سخرية وانتقادات للقاء لوكاشينكو مع الإعلام الروسي

سخرية وانتقادات للقاء لوكاشينكو مع الإعلام الروسي

10 سبتمبر 2020
الانتقادات طاولت أيضاً الإعلاميين الروس الذين التقوا لوكاشينكو (تاسّ)
+ الخط -

أثار لقاء الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو مع عدد من الإعلاميين الروس موجة من التعليقات الساخرة في مواقع التواصل الاجتماعي في روسيا وبيلاروسيا، وفي حين حظي "الأب"، كما يلقبه العامة في روسيا وبيلاروسيا، بالنصيب الأوفر من التعليقات، لم تسلم رئيسة تحرير قناة " آر تي" مارغاريتا سيمونيان من غضب المعلقين.

 تصريحات لوكاشينكو التي أكد فيها أن المكالمة الهاتفية بين " نيك ومايك" التي التقطتها الاستخبارات البيلاروسية بداية الشهر الحالي حقيقية، وأنها تتضمن معلومات إضافية لم يكشف عنها، فتحت قريحة الناشطين لتوقع سلسلة طويلة من المكالمات "المسلية"، بعد الجزء الأول الذي أثار سخرية واسعة بعد نشره في 4 سبتمبر/أيلول. 

وجاء فيه على لسان شخصين يتحدثان بلغة إنكليزية، أحدهما من برلين والأخر من وارسو، أن ملف تسميم المعارض الروسي أليكسي نافالني لُفق، لمنع الكرملين من التدخل لمصلحة لوكاشينكو الذي وصفه أحد المتحدثين بأنه "جوزة صلبة" يحظى بدعم "رجال مهنيين أقوياء عطلوا مخططات الإطاحة به".

الناشط أليكسي نوفوسيلوف غرد بعد إعلان لوكاشينكو عن جزء سري من المكالمة، متوقعاً عدداً كبيراً من الأجزاء " المسلية" منها: "مايك ونيك يسارعان للمساعدة، مايك ونيك عودة الأبطال، مايك ونيك يوم الحساب... الألياذة... دائما... طوال الزمن... وقائع".

وكانت بولندا وألمانيا نفتا صحة ما جاء في الجزء الأول من المكالمة، واكتفى الناطق باسم الكرملين أليكسي بيسكوف بالقول إن التحقق من صحة ما جاء في المكالمة يعّد مسؤولية أجهزة الأمن والاستخبارات وهم قادرون على معرفة صحتها أو  عدمها.

وأثار كشف وسائل الإعلام البيلاروسية عن فحوى المكالمة موجة سخرية متواصلة، وصل صداها إلى البرامج السياسية الفكاهية الروسية، وخصص إيفان أوراغانت مساحة واسعة من برنامج " أورغانت المسائي" للمكالمة، وقال ساخراً  في برنامجه، مساء الاثنين الماضي، إن "نتائج التحقيق التي أعدها فريق التحرير في البرنامج  توصلت إلى نتيجة مفادها أن لوكاشينكو استطاع التقاط المكالمة وتسجيلها وفق حالتين: الأولى هي انسحاب الجنود الألمان بسرعة من خطوط القتال من دون أن يستطيعوا نقل خطوط الاتصالات، وأما الثانية فهي أثناء تنقله بين المحطات التلفزيونية لمتابعة فيلمه المفضل على قناة روسية".

لكن مقدم البرنامج الفكاهي أشار بسخرية إلى أنه لا يوجد في بولندا إلا شخص واحد باسم مايك وهو شخصية كرتونية معروفة في ذلك البلد، وأنه يمكن الاستعاضة  عن الشخص بموسيقي نمساوي باسم نيك يتسكع في برلين، وأنهما أجريا المكالمة المعروفة التي تشير إلى قوة لوكاشينكو بوضوح، ممتدحاً قدرتهما على التوقف وعدم كشف كثير من الأسرار بانتظار اللقاء الشخصي المباشر، رغم تسريبهما خبر التآمر وتلفيق قضية تسميم نافالني لأنه " في الحرب كل شيء جائز".

وفي لقائه مع كبار صانعي الدعاية الإعلامية للكرملين، انتقد لوكاشينكو سخرية بعض الإعلاميين الروس واستهانتهم بأهمية المكالمة بين برلين ووارسو، وأشار بعتب واضح إلى أن واحداً من أهم صانعي البروباغاندا في روسيا، فلاديمير سلافيوف، قال إنها " لعب أطفال".

وفي محاولة من سومينيان لإنقاذ الموقف، قالت مازحة إنه أصبح مؤلفاً للحكايات حول " مايك ونيك"، كما غدت هي سابقا مؤلفة حكاية " بيتروف وباشيروف" ( ضابطي الاستخبارات الروسيين المتهمين حسب السلطات البريطانية بتسميم سيرغي سكريبال وابنته يوليا في لندن ربيع 2018)، لكن لوكاشينكو رد عليها  بنبرة جادة "بغض النظر عن ضحكاتكم العالية عن هذه المكالمة فإنها حقيقة، وإذا أردتم سماع المكالمة الحقيقية عليكم طلب ذلك من بورتنيكوف ( ألكسندر بورتنيكوف رئيس هيئة الأمن الفيدرالي الروسي)، وأضاف أن "هذا غير مهم، وقريباً ستقتنعون... سأغلق فمي الآن، وأنا أعلم الكثير، لكن لن أتكلم أكثر حالياً".

وفي ما يبدو رداً على برنامج "أورغانت المسائي"، أوضح لوكاشينكو أن المكالمة بين شخصين أميركيين، وهذا واضح من لكنتهما، وأن الحديث لا يدور عن بولندي وألماني.

وتناقل الناشطون مقاطع فيديو من اللقاء الطويل للوكاشينكو يشرح فيها أسباب تحليقه بالطائرة وحمله السلاح منذ نحو أسبوعين مع ابنه الصغير نيكولاي (15 عاماً) في القصر، وسخروا من مقارنة الصحافيين الروس لوكاشينكو بالزعيم التشيلي سلفادور الليندي، وتركزت التعليقات على دور "الأميركيين القذرين" على حد وصف لوكاشينكو، في إدارة قنوات "تلغرام" لزعزعة الأمن في بيلاروسيا وروسيا، عبر قيادة المتظاهرين وتوجيه الأوامر.

وعرضت بعض الحسابات انفعالات وجوه الإعلاميين الروس أثناء حديث لوكاشينكو عن أن "نقاط المراقبة الأميركية رصدت تحليق مروحيته من الفضاء، وأرسلت أمراً مباشراً بعد دقائق للمتظاهرين للانسحاب من محيط القصر الرئاسي"، مشددا على أنه أراد التأكيد على أنه ليس جباناً أو خائفاً، وأنه لم يهرب من مينسك مع أولاده إلى أي مكان، وذهب رغم تحذيرات حرسه الخاص لتحية أفراد الحواجز الأمنية في محيط القصر.

وتناقل ناشطون إقراره بأنه ربما جلس طويلاً في كرسي الحكم، مع مقطع للتظاهرات المطالبة بتنازله عن الرئاسة.

بعض المراقبين وصفوا اللقاء بأنه استعراض طويل تخللته فقرات فكاهية كثيرة، لكنه لم يخلُ من اللحظات العصيبة، فرغم الإطراء المتبادل بين سومينيان ولوكاشينكو أكثر من مرة أثناء اللقاء، اضطر الأخير إلى إسكات الإعلامية الروسية الموافقة على شرعية الرئيس وحقه بالتصرف كما يشاء في بلاده، عند اعتراضها على توقيف بعض الصحافيين الروس لأيام من دون طعام، واضطر إلى الطلب منها "طي هذه الصفحة" وعلامات الغضب بادية على محياه، لتوافق سومينيان مباشرة وتغلق هذا الموضوع.

وعلق ماكس فاغانوف عبر "تويتر" على المقطع بسخرية، بالقول إنه :حوار رائع يشبه الحوار بين الزوجة التي تظهر اعتراضاً على زوجها لأنه يشرب الكحول ويعنفها ويخونها وهو يرد ببرود لتغيير الموضوع".   

حصة الأسد من تعليقات البيلاروسيين ضد الإعلاميين الروس كانت من نصيب سومينيان، فرداً على تغريدة قالت فيها "صباح الخير مينسك... في أي مكان يمكن أن ننتاول طعام الإفطار حسب الموضة الدارجة هنا" ، شدد مغردون على عبارات عدم الترحيب، وطالبها بعضهم بالعودة إلى موسكو.

وبعدها تداول ناشطون مقطع فيديو لمقابلة تلفزيونية للإعلامية من مينسك، قالت فيها إن الاوضاع هادئة ولا تظاهرات في المدينة عملياً، بعد يوم من وصولها؟ وأعادوا نشر مقطع المقابلة مع تعليقات مثل "كيف تمكن رؤية التظاهرات من داخل القصر الجمهوري؟ لو أرادت ذلك لأمكنها الانتقال إلى مركز المدينة بسيارة نقل"، ولفت آخرون إلى أن مقاطع الفيديو المرافقة للقاء حول "الأوضاع الطبيعية " تظهر التعامل القاسي لرجال الأمن مع النساء المسنات.

ومعلوم أن بيلاروسيا تشهد تظاهرات شعبية واحتجاجات في العاصمة مينسك وعدد من المدن منذ التاسع من الشهر الماضي، وانطلقت الاحتجاجات والإضرابات العمالية بعد إعلان الرئيس لوكاشينكو الذي يحكم البلاد منذ 1994  فوزه بولاية سادسة، واتهام المعارضة السلطات بتزوير النتائج ودعوتها المواطنين للخروج إلى الشارع للدفاع عن خيارهم. وتتهم مينسك الغرب بالعمل على تحريض السكان على الحكم في محاكاة لسيناريو " الثورات الملونة"، وتؤكد أنها استطاعت إلى حد كبير إسقاط " المؤامرة" بدعم من روسيا. 

المساهمون