكيان تتجه بأنظارها نحو إفريقيا، واستطاعت في غضون سنوات وبفعل القوة المالية والسند الأميركي القوي التغلغل داخل القارة السمراء، وخاصة في منطقة النيل، فالكيان يراهن منذ نشأته على المياه، وكما صرَّحت جولدا مائير فإن الهدف الحقيقي للكيان يكمن في الحصول على مياه النيل، ولهذا تتحدث بعض التقارير عن الدور الذي لعبه الكيان في توقيع "اتفاق عينتيبي 2010" والذي لا تعترف به مصر والسودان.
وبالإضافة إلى هذه الرغبة يسعى الكيان من جهة أخرى إلى تطويق البلدان العربية والحيلولة دون وجود رابطة إفريقية قوية، وهذا ما أكده "شكومو أفنيري" مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية عام 1975 قائلاً: "إن الأهداف التي كنا نتوخاها من وراء توطيد العلاقات مع الدول الإفريقية هي كسب صداقة هذه الدول من أجل الخروج من العزلة السياسية، والحيلولة دون قيام معسكر إفريقي معاد يقف إلى جانب العرب في نضالهم السياسي ضد إسرائيل". (منى أحمد إبراهيم: السياسة الإريترية في البحر الأحمر، رسالة ماجستير، جامعة الزعيم الأزهري، كلية العلوم السياسية والدراسات الاستراتيجية، أغسطس 2007، ص 12).
وكان موقع (الزنقة 20) المغربي قد تحدث قبل مدة عن الضغوط التي تمارسها دولة الاحتلال على الدول الإفريقية، وأورد ما نصه: "6 دول إفريقية خذلت القدس خلال التصويت الذي أجرته الجمعية العامة للأمم المتحدة.. مصادر قالت أن المتتبع لـ6 دول، ستجد إسرائيل كانت لها جولات عديدة لديها خاصة رواندا وتوغو". (المقال: هل هي رسالة للمغرب!؟. إسرائيل تتغلغل في إفريقيا وتمنع 6 دول من التصويت على قرار القدس بالأمم المتحدة، 22 ديسمبر 2017).

التواجد الصهيوني في القارة بات واضحاً وضوح الشمس (رغم إنكار المسؤولين هناك)، والدعم المقدم من تل أبيب لأديس أبابا وحده ما يفسر التعنت الإثيوبي والتصريحات النارية التي يطلقها بين الفينة والأخرى.

يتبع..